الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية دروز بلغراد ... حكاية حنا يعقوب

سميح مسعود

2013 / 7 / 25
الادب والفن


أغراني عنوان الرواية ، وعلى وجه التحديد اسم مدينة بلغراد التي عشت في جنباتها ردحاً من الزمن في صباي أثناء دراستي الجامعية ، تعج ذاكرتي بصور كثيرة لها تتشعب وتتلاقى مع صور أخرى لمدن كانت تشكل فيما مضى دولة يوغوسلافيا الاتحادية ، مثل : سراييفو وموستار وزاغرب ودوبروفنيك وبريشتينا وتيتو غراد وسكوبيا ... صور كثيرة لها يزدهي بها ألبوم ذكرياتي .

قرأت الرواية ، وجدتها رواية تاريخية ، اعتمد فيها مؤلفها ربيع جابر على أحداث واقعة نفي مجموعة من الدروز بعد الحرب الأهلية الطاحنة التي اندلعت في جبل لبنان في عام 1860 إبان الحكم العثماني ، صدرت الارادة السنية بنفيهم الى بلاد الصرب عقاباً لهم على اعتدائهم على المسيحيين واستيلائهم على الجبل ، وتم معهم نفي شاب مسيحي مسالم اسمه حنا يعقوب ، كان يبيع البيض المسلوق بقرب ميناء بيروت حين كان الضابط المسؤول يبحث عن أي شخص لنفيه بدلاً من درزي أخر أطلق سراحه بعدما دفع والده رشوة للباشا العثماني المسؤول ، وذلك لضمان اكتمال عدد السجناء الدروز قبل حضور القنصل الفرنسي لعدهم ، ولأنه لن يقبل ترحيلهم ما لم يكن عددهم كاملاً.

لسوء حظ حنا يعقوب زج به بريئاً مع بقية المنفيين في السفينة التي نقلتهم الى بلغراد ، وجد نفسه مقيداً بين سجناء يعاقبون لقتلهم أبناء طائفته من المسيحيين .

تكشف الرواية بامتدادات وتفرعات سردية متشعبة عن تفاصيل معاناة وهموم وأحاسيس كل هؤلاء السجناء على مدار اثنتي عشرة سنة من السجن في مدينة بلغراد الصربية وفي سجون مدن ومناطق بلقانية أخرى تابعة للدولة العثمانية العلية ، مثل سجون الهرسك وكوسوفو والجبل الاسود وبلغاريا ، تنوعت حولها مسارات السرد مشحونة بدلالات معبرة عن ظروف حياتية قاسية في أقبية طينية مظلمة ، دارت فيها عجلة الزمان برتابة تتكرر فيها أحوال السجناء الصعبة يوماً بعد يوم مثقلة بالامراض والبرد والجوع والإهانات والاعمال اليدوية الشاقة .

تساقطوا مع الأيام واحداً تلو الاخر ، نجا منهم حنا يعقوب لوحده ، هرب من سجنه ، لكن العسكر طاردوه وساقوه الى السجن ثانية ، ثم هرب بعد ذلك عندما احترق المكان الذي سجن فيه ، وهام على وجهه في فضاء مقدوني مسكون بالرحيل ، و في نهاية المطاف التقى بالمصادفة مع حجاج كانوا في طريقهم الى مكة ، انضم لهم ، وانتقل معهم من مكان الى اخر في فضاءات اّهلة باجناس مختلفة من الناس ، وأخيرا قادتهم الدروب الى دمشق ، ودعهم فيها واتجه الى بيروت ليجد زوجته وابنته في انتظاره .

تدور الرواية حول تفاصيل أحداث وأمكنة كثيرة ، يتداخل التاريخ في شبكة بنائية واحدة مع فضاءات أمكنة كثيرة ، اعتمد الكاتب فيها على قائمة طويلة من المراجع التاريخية سجلها في نهاية الرواية ، لإيهام القارئ بأن فضاءاته السردية بكل محاورها لها مرجعية زمانية ومكانية معروفة ، تتصل بأحداث تاريخية بعيدة عن قبضة التخييل ، وترتبط بفضاءات جغرافية واضحة المعالم تتوالى على امتداد صفحات الرواية .

حال انتهائي من قراءة الرواية ، سرعان ما وجدتها على صعيد اللغة الروائية أقرب ما تكون إلى رواية مترجمة من لغة أجنبية ، اعتمد المؤلف في بنائها على جمل كثيرة غير مترابطة ، مليئة بكلمات عامية غريبة رددها الراوي الضمني في نسيج السرد خارج التراكيب الحوارية ، بعيدة عن حلاوة الكلام وطلاوته ، وغير مألوفة في الأعمال الإبداعية ، قللت من جمالية السرد ، واصابته بتشويهات عديدة وبشعة .

واللافت أيضا أن الرواية على صعيد البنية الروائية تفيض بتركيبات نصية غير مألوفة بعيدة عن طبيعة اللغة العربية ودلالات ألفاظها وأبنية أساليبها الأدبية المعروفة ، ترتكزعلى اللعب اللغوي والشكلي والتقليد المباشر لبعض الاتجاهات الادبية الغربية ، ساهمت في جعل الرواية ذات حبكة مفككة .

ثمة شواهد كثيرة في الرواية تدعم صحة هذه النتيجة ، منها نماذج التعبيرات التالية التي أثبتها هنا على سبيل المثال لا الحصر : "... وانتظر دوره وهو يتلوى مثل عجل مريض . تدفق السائل الكثيف الحار من دبره كالشلال ولطخ الصندوق ومؤخرته وطرطش كاحليه ." ص 43 ، "... الإعياء تنقّل في أنحاء جسمه مثل قطيع ثقيل من النمل... " ص 55 ، " ... أزّ الفضاء وراء رأسه . حين خرجوا من تحت عتمة الأغصان انكشفت السماء البرتقالية فجأة واقتحمت عينيه كانفجار البارود... " ص 56 ، " عند ملتقى النهرين ، حيث يرتفع تل بلغراد كبيت سلحفاة بحرية تتّوجه القلعة البيضاء ، يلتف ضباب خردلي صامت أول المساء ويغمر السفح الغربي ... " ص61 ، " ... كان الهواء نقيا ً يُشرب كماء ... " ص95 .

تتوالى مثل هذه الجمل على امتداد صفحات الرواية ، يتابع الراوي ذكرها بتعبيراته اللغوية غير المألوفة ، أحاول الاستطراد بذكر عينة أخرى منها في هذا السياق لتنبيه القارئ لها ، ألخصها بنماذج التعبيرات التالية على سبيل المثال أيضاً : " ... صهلت أحصنة الجنود بينما يشرفون على هاوية من صخور حمراء مسننة تتوزعها العظام ... " ص98 ، " ... كلمات منتوفة كالريش من طيور مهاجرة . ص 103 ، " ... رجل نحيل لين كثعبان تهادى على فرس تنقاد للرسن الحرير بين أصابعه انقياد جارية . دخل وحده .انغلقت البوابة خلفه واختفت خضرة البرّية الملونة بالأصفر. لمحوا العالم الخارجي لحظة ثم عادوا الى جوف الباحة العالية الأسوار . ضوء الغروب تكاثف الى درجة السيلان ، أحمر كالدم ... " ص 110 ، "... شربوا الهواء النقي الكثير وسكروا ... ص 123 ، " سمع عظمة تتطقّ على جمجمة . ارتفع صياح وأعقبته شتائم . مرة تلو أخرى طقّ العظم على العظم . ارتجف حنا . " سيموت " لكن الرجل لم يمت ... لم يضربه النائمون جنبه ... " ص 208 .

تناثرت مثل هذه الجمل في سياق سلسلة مكثفة من المشاهد التاريخية والجغرافية تم مزجها معاً بأسلوب صحفي ، وفي ربط خطي متقطع ، خالية من أي مزايا تشويقية كما هو الحال في الروايات التاريخية لأمين معلوف وعبد الرحمن منيف ، كما أن الكاتب لم يوفق فيها باستخدام بنية الترجيع السردية الى مشاهد زمنية سابقة ، ضمن الأبعاد المكانية المختلفة للأحداث ، ما ساعد على وجود انفصام واضح في فضاءات السرد ، وظهور حكايات بعيدة عن صلب الحكاية الاصلية كما هو الحال في حكاية مصطفى مراد وبناته الثلاث ، إضافات لا حاجة إليها ، حذفهُا أفضل من وجودها في الرواية ، لن يؤدي إلى الإخلال بها وتخلخل بنائها .

من جهة أخرى وجدت أخطاء في الرواية ، وقع بها الراوي الضمني في أكثر من موضع ، أعطى فيها معلومات مخالفة للواقع في مقاطع سردية كثيرة ، منها : ذكره اسم شخصية صربية مهمة باسم جورج واسمه الحقيقي كاراجورجي ، واعطاء صور مشهدية جغرافية لمدينة بلغراد وقلعتها بملامح مكانية اخرى ، وتسمية القلعة باسم " القلعة البيضاء " والحقيقة أن اسمها المعروف منذ القدم " كلمكدان " وترجمة بلغراد للغة العربية تعني " المدينة البيضاء " ، إضافة الى جعل أرض بلغراد صالحة لزراعة الليمون والتين ، وذكر نهر درينا في الجزء الخاص بالهرسك بدلا من نهر نريتفا ، وذكر دوبروفنيك بدلا من مدينة نيوم الواقعة على الجزء الساحلي للبوسنة والهرسك ، وهناك امثلة اخرى كثيرة لا يتسع المقام لذكرها .

غني عن البيان أن الرواية التاريخية تلعب دوراً هاماً في تعريف الناس بالماضي ، ولهذا لا بد لمؤلف الرواية التاريخية من الإلمام إلماماُ وافياً بظروف وأحداث الزمن الذي تجري فيه أحداث الرواية ، وهناك من الروائيين من يدرس دراسة ميدانية للفضاءات المكانية ، يزورها ويعيش فيها بعض الوقت ، وهذا ما قام به عبد الرحمن منيف قبل كتابته روايته التاريخية المعروفة " أرض السواد " ، حيث زار أماكن كثيرة في العراق لكي يخلق مُناخا لروايته أقرب ما يكون إلى الواقع المعيش بكل ملامحه.

مجمل القول رواية " دروز بلغراد – حكاية حنا يعقوب " ، عكس ما توقعت ، ليست إضافة للروايات التاريخية الكبرى ذات المرتبة الأولى ، إنها مجرد واحدة من السرديات التاريخية العادية ، لا تحمل علامة خاصة متميزة تعطيها حق الحصول على أهم جائزة عربية .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في