الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار العراقي…… خلق شروط الانعتاق أم قدسية النصوص

حسن الجنابي

2002 / 11 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


 

في تصريح شهير لقائد حركة التضامن البولندية، ليخ فاليسا، عقب فوز اليسار البولندي برئاسة الجمهورية، إلى جانب أكثرية مقاعد البرلمان الذي يشكل الحكومة، قال: "لا يمكن للمجتمع الوقوف على رجل واحدة". والمقصود بقوله هذا أن اليمين السياسي ضروري لتوزان المجتمع وإدارة الدولة و لا يصح انفراد اليسار برئاستي الجمهورية والحكومة. وبغض النظر عن مدى أمانة فاليسا لهذه الرؤيا، إذ أنه كان يفضل انفراد اليمين بالسلطة، فإن فيها من الحكمة ما يمكن الإفادة منه في النضال الوطني العراقي بعد رحيل السلطة الدكتاتورية وضرورة فسح المجال للمجتمع العراقي أن يجد التعبير السياسي المناسب لكافة فئاته للتنافس على إدارة الدولة، وشرعنة تداول السلطة عن طريق انتخابات حرة.

لا تزال الانتخابات الحرة في العراق أقرب للحلم منها للحقيقة، لكنها ستتحقق في يوم قريب لينبثق من رماد الحطام، الذي سببته الطغمة الحاكمة، مجتمع يثق بمستقبله، ويسعى لتضميد جراحه، ويحتفل بتنوعه، ولا يفرق بين أفراده أمام القانون. لكن المسألة ليست رغبة وليست بهذه البساطة أيضاً. فمصير الوضع السياسي العراقي ومستقبل البلاد يخططان خارج الحدود الوطنية، وغالباً بغياب القوى العراقية الفاعلة، بعد أن أممت الطغمة الحاكمة البلاد لصالحها، وأغلقت، بقوة القمع، نوافذ التقدم والتغيير، وفرّطت بالسيادة، والحدود، والكرامة، واتسع كرسي رئيسها ليصبح بحجم الوطن، والأمة والشعارات، والمبادئ.

أمام هذه الصورة المؤلمة، يصبح العمل المعارض واجباً، ويستحق ، بكل تجلياته وأشكاله، الاحترام والدعم والترحيب. ومن هذا المدخل أعرج على دور اليسار العراقي وقدرته في تأسيس شروط نشاطه واستنهاض حيويته، التي إن لم تتعطل، فإنها تضررت كثيراً تحت سياط القمع الرهيب لأجهزة السلطة القمعية، واندحار التجربة-النمودج على المستوى العالمي وتداعياتها المحلية.

فالمعارضة العراقية، باعتبارها بديلاً أرقى ووعداً بالحرية، بحاجة إلى يسار فعال يستمد من تأريخه العريق، وامتداداته الشعبية، وتضحياته الكبرى، قدرته على العطاء والإسهام بخلق شروط إسقاط السلطة باعتبار ذلك فعلاً تقدمياً، وخطوة كبرى إلى الأمام. إلا أن هذا الدور المفترض لليسار لا يمنحه أحد بقدر ما يجري تحقيقه على الأرض كفعل نضالي يفرض نفسه على ساحة الصراع، ولا يمكن تجاوزه بسهولة. ولكي يتحقق ذلك، يحتاج اليسار إلى إعادة تقييم وسائله وبرامجه لتصبح أكثر انفتاحاً، ومرونةً، وفعاليةً، يصبح معها الخروج من أسر الشعارات، مهما كانت محببة، شرط ضروري لبعث الحيوية في هذه الحركة الأصيلة من حركات شعبنا المقاوم، والتي قدمت تضحيات كبرى في سبيل العدالة والمساواة والتحرر.

فمعركة اليسار الحقيقية، في الوضع العراقي المأزوم، ليست مع الأطراف التي تتفاعل مع عوامل الوضع الدولي، أو أصحاب الرؤى الفلسفية المختلفة، بل في خلق أرضية خصبة لاستكمال مقومات التغيير، الذي سيكون إسقاط النظام الحالي الخطوة الحاسمة على طريق تحقيقه. واليسار، كحركة براغماتية، لا يستمد شرعيته من نصوص مقدسة، بل من حاجة جمهرة واسعة من السكان لبرنامج اجتماعي واقتصادي قائم على العدالة، والمساواة، وتأمين الحاجات الأساسية لأفراد المجتمع من العمال، والشغيلة، والفئات المسحوقة، والمهمّشة، وحقهم في التعليم، والضمان الصحي، والحياة الحرة الكريمة. وسيكون دوره في المجتمع المتحرر من براثن القمع والدكتاتورية أكثر ضرورة لمد يد العون والإسناد لتلك الفئات التي سحقتها آلة السلطة وحطمت قدراتها سياسات الحصار والتمييز.

واليوم أمام اليسار العراقي فرصة حرجة كي يتبوء مكانته التي يستحقها في حركة الشعب نحو الحرية، وكذلك عقب إسقاط النظام الدكتاتوري البغيض. فغياب "المرجعية السياسية" في العالم المعاصر ألغى تحديدات الحرب الباردة ، وخلق شرط التحرر من "القيد الايديولوجي" إن صح التعبير، ليلتحم اليسار بالواقع المحلي المتحرك، ويستجيب لتفاعلاته، بدلاً من أن يكون تصوراً فوقياً ثابتاً يطمح لتغيير الواقع كي يلائمه.

فالبرنامج اليساري خال من الخرافة، ولا يستمد عناصره من علم الغيب، أو عالم الخيال، بل من واقع حركي وديناميكي، سقفه الوحيد هو حرية المواطن، وليست قدسية النصوص والشعارات، لأنها دخيلة وطارئة وقد سببت فجائع فكرية وإنسانية لا تزال آثارها شاخصة ولسنا بصدد تعدادها.

أما على الصعيد العراقي، فتجربة اليسار في العراق تؤهله لتقديم بدائل وإجابات وحوافز للعمل النضالي الفعال لإنجاز مهمة التغيير المنشود أكثر من أية حركة أخرى. فقد التف حول اليسار، وانضم تحت لوائه، فضلاً عن قاعدته الشعبية العريضة، كوكبة لامعة من خيرة المفكرين، والفنانين، والأدباء، والأكاديميين، ممن اثروا الحياة الفكرية والسياسية والثقافية في العراق بعطائهم الإنساني، والعلمي، والفني. وبصريح العبارة، فاليسار، كي بحافظ على تقدميته، وضرورته، في حال تغير الظروف، مطالب بالانسجام مع تراثه الثوري، لا بالثبات المستكين لشروط ما قبل التغيير. فتقاليد العمل الكفاحي ضد الدكتاتورية، والعمل لإسقاط السلطة، لا تصلح لما بعدها. والحركة التي لا تدرك هذا الأمر ستكون مهمشة ومعزولة بالضرورة. وإن أشكال وبرامج العمل في ظل القمع والدكتاتورية تنتهي بنهايتها. لذلك من الخطأ تأطير اليسار بحركة حزبية ذات تنظيم هرمي، بالرغم من ضرورة التنظيم، لأنها في الوضع الديمقراطي أكثر شمولية، وأكبر من أن يستوعبها تنظيم حزبي. وإذا ما كان المرء منصفاً، فسيجد أن الإضافات المضيئة للفكر اليساري جاءت غالباً من خارج الهرم الحزبي، أي من رموز الطيف اليساري الواسع. ويمكن، في وضعنا العراقي ملاحظة أن هذا الطيف يتوسع مع الوقت، ويضم رموزاً مهمة من رموز الثقافة الوطنية العراقية. وليس من صالح الحزب اليساري (الحزب الشيوعي العراقي على وجه التحديد) تأميم الفضاء الفسيح لليسار لنفسه، وقطع وشائج العلاقة العضوية بمن يجتهد خارج الأطر التنظيمية. ولابد من التأكيد  هنا أن العكس صحيح أيضاً.

ومن باب لفت الانتباه، يرجى ملاحظة أن الحركة السياسية الناجحة في ظل النظام الديمقراطي لا تقاس بعدد أعضائها، بل بعدد المصوتين لبرامجها في الانتخابات العامة، وخير دليل على ذلك هو أن عدد أعضاء الأحزاب الحاكمة في الديمقراطيات الكبرى لا يتجاوز عدة آلاف في أحسن الأحوال. وإذا ما أردنا دليلاً أخر فحسبنا في ملايين الأعضاء في الأحزاب الحاكمة في الدول الاشتراكية السابقة والتي لم تستطع وقف التغيير الذي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يُحطم رياضيو أولمبياد باريس كل الأرقام القياسية بفضل بدلا


.. إسرائيل تقرع طبول الحرب في رفح بعد تعثر محادثات التهدئة| #ال




.. نازحون من شرقي رفح يتحدثون عن معاناتهم بعد قرار إسرائيلي ترح


.. أطماع إيران تتوسع لتعبر الحدود نحو السودان| #الظهيرة




.. أصوات من غزة| البحر المتنفس الوحيد للفلسطينيين رغم المخاطر ا