الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل مات الحُلم الاخواني؟؟

محمد علي ثابت

2013 / 7 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


المؤكد أن الحركة التصحيحية للشعب في 30 يونيو، التي ساندها الجيش بدافع وطنيته، نجحت في الإطاحة بالرئيس الاخواني وبحكم الاخوان ومكتب الإرشاد وبمخططات أخونة الدولة وتدمير الكثير من أوجه مستقبل أم الدنيا، لكن هل معنى ذلك أن المشروع الاخواني بشكل خاص وفكرة الإسلام السياسي بشكل أعم قد سقطا إلى الأبد مع سقوط دولة الحكم الاخواني القصيرة؟

قد يقول البعض إن هذا التساؤل متعجل وخارج تماما عن السياق لأن فترة السنة التي قضاها الرئيس الاخواني في الحكم ليست كافية للحكم على ما إذا كان المشروع الاخواني نفسه مشروعا خاويا وفاشلا من الداخل. والحق أن هذا الرأي ينطوي على قدر لا بأس به من الوجاهة، ولكننا إذا شئنا إعمال أدوات التحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي المنطقي فإننا سنجد بسهولة أن سنة واحدة من حكم الاخوان كانت كافية لكشف العديد من النقاط والحقائق التي يمكننا أن نستشف منها بوضوح خواء المشروع الاخواني من الداخل وفشله أمام اختبار التطبيق العملي. ولعل أبرز تلك النقاط والحقائق يتمثل، في رأينا، فيما يلي:

1- ضحالة المضمون: فإلي جانب أن اختبار برنامج المائة يوم الأولى في عصر مرسي قد سجل أول فشل قصير المدى مهين للمشروع الاخواني، فإن اتضاح حقيقة أن "مشروع النهضة"، الذي كان فرس الرهان الرئيسي للاخوان في انتخابات الرئاسة ليس سوى كذبة كبيرة أو مجرد أحلام وأمنيات مرسلة لا يملك الاخوان رؤية عملية لتحقيقها على الأرض، قد أكد بوضوح أكبر أن مشروع الإسلام السياسي الذي يملكه الاخوان في جعبتهم هو مشروع شديد الخواء وعديم الواقعية ولا يمكن الاعتماد عليه لتحقيق نهضة حقيقية في مصر ولا يمكن الصبر على أصحابه المتلهفين للحكم حتى يفرغوا من إعداده أو من طرحه للنقاش المجتمعي.

2- غياب القامات: فالجيل الحالي من قيادات الاخوان ومفكريهم، الذين يغلب عليهم الانتماء القطبي المتشدد الذي تكثر نقاط التماس بينه وبين الوهابية بتشددها وكراهيتها للآخر تارة والماسونية بغموضها وسريتها تارة أخرى، هو جيل يكاد يخلو تماما من أية قامات فكرية أو حتى سياسية رفيعة يمكننا الوثوق في خبرتها وكفاءتها حتى وإن عارضناها سياسيا وفكريا. فعلى العكس من جيل اخوان الستينيات الذي كان يضم الكثير من العقول الباسقة والمشهود لها بالعمق الفكري في مجالات شتى كالقانون والفلسفة الإسلامية والتاريخ، فإننا وجدنا أن الجيل الحالي من القيادات الاخوانية لا يملك ولا حتى ربع ما كان يملكه جيل الستينيات من كفاءات، فإذا بنا نجد أن رئيس مجلس الشعب في عصر الاخوان هو في الأصل عالم نبات، ورئيس مجلس الشورى هو صيدلاني، والمشرف الأول على الصحافة هو شخص حاصل على "دبلوم صنايع" لكنه يسمي نفسه بالباشمهندس، والمستشار الرئاسي للشئون الخارجية هو اختصاصي في التحاليل الطبية، بل إننا وجدنا أن المرشح الأساسي للرئاسة من المعسكر الاخواني هو مهندس سبق سجنه في قضية أمن دولة وأصبح بعدها "شاهبندر التجار" الاخواني، وحين تم رفض ترشحه لأسباب قانونية بحتة لم يجد الاخوان سوى الدفع بالمرشح البديل محمد مرسي الأستاذ الجامعي شديد التقليدية الذي تشهد له أدبيات المنشقين عن الاخوان بالطاعة أكثر مما تشهد له بالكفاءة أو سعة الأفق. والأمر نفسه ينسحب أيضا على رئيس الوزراء الذي كلفه الاخوان بتنفيذ مشروع النهضة والذي طال بحث الاخوان عنه وطال انتظارنا له فإذا بالجبل يتمخض في النهاية عن شخص تكنوقراطي حتى الثمالة لا يملك رؤية سياسية ولا حزما.

3- التلهف المتهافت: ولعل هذا قد اتضح بداية حين ترشح الاخوان للرئاسة رغم أنهم تعهدوا من قبل على لسان مرشدهم بأنهم لن يخوضوا أول انتخابات رئاسية بعد ثورة يناير، ورغم أن بعض قياداتهم كان يدرك بالتأكيد أنهم لا يملكون لا مكونات حقيقية لمشروع النهضة ولا قيادات وكفاءات بشرية قادرة على التصدي لإدارة دولة بحجم وقيمة مصر. والحال نفسه تجلى كذلك حين أصر الاخوان على تمرير دستورهم المعيب بليل رغم معارضة كافة التيارات السياسية والمجتمعية ومؤسسات الدولة لهم في ذلك ورغم أنه كان من السهل على أي ذي لب أن يتوقع أن تمريرا مشبوها كذلك من شأنه التعجيل بإشعال البلد في وجههم.

4- لعنة التكويش: وتتصل بالنقطة السابقة نقطة قريبة منها مفادها أن نموذج الإدارة الاخوانية لا يعرف سوى المغالبة ولا يعترف بما يسمى بالأغلبيات النسبية أو الحكومات الائتلافية أو بإشراك المعارضة ولا حتى الحلفاء الضمنيين في إدارة شئون البلاد. فرغم أن الأغلبية التي حصل عليها الاخوان في مجلس الشعب لم تكن ساحقة ولم تكن سوى أغلبية نسبية، ورغم أن مرشحهم لم يفز في انتخابات الرئاسة إلا بعد جولة إعادة وبهامش شديد الضآلة، إلا أننا رأيناهم يتمادون في الحديث عن شرعية الصندوق ويتخذون منها ذريعة لاستبعاد التيارات المدنية كلها من عمليات صنع القرار، ويزرعون عناصرهم المختارين على أساس الثقة لا الخبرة على رأس الكثير من المفاصل التنفيذية للدولة في إطار ما عرفناه بالأخونة رغم أنهم كانوا يدركون أن حكومة قنديل ما هي إلا حكومة مؤقتة أشبه بحكومات تسيير الأعمال وليس من حقها بالتالي إحداث تغييرات جذرية تمس كيان الدولة وليس آليات العمل التنفيذي، بل إننا رأيناهم لا يمنحون حتى حلفاءهم الضمنيين من السلفيين وتيار يمين الوسط سوى الفتات من الحقائب الوزارية والمناصب التنفيذية الأدنى.

5- نظرية اللا دولة: فقد تبين لنا أن مرشد الاخوان السابق كان يعني ما يقول جيدا حين قال ما معناه إنه لا يعنيه الوطن بقدر ما تعنيه الأمة وإنه يفضل أن يتولى حكم مصر ماليزي مسلم على أن أن يتولى حكمها مصري مسيحي، كما تبين لنا على لسان العديد من قيادات الصف الثاني الاخواني وأعضاء مكتب الإرشاد أن نظرتهم لمصر مفادها أنها جزء من خلافة إسلامية – لعلها عثمانية – مأمولة وليست دولة محورية في الإقليم والعالم. لقد رأينا الرئيس الاخواني يخاطب من أمام قصره من أسماهم بالأهل والعشيرة في بدايات فترة حكمه، ورأينا السيدة عقيلته تذهب لتؤدي واجب العزاء في شهيد اخواني ولا تؤديه في جار له لأنه كان شهيدا ليبراليا معارضا، ورأينا الرئيس يكلف قوات الأمن بالحفاظ على سلامة الجنود المخطوفين والإرهابيين الخاطفين في سيناء معا، ورأينا مصر تكاد تجمد علاقاتها التجارية والعسكرية بدولة عظمى محورية بحجم روسيا، ورأيناها تقطع علاقاتها الدبلوماسية بسوريا وتتلاسن مع دولة الإمارات، ورأينا مراكز حضرية في المحافات يكاد يتم تحويلها إلى قرى لأسباب انتخابية، وما إلى ذلك من هراء لا يدل سوى على عدم إيمان الاخوان بنموذج الدولة الوطنية إيمانا حقيقيا.

6- الاستعداء الشامل: فالرئيس الاخواني والقيادات الاخوانية تفننوا على مدى عام كامل في استعداء كافة المؤسسات التي تقوم عليها الدولة بلا استثناء، من القضاء إلى المؤسسة العسكرية، مرورا بالإعلام والمثقفين، وكأن الجميع في نظرهم تروس في ماكينة الدولة العميقة وكأن الاخوان وحدهم هم من يملكون الحقيقة المطلقة وصكوك الوطنية والثورية. وينم ذلك الميل الشديد لاستعداء الكافة عن غباء سياسي شديد بقدر ما ينم عن جنوح للتكويش المتهافت.

7- عناد المباركيزم: فإذا كان الرئيس المخلوع مبارك قد أرسى على مدى سنوات حكمه الثلاثين مدرسة في الإدارة كان من أهم مبادئها العناد الشديد وعدم حب إجراء التغييرات في المناصب والسياسات إلا اضطرارا، على أساس أن مبارك كان يحمل درجة "دكتوراه في العند" على حد قوله، فإن الاخوان لم يذهبوا بعيدا عن مدرسة المباركيزم تلك في عامهم اليتيم في السلطة. فقد وصف رئيسهم نفسه بأنه "جلده تخين"، ورأيناه يحتمي بذلك الجلد السميك عدة مرات ويتجاهل فيها الدواعي والأصوات المنادية بالتغيير، سواء بالنسبة لرئيس وزرائه هشام قنديل الذي بحت الأصوات الشعبية والرقابية المطالبة بتغييره، أو بالنسبة لتجاهل مرسي في خطابيه الأخيرين لنجاح حركة تمرد في جمع أكثر من عشرين مليون توقيع شعبي ضده، وغير ذلك.

8- إجرامية الحلفاء: وأخيرا وليس آخرا، ومثلما قال الأقدمون "قل لي من تصاحب أقل لك من أنت"، فبوسعنا القول إن أحد المسامير الرئيسية في نعش الحكم الاخواني تمثل في الدعم الصريح الذي كانوا يتلقونه من إرهابيين سجناء سابقين ومن آخرين نشطين حاليا يرفعون أعلام تنظيم القاعدة في سيناء وأحيانا في القاهرة والمحافظات، بل إننا رأينا صورا لبعض أعضاء حركة طالبان في أفغانستان يرفعون صورا لمرسي بعد عزله، ورأينا أحد أقطاب الاخوان يقول على الهواء من ميدان رابعة إن تفجير أنبوب الغاز في سيناء سيتوقف في اليوم الذي يعود فيه مرسي مثلما توقف طيلة عامه في الحكم.


والواقع أنه إذا كانت النقاط الثماني السابقة تمنحنا مصداقية معقولة حين نقول إن المشروع الاخواني قد أثبت في غضون عام واحد فشله وتهافته وتناقضه من الداخل بمجرد تحوله من العمل الدعوي والخدمي والاجتماعي إلى العمل السياسي البحت على مستوى الدولة، فإنه من الصعوبة بمكان القول إن تلك الهزيمة معناها بالضرورة وفاة الحلم الاخواني إلى الأبد، فحلم عمره ثمانية عقود وله روافد فكرية منتشرة وامتدادات خارجية عديدة بعضها يحكم على الأرض مثلما في تونس الآن، هو حلم من الصعب اندثاره كليا بعد أي فشل، وإلا لكان المشروع الاخواني قد اندثر بعد ضربات الضباط الأحرار له. والأخطر أن الحلم الاخواني ما هو إلا فرع من فروع شجرة الإسلام السياسي، وصحيح أنه أحد فروعها ولكنه فرع رئيسي وممتد وشديد القدم في عمرها الحديث، الأمر الذي يعني أن الخطر الاخواني ربما يكون الآن في طريقه للانزواء المؤقت، خصوصا بعدما تسبب الاخوان بفشلهم الذريع وعنجهيتهم في تبصير نسبة كبيرة جدا من الشعب المصري ولأول مرة بأن الدين والسياسة لا يجب مزجهما معا وإن من يزعم أنه أكثر تدينا ليس بالضرورة هو من يملك الحلول لمشاكلنا العويصة على الأرض.. ولكن يبقى علينا على المدى البعيد بذل جهود جادة وعميقة لـ "مصرنة" شباب الاخوان، إن جاز التعبير، ولمنع بقايا قيادات جماعتهم من اللعب بالنار تحت الأرض مجددا ضد الصالح الوطني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل