الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نادي القهوة

عبدالله المدني

2005 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


"نادي القهوة" أو "كوفي كلوب" ليس مكانا لتناول الكابيتشينو و الاسبيريسو ، أو رابطة لمصدري البن في العالم ، أو تجمعا لهواة تذوق أنواع القهوة و تصنيفها مثلما قد يوحي به الاسم. انه باختصار نادي دولي غير رسمي محدود الغرض و المدة ومرتبط أساسا بملف إصلاح مجلس الأمن الدولي الذي يراد له شكلا جديدا يتواءم مع متطلبات وتحديات القرن الحادي و العشرين بحسب تعبير الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان.

وبعبارة أخرى فان نادي القهوة هو رد فعل على مقترحات و أفكار قدمها فريق أممي خاص مكلف بإصلاح المنظمة الدولية العتيدة ، و اشتملت على نموذجين لإعادة هيكلة مجلس الأمن. النموذج الأول يقترح إضافة ستة مقاعد دائمة جديدة إلى مقاعد مجلس الأمن الخمسة الحالية ليشغلها ممثلون عن المجموعات الجغرافية الرئيسية. أما النموذج الثاني فيقترح إبقاء العضوية الدائمة محصورة في الدول الخمس الحالية ، مع خلق عضوية شبه دائمة مدتها أربع سنوات قابلة للتجديد تمنح لثمانية دول ، وذلك تحقيقا لتمثيل أفضل لدول العالم، ولاسيما النامية منها ، في أعلى مؤسسة دولية.

و هكذا فالدول التي تعلم علم اليقين أن لا أمل لها بالاستفادة من النموذج الأول بسبب ضعف تمثيلها للمجموعة الجغرافية التي تنتمي إليها أو بسبب عدم جدارتها سياسيا أو ضعف مكانتها الاقتصادية عالميا مقارنة بغيرها ، رأت أن تتحرك من الآن ، و قبل أن يبت في العملية الإصلاحية في سبتمبر القادم حينما تنعقد الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وذلك من خلال تشكيل لوبي لمعارضة النموذج الأول و الترويج للنموذج الثاني. إذ أن هذا يقطع الطريق على احتمال حصول خصومها و منافسيها التقليديين على العضوية الدائمة، و يعطيها في الوقت نفسه أملا في إمكانية حصولها على العضوية شبه الدائمة.

و يكفي المرء التمعن في اسمي الدولتين المؤسستين للنادي و هما باكستان و ايطاليا، وأسماء الدول التي باركت العملية و انضمت إليها مثل أسبانيا و كوريا الجنوبية وتركيا و مصر و المغرب و كينيا و الأرجنتين و المكسيك، ليدرك أهداف التحرك وأبعاده.

فايطاليا و أسبانيا مثلا لم تنتسبا إلى النادي إلا بسبب شعورهما بالغيرة و الحسد من فرص ألمانيا القوية في نيل احد المقاعد الدائمة المقترحة. و انضمام كوريا الجنوبية إلى النادي لا تفسير له سوى إحباط مساعي اليابان في الحصول على مقعد دائم و ذلك على خلفية ما بين البلدين من مرارة تاريخية. و تحمس الأرجنتين و المكسيك للنادي مبعثه قطع الطريق على البرازيل صاحبة الحظوظ القوية لاحتلال مقعد دائم باسم أمريكا الجنوبية. وانضمام كينيا و مصر و المغرب إلى النادي يعزى إلى ضعف فرص تمثيلها للقارة الأفريقية مقارنة بفرص جنوب أفريقيا مثلا .

و بالتأكيد فان تأسيس باكستان للنادي و قيادتها له عمل موجه أساسا إلى غريمتها التقليدية الهند و التي تتمتع بفرص قوية لنيل العضوية الدائمة في مجلس الأمن بسبب ثقلها الجغرافي و السكاني و صعودها الاقتصادي الراهن و استقرارها السياسي الطويل و نظامها الديمقراطي المتجذر ومساهمتها القوية في قوات حفظ السلام الدولية منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي، ناهيك عن تأييد ثلاثة من بين الأعضاء الدائمين الخمسة في المجلس لها (روسيا الاتحادية و بريطانيا و فرنسا) مع عدم بروز اعتراض صريح من قبل الدولتين الأخريين (الولايات المتحدة و الصين). ففي ظل العداء التاريخي المستحكم ما بين نيودلهي و إسلام آباد و خلافاتهما العميقة حول الحدود والمياه و السيادة على كشمير، يخشى الباكستانيون أن يفضي وجود الهند ضمن الدول دائمة العضوية في المجلس (حتى بدون منحها حق النقض الفيتو الذي تعارض الدول الخمس الكبرى أن يشاركها الأعضاء الجدد فيه) إلى تقويض آمالهم في صدور قرارات أممية لصالحهم أو وفق مرئياتهم الخاصة.

السبب اذن واضح رغم محاولات إسلام آباد في الأسابيع الأخيرة الإيحاء بأن تأسيس نادي القهوة غير موجه إلى أية دولة وإنما نابع من رؤية مفادها ضرورة إجراء إصلاح شامل في هياكل الأمم المتحدة يحظى بالإجماع ولا يخل بمبدأ المساواة و العدالة ولا يميز بين الأعضاء. إذ تكفي العودة إلى خطاب الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي و ما تلته من تصريحات لمسئولين باكستانيين كبار للتثبت من أن إعاقة حصول الهند على مقعد دائم في مجلس الأمن صار في السنتين الأخيرتين هدفا من أهداف الدبلوماسية الباكستانية ، تستثمر فيه كل الحجج و من بينها خروج نيودلهي على الشرعية الدولية بعدم تطبيقها للقرارات الأممية الخاصة بكشمير وخرقها لحقوق الإنسان في هذه الولاية وولاية غوجرات وتحرشها بجاراتها الصغيرات.

بدأ نادي القهوة أول تحرك له في منتصف ابريل المنصرم بعقد لقاء في نيويورك تحت شعار "الاتحاد من اجل الإجماع" حضره وزير الخارجية الإيطالي جيانفرانكو فيني والدبلوماسي الباكستاني المخضرم انعام الحق كمبعوث لرئيسه، إلى جانب ممثلين لأكثر من 119 دولة، لا ينتسب سوى نحو أربعين منها إلى النادي المذكور. في هذا اللقاء برز دليل إضافي على صحة ما قلناه حول الأهداف المتوارية لمؤسسي النادي. فعلى حين شدد الوزير الإيطالي على أن توسعة مجلس الأمن ليست مسألة ذات أولوية وأن جهود الأمم المتحدة يجب أن تتركز على خفض معدلات الفقر و تصفية الديون المستحقة على الدول النامية ومحاربة الإرهاب و تعزيز الأمن الدولي ، كرر المبعوث الباكستاني موقف بلاده آنف الذكر مضيفا أن القوى الكبيرة ليست بحاجة إلى مقعد دائم في مجلس الأمم لأنها إن كانت بالفعل كبيرة سوف تستطيع تحقيق أهدافها ومرئياتها من خلال ما تمتلكه من نفوذ. و السؤال الذي طرحه البعض هو: هل موقفا ايطاليا و باكستان كانا سيظهران بتلك الصورة لو أنهما مرشحتان بدلا من ألمانيا و الهند؟

على إن باكستان بتأسيسها و تزعمها للنادي لم تغضب الهنود فقط في وقت تحرز فيه جهود السلام بين البلدين تقدما ، وإنما أثارت حفيظة اليابانيين أيضا. و ليس أدل على هذا من وجود موضوع نادي القهوة و دور باكستان فيه ضمن المواضيع الكثيرة التي بحثها رئيس الحكومة اليابانية جونيتشيرو كويزومي مع القادة الباكستانيين في زيارته لإسلام آباد مطلع الشهر الجاري. وطبقا لما ترشح عن محادثات الطرفين ، فان إسلام آباد أكدت لضيفها الياباني أنها غير قادرة على دعم طوكيو في مسألة الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن ، هذا على الرغم من مبادرة كويزومي باستئناف قروض و منح بلاده لباكستان و التي توقفت في عام 1998 احتجاجا على التفجيرات النووية الباكستانية، وموافقته على إعادة جدولة ديون إسلام المستحقة لبلاده و البالغة نحو 4.5 بليون دولار. وهكذا فان الباكستانيين بدوا كمن يأخذ دون أن يعطي مقابلا حتى في صورة موقف سياسي.

تبريرا لموقفها هذا، قالت إسلام آباد انه لا ينطلق من قصد الإضرار باليابان وإنما فقط من مخاوف تحسن فرص الهند في دخول نادي الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. ولئن كان هذا صحيحا ، فان الصحيح أيضا هو ارتباط موقف باكستان المذكور بمسألة حرصها على عدم إغضاب حليفتها الاستراتيجية الصينية في ظل ما طرأ على العلاقات الصينية اليابانية الرسمية و الشعبية من خلافات حادة في الأسابيع الأخيرة. و الجدير بالذكر أن إسلام آباد ادعت على لسان وزير خارجيتها خورشيد كسوري بعيد زيارته إلى الصين و اجتماعه برئيس الحكومة الصينية وين جياباو في الشهر الماضي أن بكين تدعم موقفها حيال موضوع إصلاح مجلس الأمن و تشجعها على المضي فيه.

د. عبدالله المدني
*باحث أكاديمي و خبير في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة : 8 مايو 2005
البريد الالكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في بريطانيا.. هل باتت أيام ريشي سوناك م


.. نحو ذكاء اصطناعي من نوع جديد؟ باحثون صينيون يبتكرون روبوت بج




.. رياضيو تونس.. تركيز وتدريب وتوتر استعدادا لألعاب باريس الأول


.. حزب الله: حرب الجنوب تنتهي مع إعلان وقف تام لإطلاق النار في




.. كيف جرت عملية اغتيال القائد في حزب الله اللبناني؟