الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثائرون والممانعون والعسكر بينهما

بلول عماد

2013 / 7 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


في بلد يعيش نكبة القرن الحادي والعشرين، كانت الشتيمة بشتى صنوفها ومازالت طريقة تعبير عن الرأي في خضم "أزمة كونية" تعصف بسورية، انتقام لفظي لا يتردد صاحبه في تحويله إلى انتقام جسدي حال توفرت الفرصة، القصة بدأت من إعلام السلطة ثم انتقلت تدريجياً إلى الإعلام المضاد لروايتها، مع مرور الوقت تجاوزنا مرحلة السباب إلى واقع التشفي بالميت سواء قضى بالرصاص أو تفجيراً أو على سريره.
اليوم بعد عامين ونصف العام، يستغرب البعض بحسن نية من ردة فعل هذا أو ذاك من السوريين حينما يلجأ للشتم واللعن والدعوة للقتل العلني غير آبه بقانون أو أخلاق، هل معقول أن يشمت إنسان بآخر بعد الموت؟ تباً لتساؤلنا كم هو مثالي وغير منطقي بعد كل ما جرى، فثأر الدم يسلب الفرد إنسانيته، ولن يجد أكبر عقل عبقري أية وسيلة لإقناع سوري تمت برمجة جملته العصبية والشعورية من قبل إعلام "الثورة" ليتخلى عن رأيه تجاه من يرى أنهم سبب في موت أهله وخراب دياره، مثلما لن تستطيع عبقرية العقل ذاتها إقناع سوري آخر يرى في شريحة من أبناء وطنه إرهابيين ومرتزقة وفق تصوير إعلام "الممانعة" لهم.
في معركة "سورية الدولة"، لعبت السلطة وتلعب لليوم بمؤازرة دول إقليمية ودولية دوراً وطنياً وهمياً باختبائها خلف المؤسسة العسكرية، في الوقت الذي اشتغلت ماكينات الإعلام العربي والعالمي على تغذية هذه الفرضية بما يضمن لها تحقيق مبتغاها بتدمير البلاد بشراً وحجراً.
كيف لسلطة كانت سبباً في استعصاء المشكلة ومازالت حتى الساعة غير مؤهلة لقيادة دولة تلفظ أنفاسها الأخيرة، كيف لها أن تكون شريكاً في صناعة أي حل، "التساؤل لا يعني إقصاء أركانها كلياً"، بالمقابل: كيف لمن يدعو ويبارك قتل جندي يؤدي خدمته الإلزامية –مضللاً أو مجبراً- أن يفرز السوريين بناءً على برنامج تحرري يقصي نصف المجتمع، ومن لا يقبل بالشروط يجني على نفسه ويتحمل وزرها؟ "اشتباك الجيش والشعب سببه حلول السلطة الأمنية وهو سر استمرارها".
أين الجيش أو "ما تبقى منه" في المعمعة الحاصلة، بعدما تحول قسم من الشعب لمشروع مقاومة مسلحة ضده، والمشكلة لم تكن معه في الأساس بل مع السلطة الفاسدة الظالمة وبنيتها المافيوية أمنياً واقتصادياً؟ لم يستطع كثيرون لليوم التفريق بين سياسة تلك السلطة الممثلة بنظام بشار الأسد وأركانه، وبين الواجب الوطني الذي تؤديه المؤسسة العسكرية بعد أن ورطتها عقلية السلطة في معركة مزقت كيانها، ومثلهم من الطرف الآخر من ينسب إنجازات الجيش إلى ما يسمونها "القيادة" أي السلطة، أما سقوط الضحايا بأعداد خرافية فسببه خطأ إجرائي من قبل القيادة العسكرية أو خيانة في أحد مفاصل المؤسسة نفسها "رواية تقف وراءها السلطة لتحمي نفسها وتضمن استمرارها على جثث البشر".
نجانب الحقيقة إن ادعينا أن المؤسسة العسكرية لم ترتكب أخطاء قاتلة بما فيها الدمار الكبير أحياناً، لكن –متى وكيف ولماذا- هي مفاتيح مهمة صار يعرف الجميع إجاباتها.
إن أهمية الجيش في الحفاظ على وحدة سورية من نزعة تقسيم كانت ومازالت تهددها يدفعنا لتفعيل قابلية الغفران عن تلك الأخطاء لأنها طارئة ونتائج طبيعية لفساد السلطة السياسية وحلولها الأمنية، بالمقابل لا مبرر لأخطاء السلطة السياسية التي تعتبر المسؤول الأول والأخير عن دمار البلاد وكل ما جرى فيها، وعلى من يعاين الواقع الحالي بناء على نتائجه أن يراجع الواقع نفسه بناء على مقدماته، وعلى من يدعي مساندة الجيش أن يتخلى عن ولاءه الأعمى للسلطة ورموزها، خصوصاً "أشباه الإعلاميين وضيوفهم الذين يظهرون على الشاشات ويمارسون التضليل الوطني والأخلاقي على حساب دماء الأبرياء"، الجميع يعلم أنه لو نجح أي انقلاب يقوده الجيش لانتهت أجزاء كبيرة من الكارثة السورية، وما كنا وصلنا إلى الانقسام على الصعيد الشعبي ما بين ثنائية "شامت وشاتم، وطني وخائن، شهيد وفاطس"، والأصح لو كان في السلطة أدنى خير لسلمت البلاد لمجلس عسكري منذ البداية، وتركته يشرف على مرحلة انتقالية كانت لتوفر على البلاد والعباد الكثير والكثير.
في الثامن عشر من يوليو/ تموز العام الماضي 2012 اغتيل وزير الدفاع السابق الشهيد داود راجحة ونخبة من ضباط بمختلف الأجهزة -لا يهمنا ماضي قادة أمنيين بعينهم مهما كان كالحاً، فقد غابوا من المشهد-، اشتغل الإعلام الخارجي على الحدث، واستثمره قدر الإمكان، مقابل ذلك اشتغل إعلام السلطة أيضاً على الحدث واستثمره لصالح روايته المضللة، فكان أن استقبل السوريون الكارثة بين شامتٍ مبتسم وبين حزين مندهش، الصنف الأول مبرمج مسبقاً لردة الفعل، أما الثاني فجن جنونه لوجود ثغرة أمنية مطالبين بكشف الجناة، ولليوم مازال جمهور السلطة الذي لا يريد رؤية الحقيقة أو معرفتها ينتظر الفرج، بينما جمهور الطرف الآخر ينتشي بمرور عام على استشهاد عدوه وزير الدفاع السابق، هل هناك مأساة أكثر من هذه؟
مشكلتنا في سورية لا تحل عبر فضائية عربية أو أجنبية، ولا عبر شاشة محلية، ولا في مؤتمر بجنيف أو دمشق، ولعبة التوازنات وتحقيق انتصارات من قبل السلطة -تحت ستار تدمير الجيش- أو التوصل لحل سياسي فهي مجرد استهلاك للأعصاب والدماء.
رغم كل ما جرى، مازال الجيش يمتلك قراراً تاريخياً سيدعمه 70 في المئة من الشعب على أقل تقدير، ويجبر العالم كله على تغيير حساباته وقراءاته للحرب الدائرة على الأرض، كما سيسهم بسحب الحجة ممن يقوم بمحاربته لأنه جيش النظام ثم البدء بانتقال تدريجي لمرحلة فاصلة، تفرز تلقائياً ما بين "جبهة النصرة" وشقيقاتها الجهادية، وبين باقي فصائل حملت السلاح تحت مسميات مختلفة لأنها لم تجد حلاً بديلاً على حد راويتها.
الانقلاب الحلم والأقرب إلى المستحيل في حال تحقق سيكون خطوة في طريق الخلاص شريطة أن تباركه حراب "الحرس الجمهوري" وإلا سيتحول لكابوس، وأمام الكابوس حتماً سنختار أن يبقى حلماً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح