الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة الجعفري والنوايا السيئة

خالد يونس خالد

2005 / 5 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الدكتور خالد يونس خالد *

بعد مشاورات طويلة وشاقة أعلن السيد رئيس وزراء العراق إبراهيم الجعفري تشكيلة حكومته التي حظيت بموافقة الجمعية الوطنية العراقية. وارتاح العراقيون بتشكيل مجلس الوزراء لقيادة العراق الى بر الأمان، وإزالة المخاوف من تقسيم العراق، وامكانية التعاون الجاد للقضاء على الارهاب، وتحقيق السلم والاستقرار في الوطن الديمقراطي التعددي الفدرالي الموحد. وتفاءل العراقيون أيضا أن عهدا جديدا قد بدأ، وأن الأمل في وحدة العراق بتحقيق الديمقراطية والفدرالية والمساواة في المواطنة قد تتحقق قريبا. ولكن أثناء تأدية حكومة الجعفري اليمين الدستوري، بدأت المخاوف تظهر في الأفق من جديد، وتجلت النوايا السيئة التي يبطنها بعض العقليات التي لا تفهم الديمقراطية، وتخشى من ممارسة الديمقراطية، وتفكر أن تجعل من الاطار الديمقراطي وسيلة لضرب الديمقراطية بسلاح الديمقراطية. فقد أقسمت حكومة الجعفري على كل شيء مستثنيا (حفظ النظام الديمقراطي الفدرالي). وكان يجب أن يكون اليمين الدستوري حسب الإتفاق بالشكل التالي:
«أقسم بالله العلي العظيم أن أؤدي مهامي ومسؤولياتي بتفان وإخلاص وان أحافظ على استقلال العراق وسيادته ونظامه الديمقراطي الفدرالي، وأرعى مصالح شعبه وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته وأطبق التشريعات بأمانة وحياد والله على ما أقول شهيد».
لكن مع الأسف الشديد جاء في نص اليمين الدستوري الذي قرأه رئيس الوزراء السيد إبراهيم الجعفري وأعضاء حكومته، بالشكل التالي:
«أقسم بالله العلي العظيم أن أؤدي مهامي ومسؤولياتي بتفان وإخلاص وان احافظ على استقلال العراق وسيادته . . . وارعى مصالح شعبه وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته وأطبق التشريعات بأمانة وحياد والله على ما أقول شهيد».
وبذلك قام رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري بحذف أهم عبارة من اليمين الدستوري، وهو يضرب مشاعر العراقيين، ولاسيما الشعب الكردي عرض الحائط. ويبدو أن رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري لم يستوعب المعادلة العراقية الديمقراطية الفدرالية من أنه لا استقرار بدون ديمقراطية، ولا حق للكرد بدون فدررالية في عراق موحد. وأتأسف أن أقول أن العقلية الدينية لا تستطيع الـتأقلم مع الأجواء الديمقراطية لحد الآن، إنما تريد تشكيل حكومة (مؤقتة) تشترك فيها مختلف التيارات بصورة وقتية لتقوم بتصفيتها تدريجيا كما حدث في بعض الدول الجارة للعراق. ولقد كان اليمين الدستوري تجربة فاشلة وخطيرة لحكومة السيد الجعفري، مما تجدد المخاطر بوجود نوايا سيئة لرئاسة الوزراء بعدم الحفاظ على الديمقراطية والفدرالية، بل ضربها في المستقبل حين تنفرد بالسلطة. وهذا عين الخطر الذي يهدد تقسيم العراق وارجاعه الى الوراء.
لقد احتج النواب الاكراد في جلسة الجمعية الوطنية العراقية على حذف السيد الجعفري عبارة (ونظامه الديمقراطي الفدرالي) من نص اليمين الدستوري الذي أداه رئيس الوزراء واعضاء حكومته. وقال السيد فؤاد معصوم نائب رئيس الجمعية الوطنية العراقية أن (كتلة التحالف الكردستاني) تطالب بمعرفة المسؤول عن حذف عبارة (نظامه الديمقراطي الاتحادي) من القسم الذي أدته رئيس الوزراء وأعضاء حكومته.
طبيعي أن حذف تلك العبارة المهمة خرق لقانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وخرق للإتفاقات التي تمت بين الأطراف المشتركة في البرلمان والحكومة، وتمهيد للقضاء على الديمقراطية، ورفض الفدرالية، وبرهان للشعب العراقي بالشك بالنوايا السيئة التي تضمرها رئاسة الزراء إزاء العرب السنة والكرد والتركمان والأخوة المسيحيين والأيزيديين والمندائيين. وربما شعر النائب الثاني لرئيس البرلمان، وهو شيعي، السيد حسين شهرستاني أن (هيئة رئاسة الجمعية الوطنية العراقية ستخاطب مجلس الوزراء مستفسرة عن الموضوع، بالاضافة الى مجلس القضاء الأعلى).
لا أعتقد البته أن أية فئة عراقية سواء كانت سنية أو شيعية أو كرد أو تركمان أو كلدو آشور توافق بحرمانها من المساهمة الفعالية والجدية في الحكم بالشروط التي إتفقوا عليها. فسيكولوجية الانسان العراقي منذ آلاف السنين هي سيكولوجية المقاومة ورفض الخضوع لفئة معينة إذا شعر بالإضطهاد والحرمان من السلطة. ومن الخطأ الكبير مقارنة العراق بأفغانستان أو إيران أو سورية أو تركيا أو أي بلد آخر في الشرق الأوسط. وخير مثال لما نقول هو تاريخ العراق المليء بالمآسي والمقاومة والدمار بسبب إنعدام الديمقراطية وهيمنة فئة معينة تحتكر السلطة وتضطهد الشعب. وعليه فإن أية فئة عراقية كانت أو أجنبية تفكر بالهيمنة الكلية على السلطة في العراق على غرار بعض دول المنطقة والعالم الثالث تجد مقاومة لا نهاية لها. ولهذا يفكر النظام الدولي أحيانا بتقسيم العراق، إذا لم ينجح المشروع الديمقراطي في عراق اليوم. حتى أن بعض الخبراء الاستراتيجيين أمثال رئيس مجلس العلاقات الخارجية للولايات المتحدة (ليزلي جليب) الذي قام بزيارة للعراق في الشهر الماضي من هذا العام، استغرقت 12 يوماً، التقى خلالها بغالبية القيادات العراقية والقادة العسكريين الأمريكيين الأساسيين، وقدم تقريرا إلى وزارة الخارجية الأميركية عرض فيه ما وضع دراسة قبل ما يزيد على العام قال فيها إنه يعتقد (أن إقامة حكومة مركزية ضعيفة ـ عن عمد ـ وثلاثة مكونات مرتبطة فدرالياً هو حل مناسب) . وجاء في تقريره الأخير الذي قدمه قبل أيام إلى وزارة الخارجية أنه بات الآن "أكثر تمسكاً بهذا الطرح مما كان عليه قبل عام".
إذا إنجر العراق الى أي مستنقع سياسي لضرب الديمقراطية، فذلك يعني حدوث حرب أهلية لانهاية لها إلا بتقسيمه وتجزأته. ولا أعتقد أن البديل هو تصفية فئة وطنية عراقية معينة من قبل الأغلبية للتفرد بالحكم. وقد حاول نظام صدام حسين بكل ما أوتي من قوة وارهاب تصفية المعارضين لكنه فشل لسبب بسيط وهو توفر عوامل سيكولوجية وقومية ووطنية لدى المعارضين العراقيين في المقاومة، إضافة الى الحس القومي والوعي الاجتماعي بضرورة الحفاظ على هذا الفسيفساء العراقي بتمتع الجميع بحق المواطنة وعلى قدم المساوة في المجتمع.
* باحث وكاتب صحفي مستقل
[email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ