الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق بين الجماهير والنخب [ 1-2 ]..

عزيز الحاج

2013 / 7 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق




من المسؤول الأول في العراق عن سلبية وعدم تحرك الجماهير الكثيفة، كما في مصر، ردا على ما تعانيه من تدهور في الخدمات، وفي الأمن، وفي الحريات الفردية والعامة، ومن نهب للثروات الوطنية، وتبعية للسياسات والمطامع الإيرانية؟ هل ما يعانيه العراقيون منذ سنوات هو أقل مما عاناه المصريون زمن مبارك، ولاسيما زمن مرسي؟ أم هو أضعاف، وأضعاف ذلك؟!
هذا محور لسجال عراقي – عراقي انفجر مؤخرا. وكانت أكثرية من الآراء تلقي المسؤولية على الشعب العراقي، الذي تهب مئات الآلاف منه في زيارات على الأقدام في مناسبات دينية ولا يتحرك بضع ألاف منه للعمل والنضال السلمي لتصحيح وتغيير الأوضاع المأساوية التي يعاني منها تحت كابوس النظام التحاصصي الطائفي، المرتبط بإيران. وقد رد الأستاذ عدنان حسين على هذا التحليل. فهو يرمي المسؤولية كلها على افتقار عراق اليوم، عكس مصر، إلى نخب سياسية واجتماعية وثقافية واعية ونشيطة وجريئة، وقادرة على تحريك الجماهير. وثمة من يرى أن المسؤولية تقع على الطرفين، النخب والشعب معا. وكنت في مقال لي في 14 أكتوبر 2009، في مكان آخر، قد تناولت إشكالية العلاقة بين النخب والجماهير في العراق، وارتأيت أن ثمة علاقة تأثير وتفاعل متبادلين بين النخب و الجماهير[ المجتمع أو عامة الناس، أو الشارع]. فالنخب تلد في مجتمع معين، وهي من هذا الشعب؛ وكلما كان المجتمع والشعب متقدمين في التحضر والتربية والممارسة الديمقراطية، ازدادت إمكانيات وفرص ولادة نخب متقدمة فكريا و سياسيا واجتماعيا، وبأعداد أكبر. والعكس بالعكس. غير أن هذا لا يعني أن نخبا متميزة لا تولد في مجتمع متخلف، ومن شعب بأكثرية أمية وسهلة الانقياد للدجالين والخرافات والدعايات الطائفية و الشعبوية.
في عراق ما بعد سقوط الاستعمار العثماني، الذي استمر قرونا أربعة، وما خلفه من تخلف شامل في عقليات الناس والمجتمع، ولدت منذ العشرينات حركة- نسائية ورجالية- تدافع عن حقوق المرأة، التي كانت ضحية بامتياز للتخلف السائد ولهيمنة رجال الدين. كما ولدت بدايات حركة تقدمية سياسية في أواخر ذلك العقد، وكانت إرهاصات لميلاد الحركات الديمقراطية واليسارية فيما بعد. ومن صفوف الشعب العراقي، بأميته الواسعة، ولدت منذ الثلاثينات حركات فكرية وفنية وأدبية متميزة، راحت تتطور مع الزمن بطفرات. وكانت- سابقا- أكثرية الشعب تصدق دعايات المرجعيات الإسلامية عن مخاطر" و"آثام" الحضارة العصرية، ولحد تحريم وتكفير التعليم في مدارس الدولة، وحظر تعليم البنات، ولكن نشاط النخب السياسية والثقافية والاجتماعية الواعية، وقوانين التطور نفسها، راحت تقهر تدريجيا تلك الدعايات البائسة، التي تورط فيها بوجه خاص رجال الدين الشيعة، الذين كانوا يفتون بتحريم دخول الأبناء لمدارس الدولة، وتحريم المشاركة في الانتخابات، وغير ذلك، مما كان له دوره الكبير في تحجيم الدور الشيعي في مؤسسات السلطة.
ومن الشعب، ذي الأكثرية الأمية، ولد أمثال رضا الشبيبي ويوسف غنيمة وساسون حسقيل وسعد صالح ومحمد الصدر وعبد الكريم قاسم وكامل الجادرجي ومحمد حديد وعبد الفتاح إبراهيم وعزيز شريف وفهد، وغيرهم من الساسة المتميزين. كما ظهر علي الوردي وجواد سليم ومحمد جواد الطاهر والكرملي والجواهري والسياب ونازك الملائكة وعاتكة الخزرجي ونريهة الدليمي، وعلماء الآثار العظام، كطه باقر وفؤاد سفر، وعشرات آخرون من أفراد النخب المتقدمة. هؤلاء وأمثالهم كانوا بنات وأبناء مجتمعاتهم، وكانت ثمة حدود وضوابط لانقلابهم على مواريث التخلف بحيث لا ينقطعون عن الناس، ولا يستفزون مشاعرهم وجها لوجه، لكن المهم أنهم ظهروا في العراق، واثروا تدريجيا في تقدم البلد وتوعية الناس، وكل في مجاله. وفي الهند المستعمرة، الغارقة في الأمية والخرافات، ظهر غاندي وجواهر لا نهرو، اللذان قادا مئات الملايين، وبنضال سلمي، نحو الاستقلال والتقدم. وفي جنوب أفريقيا، ظهر مانديلا، الذي يحتفل اليوم كل العالم بيوم ميلاده بوصفه القائد الذي استطاع كسب الملايين المظلومة والمتخلفة وراءه للنضال السلمي الناجح للخلاص من نظام الفصل العنصري الإجرامي. وفي الريف العراقي البائس، الذي كان تحت كابوس الإقطاع البغيض والاستغلال البشع وخرافات رجال الدين، ظهرت في العهد الملكي جمعيات تقدمية للفلاحين. وكانت للحزب الشيوعي مكانة خاصة بين الفلاحين برغم كل الدعايات المناوئة للشيوعية، ولحد تكفير الشيوعيين، واتهامهم بالفسق والانحلال الخلقي. ولكن يلورة الشيوعيين لمطالب الفلاحين العادلة، ودفاعهم عنهم، وتضحياتهم الغالية من أجلهم، راحت نؤثر إيجابا على نفوس وعقول الفلاح الأمي المتدين، وتحركه للنضال وانتزاع المكاسب.
الحوار المتمدن في 22 تموز 2013
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة