الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النفط والبارود..وعود ثقاب !

نجاح يوسف

2002 / 11 / 2
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

مذ كنا صغارا.. كان يستهوينا اللعب بعلب الكبريت (أبو النجمة).. لماذا ؟ لا ندري بالضبط , سوى ان فيها سحر رائع وجذاب .. بمسحة خفيفة , يتحول هذا العود الصامت إلى أزيز وشعلة متقدة.. متوهجة.. وأكثر ما كان يقلق أمهاتنا , هو اقتراب هذه الشعلة من صفيحة النفط او الغاز.. وعندها نجفل من رشقات صوتهن المجلجل والمحذر: " لا تقرب النار من النفط"  أيها الملعون!!

 

لقد تمترسنا خلف تحذيرات أمهاتنا.. وبعدها انتقلنا إلى تحذيرات أوسع وأشمل .. إلى تحذيرات الساسة .."علينا توظيف النفط للتنمية والتطور الإقتصادي والإجتماعي للبلاد".. مقولات سمعها العراقيون منذ أن انتفض بابا كركر لأول مرة , وشق الأرض منتصبا كالمارد بشعلته الأبدية.. وكم حلمنا أن ينقلنا هذا المارد , من بلد متخلف إقتصاديا وإجتماعيا, إلى بلد متطور سياسيا واقتصاديا واجتماعيا , إلا ان الواقع بكل ما يحمله من تناقضات واشتراطات ..لا يستجيب دائما للأحلام ..وكما قال أحد الشعراء الشعبيين:" لا تبالغ بالحلم ..مو زين !" وفي حال بلادنا, فقد حول الحكام المتعاقبون على حكم العراق وشركات النفط والحكومات الغربية والشرقية , هذا الذهب الأسود, كما كانوا يطلقون عليه,  إلى سلاح ذو حدين..سكين حادة على رقاب العراقيين ..لم تجلب غير البؤس والتخلف والشقاء, إلى جانب القمع والإرهاب والحروب ..وفي الجانب الثاني , تضاعفت أرباح الشركات وامتلأت جيوب الحكام والأعوان بالسحت الحرام..بدون وازع من دين أو ضمير !! هكذا هو حالنا ..

 

واليوم.. وبعد هذا المسلسل المأساوي ..الدامي .. والأزمة التي يمر بها وطننا وشعبنا جراء تلك السياسات والجرائم التي ارتكبها الحكام .. لا أحد يشير أو يتحدث عن نفط العراق ..(سوى تظاهرات دعاة السلام) .. الكل مشغول حول الأسلحة المحرمة والتفتيش عنها وتدميرها.. ولكننا نحن العراقيون (مفتحين بالقير ..وليس باللبن),  نعلم جيدا أن النفط هو العامل المستتر وراء كل هذه الحملات والمخططات التي تحاك في أروقة البنتاغون والسي آي أي .. إذ من خلال السيطرة عليه وعلى منابعه سيتم السيطرة على الإقتصاد العالمي..فالروس والفرنسيون والأوربيون بشكل عام  يتصرفون تجاه القضية العراقية وتعقيداتها وفق ما تقتضيه مصالحهم القريبة والبعيدة , وليس لهذه السياسة أي بعد إنساني , أو تضامني مع الشعب العراقي كما يدعون!!

فإذا كان العراق حاليا مدين بما يقارب 500 مليار دولار لدول الجوار والشركات والأفراد..الخ فهل من مصلحة الشعب العراقي أن تسيطر على نفطه الشركات الأجنبية؟ فكيف ومتى سيسدد العراق ديونه, وبنفس الوقت يعيد بناء إقتصاده الذي دمرته الحروب؟  ولو شنت الحرب فعلا , ودمرت ما تبقى من البنية التحتية , عدا التدمير الذي سيلحق بالآخرين , فألا تعتقدون ان العراق وشعبه سيبقيان ليس فقط مكبلين بالديون إلى عدة اجيال أخرى , ولكن حاضرالعراق ومستقبله سيكونا مرتهنين لرغبات ومشاريع وسياسة الولايات المتحدة ؟ إنها صورة متشائمة وقاتمة.. لكنها صورة واقعية وليست حلم..

 

ما العمل إذن ؟ باعتقادي علينا ان ننسى قضية النفط مؤقتا .. وننتبه إلى قضية اكبر بكثير من ذلك , وهي التفكير بمصلحة العراق وشعبه..أليس الكل يتصرف وفق مصالحه؟ فالشعب العراقي له مصلحة حقيقية بالتخلص من نظام القمع والحرب والعنصرية والاستبداد.. ومن أجل تحقيق هذا (الحلم) علينا كشعب ومعارضة ان يكون قرارنا السياسي مستقل ونابع من مصلحتنا , فيما يتعلق بأسلوب التغيير ومستقبل العراق , ونحاول جاهدين عن طريق الإقناع والضغط على المجتمع الدولي والأمم المتحدة خصوصا , بضرورة إحترام إرادة العراقيين التي لا  ترفض فقط الدكتاتورية وحروبها المدمرة , ولكن الإحتلال والهيمنة على مقدرات البلاد أيضا..

 

صحيح ان الشعب العراقي يعاني من القمع السياسي والفقر والجوع والمرض نتيجة سياسة النظام والمجتمع الدولي على حد سواء . وقد يكون صحيحا ايضا , أن شعبنا يريد التخلص من هذا الواقع المزري الذي يعيشه حاليا وبأي ثمن , حتى لو كان عن طريق الحرب!! ولكن هذه الحالة المؤقتة سوف تصطدم بعد فترة وجيزة بثقل وأعباء ومستحقات الإحتلال, وهناك سوف يبرز التناقض الحاد بين الشعب ومصلحته الحقيقية , والمحتل , وأولوياته !! وهنا يبرز دور المارد النفطي , ولكن في هذه الحالة سيكون المصباح السحري بيد الشركات الأجنبية وهي التي ستقرر متى وكيف يتصرف هذا المارد!! أما على العراقيين فعليهم تقع مسؤولية استرداد مصباحهم السحري , وعراق آذار لا يخل من سندباد , فها هو يوقد فوانيس مركبه ويتفحص بوصلته لكي يصل سالما إلى شط البصرة!!, ولكن حذار أيها الغريب من تقريب علبة الثقاب المشتعلة من نفط العراق وشعبه!!                           

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-