الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على خطى الشاعر العراقي - لقمان محمود - في ديوانه ( القمر البعيد من حريتي )

علاء كعيد حسب
شاعر و كاتب صحفي

2013 / 7 / 21
الادب والفن


نحتاج إلى الهشاشة و الحسِ المرهف لندرك ما حولنا من تفاصيلٍ و ما فينا من إيقاعاتٍ تحاصرنا، و إلى أعمقَ من الطفولة في تجليها لنتحسس المسافة بين قمرٍ على مرمى البصر و حريةٍ ضاعت بين الحرب و السلم. و حين نصل إلى هذا المستوى الشفاف في الروحِ، يمكننا إدراكُ نقطة البياض في كل خسارة و ألم، و نستطيع بوعي العاشق الحكيم أن نستوعب كنه بعض الأعمال الشعرية التي تفوق رسالتها اللحظة و تتعدى حمولتها الوجدانية تقلبات الإنسان. و من هذه الأعمال ديوان ( القمر البعيد من حريتي ) للشاعر العراقي " لقمان محمود " الذي نسج من خلاله هذا الشاعر خيوطا للحرية بأيادٍ كلُ إصبعٍ فيها يرمز إلى عنصرٍ يشكل أحد ملامح حياة الإنسان، بحيث أضحى مثلا للحرية معيارٌ يتعدى المتعارف عليه في الأدبيات القانونية و المواثيق الدولية، معيارٌ وحدها الروح الحَكَمُ فيه.

و بين التراجيديا التي خلفتها سنوات الحرب و مواقف الفراق و الانتماء إلى هويةٍ أقرب إلى هوية الريح، تكمنُ فسيفساءٌ من الحب و الطفولة و الطبيعة و الأمل، و يعلو كلَ صورةٍ شعريةٍ نفسٌ مثقلٌ بالعواطف، يفسر المغزى الكامن وراء العنوان الذي اختاره الشاعر لديوانه. كأني بالقلق ينخر وجدانه و يقيده، حتى أضحى القمر كرمز للسلام الداخلي و السكينة حلقة مفقودة في حياة الشاعر، و معه حرية روحية تكبلها الذكريات التي تمنعه من مواصلة مسيره حرا من أثر الماضي الأليم. و بما أن الشاعر ابن بيئته فقد جسد " لقمان محمود " من خلال ديوانه ( القمر البعيد من حريتي ) قصة الأمة الكردية التي تبقى حريتها ناقصة و غير مكتملة، لأن الحرية في نظر الشاعر لا تقدم على جرعات كما قال " نيلسون مانديلا " ، فإما أن تكون حرا أو لا تكون.

حاول الشاعر " لقمان محمود " جاهدا في هذا الديوان إخفاء قلقه الوجودي، خلف صورٍ شعريةٍ متقنة و صياغة سرديةٍ رصينة، غير أنه و رغم مكابرته، لم يستطع تجاوز هذا القلق الذي سيطر عليه و ساهم بشكل حاسم في تكوين الجانب الجمالي من شخصيته و شحذها بالحس الإنساني المرهف. و لأسباب موضوعية متصلة بنشأة الشاعر و بيئته، يقاوم " لقمان محمود " سطوة هذا القلق الذي غلف روحه، و يناضل على نهج أسلافه هذا الشعور القاتل، بصبرٍ قذرٍ متعدد الأبعاد، على أمل أن تمتد إليه في النهاية أصابع الأمل الرقيقة:
استرح أيها القلق
كصبرٍ
قذرٍ
ينتظر الأمل
*قصيدة { موت مستيقظ } ص 71

و لأن قدرة الإنسان تتجلى في الشاعر، يحتفي " لقمان محمود " من خلاله ديوانه ( القمر البعيد من حريتي ) بالإنسانية و تعاليمها السمحاء كتصور شفاف و ناعم قام على أساسه الوجود، ليقينه التام بأن الإنسان أشرف على استنفاذ إنسانيته، و أن عليه التشبث في هذا العالم المتصدع و هذا الزمن الكافر بالأحاسيس، بالحب كسبيل وحيد و أوحد للعودة إلى فطرته الإنسانية، للنجاة من براثين المادة التي أتت مطامحها على الأخضر و اليابس:
فات الآوان
أيها الإنسان
و لا فائدة
من هذا العالم المتصدع
فقط دافع عن الحب:
حينها ستعرف
أن بيتك هي الأرض
و عائلتك هي الأشجار
*قصيدة { صمت الإنسان } ص 143

( القمر البعيد من حريتي ) نافذة واقعية المعالم على القضية الكردية، و تفصيل وجداني لملامحها العريضة و ارهاصات شعب أنهكته الحسابات على امتداد التاريخ، و نخرته على مهل المآرب و المصالح التي كان دوما محورها، حتى أضحى الإنسان الكردي من فرط معاناته، ينظر بعين الريبة لعقارب الساعة، و للحدود كأنها رقيب يجس نبضه و يدقق في كل الآلام و المآسي التي يعيشها و عاشها من قبلُ أجداده:
يأتي الظلام
من الأسلاك الشائكة.
فكل معلوماتي عن الحدود
أنها تراقب
الآلام المتبادلة
بين الأكراد
*قصيدة { الجحيم } ص 105

و رغم أن العناصر المحيطة بالشاعر " لقمان محمود " تدفعه إلى التفاعل مع الواقع من أفق غير مشرق، تملأُ أجواءه غيومُ الماضي الملبدة و أمطارٌ جارحةٌ تجلدُ كل نواةٍ ممكنةٍ لمستقبل واضح، إلا أن الهدوء الذي تبعثه ذكرى حبيبةٍ يسكنُ هواها الأضلع، كافٍ للتطلع إلى المستقبل و الأمل في تغيير الرؤى و المعطيات، للمضي بأقدام بيضاء نحو الأمام. هو الحب الذي نادى به شاعرنا في ديوانه ( القمر البعيد من حريتي ) كسبيل أوحد لنجاة الإنسانية، ما يمنعُ عنه الغرق في ظلمات الحيثيات، باستحضار والدته و هي تخبره بأن ابنة الجيران جلست في جحيمه و غنت: ( جنتي في الجحيم ) لأنها تحبه، أو الاقتراب من المياه و هي تنام حالمة بالحصى، و التدقيق في دهشته حين يطفو كل شيء على ظله بينما لا يطفو هو إلا على ناره، ربما يكفيه حلم تسهر فيه حبيبته / وطنه ( دلشا ) التي أخرسها العصر بينما يتابع هو أعمىً صدى كلماتها في ذاكرته:
تزورني دلشا كل نومٍ
لتسهر في أحلامي.
هي خرساء
و أنا أعمى
*قصيدة { الذي لم يتعلم الغرق } ص 8

و أخيرا، فإن الأعمال الأدبية المميزة حتما هي التي تتقبل عدة قراءات، و يجد فيها أي كان، من أي ثقافة أو جغرافيا، جزء منه. و شخصيا، أعتقد أن ديوان ( القمر البعيد من حريتي ) للشاعر العراقي " لقمان محمود " من جنس هذه الأعمال، و له خصوصيته على الساحة الشعرية المعاصرة، في العراق و خارجه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر