الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الولايات المتحدة ... تبدأ حربا باردة جديدة ....(2)

علي الأسدي

2013 / 7 / 21
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



في مقال للكاتب ماثيو مور قي صحيفة التلغراف اليومية اللندنية تحت عنوان " سباق التسلح يبدأ من جديد " اشار فيه الى رد الفعل الروسي على قرار حلف الناتو باقامة قاعدتين لنظام صواريخ حرب النجوم في وسط أوربا ، واحدة في بولندا والثانية في جيكيا. وجاء ذلك الرد على لسان وزير الخارجية الروسي لافروف قوله : " لقد تضرر الاستقرار الاستراتيجي بسبب خطة الأمريكيين لبناء نظام حرب النجوم. المتخصصون الأمريكان في هذا الشأن لابد يعلمون بأن ذلك يعني بدء الحرب الباردة ".(1)

وكما أعلن أخيرا فأن روسيا أجرت في الأسابيع الماضية تجارب ناجحة على صواريخ باليستيكية متوسطة المدى جديدة مضادة للصوراريخ الأمريكية المنصوبة في الدولتين ، وإن روسيا ستستمر في تحسين نظامها الدفاعي النووي في أوربا. ووفق ما ذكره وزير الدفاع الروسي فالصواريخ الجديدة تستطيع حمل عشرة رؤوس نووية وقادرة على اختراق الدفاعات الصاروخية.( 2)

وكان نائب رئيس الوزراء الروسي سيرجي ايفانوف قد ذكر بان الصواريخ الجديدة هذه قد تمكنت من قطع مسافة3400ميل قبل أن تصيب هدفها في شرقي جزيرة كمنجانكا". ونسبت الصحيفة لفلاديمير بوتين رئيس روسيا حول الموضوع قوله :
" روسيا تعتقد ان خطة نصب الصواريخ في وسط اوربا تشكل تهديدا لأمن روسيا في وقت تعلن الولايات المتحدة أن ذلك جاء تحسبا لتهديد دول معادية مثل ايران ".(3)

التصريحات التي أدلى بها المسئولون الروس حول الصواريخ الأمريكية على حدود روسيا تشي بحقيقة مرة ، وهي أنهم يقتفون أثر الأمريكيين بالسير في طريق الألغام نفسه. الطرفان في الواقع يعيدان تشكيل الحرب الباردة بحجة خطر مزعوم. لكن من يضمن ابقاء تلك الحرب باردة ، ولا تتحول الى حرب دافئة ثم ساخنة قبل أن تلتهب فتحرق الأخضر واليابس. استمرار حلف الناتو لحد اليوم هو أحد مظاهر تلك الحرب ، لكنه بنفس الوقت أداة الحرب الساخنة المؤجلة.

وجود الناتو كقوة عسكرية تساهم فيها معظم دول أوربا الغربية وكندا وأوستراليا ودولا اسيوية في وضع تلاشى فيه تماما التهديد الشيوعي الذي أقيم الحلف من أجل ردعه ، يعني هذا بوضوح أن عدم الثقة والشك والكراهية مازالت كما كانت ابان وجود الاتحاد السوفييتي بدون تغيير منذ تأسيس الحلف.

وفي هذه الأجواء ستجد روسيا خيارات محدودة لتغيير ميزان القوى بينها وبين الولايات المتحدة وحلف الناتو الذي يميل في غير صالحها ، ولعل الطريق الوحيد الضامن لأمنها الاستراتيجي هو اجبار الولايات المتحدة على الالتزام بالاتفاقية الموقعة بين الطرفين عام 1987 التي أوقفت انتاج وتوزيع الصواريخ ذات المدى المتوسط الحاملة للرؤوس النووية ابان ادارة الرئيسان كورباجوف وريغان. فلكل من الطرفين قنابل نووية تسمح بالحفاظ على التوازن الاستراتيجي بينهما ، وتنفي الحاجة تماما لانتاج المزيد ، لأن الخزين الحالي من السلاح النووي له القدرة لتدمير عدة كواكب بحجم كرتنا الأرضية.

الدخول في سباق تسلح جديد سيضر في نهاية المطاف بمصلحة شعبي البلدين. حيث نعلم كل العلم أن شعب روسيا لم يبرء بعد من معاناته الطويلة من تبعات الحربين العالمية الثانية والحرب الباردة السابقة والاضطراب الاقتصادي الذي تركته سياسات كورباجوف الاقتصادية المرتجلة على مستواه المعيشي. وسيجد الأمريكيون ايضا أن سباق التسلح لن يأتي بالرخاء الاقتصادي ، بل بتضخم جبل دينها العام اكثر فأكثر على حساب الشعب الأمريكي الذي تزداد حياة الثمانين بالمئة منه فقرا وعوزا.

فالاقتصاد الروسي مايزال وحيد الجانب عند النظر الى مصادر الناتج القومي ، فهو يعتمد على صادرات النفط والغاز التي لا يمكن الثقة بها على المدى الطويل كمصدر لتمويل سباق التسلح ، آخذا في الاعتبار القدرات الاقتصادية الغربية المتنوعة بتنوع مصادر نواتجها القومية.

ولأن ميكانيكية تحديد أسعار النفط والغاز تخضع لتحكم الولايات المتحدة كما كان الحال في الثمانينيات عندما استجابت السعودية للطلب الأمريكي لزيادة انتاج نفطها المصدر الذي نتج ادى الى انخفاض اسعاره أكثر من 50% مسببا كارثة اقتصادية لروسيا. ونفس الوضع قد يحدث لأسعار الغاز فكلا من قطر وأذربايجان المصدرتان الكبيرتان للغاز في العالم لا يعصيان أي طلب أمريكي في هذا المجال. ولهذا فأي سباق تسلح مع الولايات المتحدة والناتو في ظل أجواء تزايد حدة الحرب الباردة محكوم عليه بالفشل مقدما.

الحرب الباردة التي صاغت هياكلها وبدأتها ادارة الرئيس ترومان ومن بعده الرؤساء الأمريكيين ايزنهاور وكندي ونيكسون وفورد وريغان قد حملت الشعب الأمريكي أعباء سياسية واقتصادية مايزال ينوء بتبعاتها حتى اليوم. ونظرة سريعة الى البنية التحتية لحرب أمريكا الباردة السابقة ضد السوفييت سابقا فماذا نرى ؟؟

فتحت تصرف الولايات المتحدة وحلف الناتو أكثر من 700 قاعدة عسكرية ثابتة اضافة الى الأساطيل البحرية المنتشرة في بحار ومحيطات العالم للحفاظ على مصالحهم السياسية والأمنية والاقتصادية.

ففي عهدي الرئيسين فرانكلين روزفيلت وهاري ترومان جرى تقسيم العالم الى ستة مناطق جيوسياسية ، وخصصا لكل منطقة من تلك المناطق أسطولا بحريا تحت تصرفه مئات الطائرات وعشرات الآلاف من الجنود مستعدة للتحرك للقيام بالمهام التي تناط بها في أي وقت. ويقوم الأسطول البحري في كل منها بمراقبة التطورات السياسية وتحركات السفن الحربية والتجارية العائدة للدول الأخرى في حدود المنطقة التي يشرف عليها. وتتوزع الأساطيل الستة على المناطق الجغرافية التالية : (4)
• الأسطول الثالث مسؤول عن العمليات البحرية الأمريكية في المنطقة الشرقية والشمالية من المحيط الهادئ ومركزه مدينة سان دييغو وتأسس عام 1943.

• الأسطول الرابع مسؤول عن عمليات بحرية الولايات المتحدة في قارة أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى ومركزه مدينة جاكسونفيل، فلوريدا وتأسس عام 1944.

• الأسطول الخامس مسؤول عن عمليات بحرية الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر وبحر العرب وشرق أفريقيا ومركزه القاعدة البحرية الأمريكية في البحرين وتأسس 1944.

• الأسطول السادس مسؤل عمليات بحرية الولايات المتحدة في قارة أوروبا، والبحر الابيض المتوسط.[9] مركزه مدينة نابولي الإيطالية وتأسس عام 1946.

• الأسطول السابع مسؤول عمليات بحرية الولايات المتحدة في شرق أسيا وجنوب شرق آسيا. مركزه مدينة يوكوسوكا، كاناغاوا اليابانية وهو أكبر الأساطيل الأمريكية البحرية وتأسس عام 1943.

• الأسطول العاشر مسؤول عمليات بحرية الولايات المتحدة والبرنامج البحرية في حرب الفضاء الإلكتروني والإنترنت. ومركزه في ولاية ماريلاند وتأسس عام 1943.

واضافة لتأسيس وتطوير الأساطيل البحرية حول العالم حاولت ادارة الرئيس ترومان فرض رؤيتها على عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية تكون فيه الولايات المتحدة اللاعب الأهم اقتصاديا والمؤثر الأقوى سياسيا وعسكريا وتهميش وعزل ما أمكن الاتحاد السوفييتي.

وبناء على ذلك أعدت الادارة الأمريكية خطة اعادة بناء أوربا الغربية عام 1947 تحت عنوان " مشروع مارشال " لربطها بعجلة السياسة الأمريكية والاقتصادية ، كجزء من سياسة احتواء الاتحاد السوفييتي ودول أوربا الشرقية.

تلا ذلك عام 1949 اقناع الدول الغربية بالانضمام الى حلف شمالي الاطلسي تحت حجة الدفاع عن العالم الحر ضد الخطر السوفييتي ، لكن الحلف قد وسع مهامه لاحقا ليبقى حيا رغم المتغيرات الجيوسياسية التي استجدت بعد انهاء النظام الاشتراكي.

لقد استخدم كأداة قمع أمريكية لمعاقبة الدول التي ينظر اليها باعتبارها مارقة. وتنفيذا لهذه السياسة الاستعمارية قام الحلف بالتمهيد وشن الحروب في أنحاء عديدة من العالم منذ تأسيسه ولحد اليوم.

ولم يجري الحد من نشاطه أو تقليص مناطق نفوذه كما وعد رونالد ريغان وجورج بوش الأب لكورباجوف بعد توقيع اتفاقية الحد من التسلح النووي ووقف بناء نظام حرب النجوم الذي حاول بناءه رونالد ريغان. بل بالعكس جرى توسيع نفوذ الحلف ليشمل دولا أوربية اشتراكية سابقة.

فكان لحلف الناتو دوره في حربي كوريا وفييتنام في الخمسينيات والستينيات ، وحربي البلقان والكويت في التسعينيات ، والحرب على أفغانستان وطالبان باكستان عام 2001، وعلى العراق عام 2003 ، وعلى ليبيا في 2011 . وينفذ الحلف حاليا سياسة الأرض المحروقة في سوريا ، بتشجيعه الاقتتال الطائفي بين السوريين من خلال امداد الجماعات المسلحة بالمال والسلاح. وأصبح واضحا أن استمرار الاقتتال الداخلي هو خيار أمريكي بعد أن تم صرف النظر عن التوصل الى حل سلمي للنزاع ، وبعد ان صرف النظر عن التدخل العسكري المكلف ماديا وبشريا.
علي الأسدي - يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيرات اليمين المتطرف في فرنسا لطرد المسلمين


.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع




.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف


.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا




.. خلافات في حزب -فرنسا الأبية-.. ما تأثيرها على تحالف اليسار؟