الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية في قلب أم الدنيا

خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)

2013 / 7 / 21
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة



رغم زعمنا، من المحيط إلى الخليج، بتدثر عباءة الحضارة لا تزال عقليتنا تئن بقبلية وفحولة الجاهلية، متخذين من النساء جسرًا لكسر كبرياء الشقيق العدو في "شرفه"، المتمثل في جسد المرأة، وكأن المرأة هي بؤرة النيل من هذا الشقيق الخصم. وعندما يدعي أحد هذا جراء مصيبة شعب عربي تأتي بفائدة للمتلقي الجاهلي من شعب عربي آخر، يزداد الطين بلة.
منذ أيام شاهدت على شاشة المرناة كاتبة سورية، تقطن القاهرة منذ أكثر من عقد، وهي تبكي جراء ما أصاب السوريات في مصر في إطار الصراع السياسي الدائر، ما أدى إلى انتشار وشاية مفادها أن نكاح الجهاد، الفتوى التي أطلقها داعية من بلد عربي ثالث، بدأ العمل به في ميدان رابعة العدوية حيث يعتصم أنصار الإخوان المسلمين منذ أن أُطيح بهم. السوريات المقيمات في مصر جراء الحرب الطاحنة في سورية يمثلن الطرف الضعيف في هذه الوشاية.
استدعاء عقليتنا القبلية البائسة للمرأة العربية والزج بها في أتون صراعاتنا لا ينفصم عن ماضٍ سحيق لم نبرأ منه. إنها عملية شيطنة للسوريين، وضمنها المرأة السورية للنيل من "شرفها" بغية كسر أنف الرجال الذين قد تسول لهم أنفسهم التدخل في الشأن المصري الداخلي. لا أظن أنها عملية ممنهجة، بل هي آنية وستختفي بفضل حكمة المصريين وعروبتهم التي لم تنل منها الحملات المتكاثرة منذ إتفاقية كامب ديفيد وما لازمها من أخطاء سياسية على يد سياسيي البلدين.
هذه الترهات سبق أن طالت نساء العراق بعد سقوط بغداد اللائي اضطررن إلى البحث عن قوت يومهن في دول الخليج العربي، والوقائع والأحداث يعرفها الأشقاء العراقيون أكثر من غيرهم. إذ كان الغرض منها ضرب نظرية "ماجدات العراق"، وكأننا كنا نضرب نظرية الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وهو ما حققه الجيش المصري في آـخر حروبنا مع العدو، حرب أكتوبر 1973.
يعرف المصريون أن سورية كانت القطر الشمالي لجمهورية مصر العربية، ومن أجلها خاض أجدادهم الفراعنة معركة مجدو، ضد اليهود في فلسطين، في القرن السابع قبل الميلاد، وأن سليمان الحلبي عبر الصحارى والوديان ليقتل الجنرال كليبر قائد الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801م).
قائمة الوشائج القوية التي تجمع الشعبين منذ فجر التاريخ طويلة، وقد أدرك حكام مصر، من قدماء المصريين، أن أمن سورية يشكل جزءًا قويًا من أمن مصر. فلا أحد ينسى أن أبناء بلاد الشام أناروا مصر، بعد هروبهم من ظلم العثمانيين، في القرن التاسع عشر، من خلال فرقهم المسرحية ومثقفيهم وصحفييهم الذين أنشأوا أولى الصحف العربية الباقية على قيد الحياة منذ أكثر من قرن، الأهرام.
لا أنسى في طفولتي درسًا في كتاب المطالعة عنوانه "جول جمال، بطل من سورية"، هذا الضابط السوري المسيحي الذي شارك زملاءه المصريين في تفجير زورقه الطوربيدي ضد البارجة الفرنسية العملاقة جان بارت، أول سفينة مزودة برادار في العالم، قبل أن تأتي على ما بقي من مدينة بورسعيد جراء العدوان الثلاثي على مصر، في ليلة 4 نوفمبر عام 1956، وظلت هذه المعركة، معركة برج البرلس، مبعث فخر لعقود ولأجيال. كان صورة جول جمال الرمز تزين كتبنا. كنا نحاول نسخها في زمن جميل ملئه الأمل، كنا نحلم فيه أن نكون سادة في بلداننا، ولا يتحكم فينا الآخر. ثم حلت محلها صورة بطل عسكري آخر، عبد المنعم رياض، لنواصل تقليدها وتعليقها في غرفنا، في طفولتنا الغضة.
قبل معركة برج البرلس التي شارك فيها البطل السوري جول جمال بيومين، الثاني من نوفمبر 1956، كان الطيران الفرنسي البريطاني قد دك محطات الإرسال الإذاعي في أبي زعبل، على أطراف قاهرة المعز، فما كان من المذيع السوري إلا أن أخذ الميكروفون وأعلن بصوته الجهور" هنا القاهرة من دمشق هنا مصر من سورية. لبيك، لبيك يا مصر"، بينما كان عبد الناصر يستعد لإلقاء خطابه الشهير معتليًا منبر الجامع الأزهر.
لا يغيب عن أحد أن شيطنة السوريين في مصر يدخل في إطار محاولات تعبيد الطريق أمام تنفيذ سايكس بيكون جديدة، وسواء أدرك هذا أم لم يدركه أطراف هذه الحوادث والتشنيع. لكن الشعب المصري الذي يعيش الهجرة منذ منتصف السبعينات، مع بدء الوفرة النفطية وانتهاء آخر الحروب مع إسرائيل، يدرك أن ما يحدث فخًا ولهذا فلن يقع فيه، فالمحلات السورية تنتشر في الحي الذي أسكن فيه حيث حضورهم الكبير ولم أسمع عن حادث تعرض فيه مصري لأحد من السوريين.
ربما لا يعرف كثيرون مكانة السوريين في قلوب المصريين، وهي مكانة لم تتأثر بفعل السياسة، عندما ألغيت الوحدة في زمن عبد الناصر، أو عندما حدثت القطيعة في زمن السادات، وقد تعاطف المصريون مع مأساة الشعب السوري، الذي هرب بعض منه الى مصر جراء المأساة التي تطحن سورية!
هذا التاريخ الطويل من العلاقات الوطنية الحميمة، خاصة التداخل في أيام الوحدة، تركت مساحة للتزاوج بين المصريين والسوريات. وظلت شريحة من المصريين، ممن هم في سن الزواج، يحلم بالزواج من فتاة سورية. لقد عشتها عن قرب في مصر وفي الخارج أيام الدراسة حيث كان بعض الزملاء يبحثون بين عن زوجة بين السوريات. ومع قدوم السوريات تمت زيجات، راحت بعص وسائل الإعلام تنفث السموم حولها، بإشاعة أخبار تفتقر إلى الدقة.
القضية أخذت أكثر مما تستحق من حيز، وكان حريًا للشقيقات السوريات اللائي أثرن هذه القضية أن يتريثن، فما قيل على المصريات، وبعدهن العراقيات، في دول عربية كان كافيًا لنخوض حرب داحس والغبراء في نهاية القرن العشرين وبداية الحادي والعشرين. الإختلاط بين الشعوب دائمًا ما يفسح المجال أمام مخاوف غير مبررة، لكن البعض يستغلها، ليلقي بالمحروقات على النار، نار الأزمات وضيق ذات اليد لدى شرائح كثيرة من المصريين، ما يجعلهم يخافون من القادم الجديد إليهم، الخوف من المجهول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا عرب، فما يحاك لنا أكبر من شرف امرأة
علي موسى ( 2013 / 7 / 22 - 08:24 )
لطالما وضعنا شرف الأسرة والقبيلة والشعب –إن وجد، فأنا أشك أن هناك شعوبًا عربية، فكلنا قبائل تعيش في العصور الوسطى- في المرأة واستمرأنا الكذب والنميمة والسرقة والاقتتال، فلا خير فينا. إنني على ثقة من أن هذه الكاتبة السورية - التي لا أعرف هويتها، وكان حريًا بك أن تذكر لنا اسمها- لم تخرج في تفكيرها عن مسألة الشرف، شرف السوريات اللاتي خرج الخبر بشأنهن. وكان حريًا بها أن تتأكد من صحة هذا الخبر، الذي أظن أنه يعتري من الصحة، قبل أن تلوك سمعة السوريات، فهن مثل كل نساء العالم، وزاد على وضعهن اللجوء إلى الهجرة إلى بلد فقير يئن أهله من الفقر.
أعتقد أن مثل هذه الأخبار تهدف إلى تقوقع مصر أكثر وسحبها لمسافة أبعد عن أشقائها العرب، وهي التي طالما حنت على كل عربي لجأ إليها منذ بداية عروبتها. افيقوا يا عرب، فما يحاك لنا أكبر من شرف امرأة أو شعب بأكمله.


2 - بئس أمة تضع شرفها في جسد المرأة بينما ترتكب كافة ا
خالد سالم ( 2013 / 7 / 22 - 09:09 )
بئس أمة تضع شرفها في جسد المرأة بينما ترتكب كافة الموبقات السبعة!
لست من أدعياء قصر -الشرف- على جسد المرأة، إلا أن الموضوع برمته مؤلم لأي إنسان إذا كان هذا الأمر رخصًا واستخفافًا، فما بالك إذا كان لحاجة، لكسب قوتهن في بلد مضياف كمصر، احتضن أبناء أمته من الماء إلى الماء، كما تفضلت وأسلفت. والشاعرة التي أثارت هذه القضية ليست نكرة، ولم أقصد شيئًا من عدم ذكر اسمها. إنها الشاعرة لينا الطيبي، وهي معروفة للكثيرين في الوطن العربي وخارجه.
أعترف أنني عندما علمت بزيجات سوريات بمبلغ زهيد من المال تألمت كثيرًا، رغم علمي أن الأفضل لهن الزواج إذا أردن ذلك، دون حاجة مادية. أكرر أن كثيرًا من المصريين لديهن هوس بالزواج من سوريات، والغريب أن هذه الرغبة لا يبديها المصري تجاه أخريات. حُكي لي أن هناك مساجد تقوم بهذه المهمة، مع العلم أن مساجد أخرى كانت تقوم بها بين المصريات والمصريين في السنوات الأخيرة، أي أن الأمر لا يقتصر على السوريات، ولكن العيب يكمن في أن الزواج من السورية ينقصها حقوقًا مادية فرضتها العادات والأعراف في مصر، مثل المهر والشبكة...إلخ.



اخر الافلام

.. القومى للمرأة يطالب شركات خدمات النقل بالتطبيقات بوضع معايير


.. العربية ويكند | استطلاع أميركي: الرجال أكثر سعادة بوظائفهم م




.. عضو نقابة الصحفيين أميرة محمد


.. توقيف سنية الدهماني يوحد صوت المحامينات في البلاد




.. فتحية السعيدي ناشطة نسوية وأخصائية في علم الاجتماع