الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمزية التماهي بين الدولة البوليسية و جواسيس فايسبوك

أحمد الخراز

2013 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


الفايسبوك يشبه كثيرا أي نظام بوليسي سلطوي،إنه محاكاة افتراضية مطابقة تقريبا لبنية نظام شمولي و منغلق، و أراه يتحرك وفق آليات السلطة و هيكلتها،كما أنه يشتغل على أقانيمها ،و يتمثل صورها في شكل تفاعلي يوهم المستخدمين بهامش حرية كاذب و باستقلالية هشة، و الحقيقة أنه نظام له قوانينه الخاصة و العامة و لا يسمح اطلاقا بخرقها، و كأي سلطة أخرى، لابد أن يتوفر الفايسبوك على جهاز بوليسي تجسسي يراقب الشعب الازرق، و هنا طور الفايسبوك آلية تعقب خطيرة جدا و ذكية و فعالة و لا يمكن أن تخطر على بال أعتى الدكتاتوريات المتسلطة، و هي آلية المواطن/البصاص، او المستخدم/البصاص.
جميعنا نشتغل كمراقبين نمارس سلطة الرقابة و التبليغ لفائدة النظام الفايسبوكي كي لا تخترق منظومة قوانينه، و طبعا كان على النظام الفايسبوكي أن يضمن لنا القيام بهذه المهمة القذرة بسلاسة و فعالية،و ذلك بأجرأة و تفعيل مجموعة من الخيارات التجسسية و الزجرية الموضوعة تحت تصرفنا، فمثلا يمكنك الابلاغ عن أية صورة أو حدث أو منشور أو أي شيء قام بمشاركته الغير حتى و إن كان الامر لا يعنيك مطلقا،أي أن آلية التبليغ دائما تبقى خيارا ممكن التفعيل إن أنت أردت ذلك،و هذا بالضبط هو منطوق القاعدة الفايسبوكية التي تحث المستخدمين على ضرورة الابلاغ صراحة:" إذا شاهدت شيئًا على فيس بوك تعتقد أنه ينتهك شروطنا، يتعين عليك إبلاغنا عنه". فأي شيء ينشر يخضع وجوبا لمراقبة الاخرين, و ان كان النشر لا يتعدى حدود الحائط الخاص! و هنا يسقط وهم الخصوصية مرة اخرى، بل أجزم أنه لا وجود لكانتونات على رقعة الخريطة الفايسبوكية الشاسعة و المتداخلة،الكل يراقب الكل،و الكل متداخل في واحد، و الكل في خدمة النظام الواحد، و هي فلسفة الزعيم القائد في مزرعته الوطنية.
كيف يمكن تحليل هذا التماهي الرمزي بين عالمين اثنين، عالم الزعيم الواقعي و عالم الفاسيبوك الافتراضي؟ و حتى ميكانيزمات العقاب من داخل كلا العالمين تتشابه الى حد كبير، ففي حين تعرف منظومة العقاب في الاول مبدأ التدرج بحيث تتراوح الاجراءات العقابية بين التشديد و التخفيف،فيمكن أن يمنع المخالف لنظام الزعيم من الكتابة او إبداء الرأي أو أن يتم سجنه لمدد متفاوتة أو وضعه تحت الاقامة الجبرية و كحد أقصى نفيه او اعدامه، يتدرج العقاب في مملكة الفايسبوك وفق نفس التسلسل، فقد يحظر على المستخدم المخالف التعليق على المحتويات مؤقتا، و هنا نستحضر منع المخالف في العالم الواقعي من الكتابة او ممارسة حقه في التعبير! و الاخطر أن تقوم ادارة الفايسبوك بحذف ما ترى أنه انتهاك لشروط مجتمع الفايسبوك! فكيف يختلف الامر عن جرائم حرق الكتب المعارضة او اتلاف المنشورات المناوئة لسياسات الزعيم؟ انه المبدأ الاقصائي عينه و نفس روح الفكرة الاستئصالية المتسلطة، و كما ان الزعيم المستبد يدعي حماية المجتمع من هرطقات المعارضين، فكذلك الفايسبوك يمارس وصاية أخلاقية غير مبررة على مستخدميه، بحجة الحض على الكراهية او العنف أو نشر الاباحية و العري..إلخ من المبررات الفارغة الاخرى التي تبرر بها سلطات الانظمة الشمولية انتهاكاتها لحقوق الانسان بدعوى الاخلال بالنظام و الاخلاق العامة او الارهاب او اثارة النعرات و غيرها كثير من مبررات القمع عندنا.. و إن كان النظام السياسي المستبد يرتكب في حق مناوئيه بعض الجرائم الاقتصادية و الاجتماعية و ربما الثقافية أيضا، كما حدث عندنا في بعض المناطق الشمالية المتمردة فكان العقاب جماعيا ذا بعد اقتصادي و اجتماعي و ذلك بحرمان المنطقة من مكاسب التنمية و التقدم، و ثقافيا بتضييق الخناق على الثقافة الامازيغية و شيطنتها بعد إقصائها، فكذلك يصح الاسقاط هنا على بعض الذين نالتهم الغضبة الفايسبوكية فتم حرمانهم من حقوقهم التفاعلية كحظر ارسال طلب صداقة، أو حظر إرسال رسالة لصديق أو الحظر من استخدام ميزة ما، و بالانتقال الى العقوبات السالبة للحرية التي يتفانى الزعيم في إنزالها على معارضيه بشكل هستيري فيملأ السجون حتى تفيض، نرى الفايسبوك أيضا يملأ سجونه الخاصة بضحايا لوائح الحظر ممن رفعت بشأنهم تقارير الابلاغ عن انتهاك أو إساءة! و لا يفوتني هنا أن أذكر بشيء طريف ربما، و هو تقاسم كلا الزعيمين الواقعي و الافتراضي لخاصية مميزة تدل على مروءة و نبل و هي ميزة العفو، نعم العفو عن كل من أظهر الانضباط والندم و الولاء و اعترف بشر فعلته و طلب الصفح و التجاوز من جناب الزعيمين المقدسين، و ان كانت آلية العفو تختلف بين النظامين، فإنها تلتقي في الأثر و النتيجة، فشكليا و مسطريا الامر مختلف، لكن رمزيا يظل السراح شبيها برفع الحظر! و الاندماج في الحياة كاستعادة الحساب و تفعيله من جديد!
تتجلى خطورة ما أسميه "القمع الافتراضي" في كونه يرتكن لقواعد تنطلق من الاسفل بشكل أفقي و بيني(أي بين المستخدمين) خدمة للفوق المحايث(النظام) ، عكس الانظمة القمعية الواقعية التي تمارس قمعا فوقيا عموديا موجها من الفوق نحو الاسفل، فالمقاربة "القمعية" الافتراضية، تنطلق على مستوى المستخدمين و تتبلور على شكل بلاغات لتترجمها الادارة في الحال الى قرارات تأديبية او عقابية، و يكون الامر أشبه بتقمص المستخدم العادي لدور السلطة و وظيفتها القمعية على ارض الواقع، فيصير صاحب الحساب صاحب سلطة رمزية و مساهما في صنع القرار العقابي في حق مستخدم آخر،و تكتفي الادارة-الفايسبوك- باتخاذ القرار/الاجراء و فقط، عكس الانظمة في الواقع، التي تعمل على مأسسة القمع و ذلك بتجميع كل الوظائف المرتبطة بالمنظومة الامنية في جهاز واحد رسمي يعنى بشؤون الامن و لا يسمح لأي كان بالتدخل فيه! أي أن وظيفة جمع الاخباريات و الوشايات تناط أولا بالمخبرين و الجواسيس باعتبارهم الحلقة الاولى في بلورة المنظومة الامنية، و هناك أيضا الفاعلين النظاميين من أجهزة أمنية أخرى تختص في جمع المعلومات حول المواطنين و الشؤون العامة بشكل دقيق و أكثر تنظيما و مهنية، لكن جمع المعطيات خامة وحده لا يكفي بل يجب الاشتغال على معالجتها و تدقيقها و وضعها في اطار من الفرضيات و االحيثيات حتى يتسنى الحديث عن قاعدة بيانات شخصية متكاملة.و هنا تطرح آلية التعاون المشترك بين الاجهزة و تعدد المصادر المعلوماتية، و هذا بالضبط ما تشتغل وفقه إدارة القمع الافتراضي-فايسبوك-، فجمع أكبر عدد من الاشعارات/الابلاغات من طرف المستخدمين بخصوص موضوع/منشور/حدث معين، يعني بالضرورة اتخاذ إجراء بخصوصه في أقل من 48 ساعة،و ذلك بعد معالجتها –الابلاغات- و تقييمها وفق "معايير مجتمع فايسبوك".

اللافت، أن إدارة الفايسبوك تعمل على حماية منظومة مجتمعها الازرق، بأية طريقة كانت، و إن كنت تحدثت سلفا،عن كون الاجهزة الامنية تعتمد في جانب كبير على المعلومات التي يكون مصدرها رجالها المجندون و المدربون و المنظمون في أسلاكها، إلا أن الامر يختلف في العالم الافتراضي، فمثلا يمكنك التبليغ عن أي كان حتى و إن كنت لا تتوفر على حساب فايسبوكي ! فليس المحدد هو الانتماء إلى مجتمع الفايسبوك بل إن الخارج يمكنه مراقبة الداخل ! فالحق في التبليغ مكسب جماعي، اضافة إلى أن الفايسبوك يوفر خدمة "الابلاغ عن المحتوى" حتى و إن تعذر على المبلغ رؤية الشيء الذي يحاول الابلاغ عنه!! و ذلك عن طريق طلب المساعدة من صديق، كما هو مبين في الفقرة المتعلقة بكيفية الابلاغ عن المحتويات:"يرجى استخدام هذا النموذج للابلاغ عن انتهاكات لشروط فايسبوك.إذا تعذرت عليك رؤية المحتوى الذي تحاول الابلاغ عنه، يرجى طلب المساعدة من صديق".
أليس من حقنا طرح السؤال حول مدى مثالية المجتمع الذي يريده الفايسبوك؟ و يجد هذا السؤال مسوغات له في ما يضعه الفايسبوك من سياسات أسماها ب "معايير مجتمع فايسبوك"،اذن نحن أمام منظومة سياسات اخلاقية و قانونية عملت الادارة على فرضها و تكريسها عبر إشراك مئات الملايين من المستخدمين و تمكينهم من أدوات و آليات تحتكم في جانبها الغالب على الطابع الامني الرقابي و ليس فقط على ما هو تفاعلي و تواصلي، هل نحن أمام مجتمع مبولس على طريقة الدولة البوليسية؟ هل نحن أمام نموذج افتراضي لمجتمع المخبرين و الوشاة؟ثم الى أي حد يمكن للفايسبوك أن يتمثل افتراضيا دور الدولة المراقبة التي لها شبكة واسعة -بقدر مواطنيها- من المخبرين الموضوعة رهن تصرفهم آليات المراقبة و تقنيات التجسس و التبليغ؟ إن تعويض الوظائف التواصلية لدى المستخدم/المواطن بوظائف اخرى مشبوهة من شأنها أن تنمي داخله ميولا سلطويا و نزوعا نحو فرض وصايته على الاخرين حتى لا يكاد يفرق في ممارسته تلك، بين ضغطة زر و قذف حجر! خاصة و أننا نعيش زمن الانزياحات بين الواقعي و الافتراضي،فما عاد في الامكان وضع حدود واضحة بين تداخل الاول في الثاني، و تأثير الثاني في الاول،و تزداد الخطورة اذا نحن أدركنا حجم هذا النطاق الازرق المتسع الذي يغطي أكثر من مليار مستخدم على مستوى العالم من كافة الاعراق و الاجناس و الاعمار، و الاخطر أن يكون بديلا للتنشئة الاجتماعية و يصير بالتالي حاضنة مجتمعية للفرد، وفق تلك القيم و المعايير التي تؤسس لمجتمع الفايسبوك. إننا فعلا أمام صناعة مجتمع معين بقيم مغايرة و مفصلة على مقاس "إبلاغ-حظر"، كقيم موازية تماثل "اختلاف-قمع"، و يزداد الامر هولا حينما نعلم أن فايسبوك يتطلب أن تكون أعمار أفراد مجتمعه 13 عاما على الاقل، قبل أن يتمكنوا من إنشاء حساب! حتما سنكون أمام جيل أزرق فرخته الانابيب الزرقاء، جيل من البصاصين الفضوليين الدوغمائيين الرافضين لأي منطق آخر مختلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وقفات تضامنية بمدن مغربية عدة تطالب بوقف التطبيع ومقاطعة إسر


.. فايز الدويري: المعارك في منطقة جباليا ستكون صعبة وقاسية




.. ناشطة أمريكية تهاجم المتخاذلين عن نصرة غزة


.. تحذير من المحكمة لمايكل كوهين بسبب مقاطع فيديو على تيك توك ح




.. ميلانيا ترمب تمنع ابنها بارون من الانضمام لعالم السياسة.. فم