الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديقة الدار

احمد عبدول

2013 / 7 / 25
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


من حسن الحظ والتوفيق إنني انتمي الى جيل كان قد نشأ وترعرع وسط بيوت تتمتع بوجود حدائق غناء تسر النظر وتبعث في النفوس الغبطة والبهجة والتفاؤل كانت دارنا أبان سبعينيات القرن الماضي كما هي دور الآخرين من أبناء الطبقة المتوسطة مزدانة بمختلف الأشجار والورود والنباتات بالإضافة الى صنوف الكائنات الحية من طيور وفراشات بمختلف الألوان والاشكال كان النصف الثاني من عقد السبعينيات من القرن الفائت بمثابة الفصل الأشد اخضرارا وتفاؤلا ومحبة بالنسبة للعائلة العراقية عموما حيث تكتظ المنازل بأشجار التين والزيتون والرمان والنخيل والسدر والكالبتوز والتي كانت تتسابق تحت ظلالها مختلف النباتات الموردة وغير الموردة الدائمة والموسمية .وسط هكذا أجواء تعبق برائحة ورود الرازقي والجوري والياسمين والجعفري بالإضافة الى أزهار الدفلة البيضاء وذات اللون الوردي المميز كنا قد نشأنا ونحن نتوافر على مقدار كبير من الثقة بالنفس يحدونا الأمل والإصرار على المضي قدما في طريق الحب والخير والمعرفة جراء ما نراه ونتلمسه ونستنشقه ونعشقه من خضرة وظلال وتربة زكية برائحة حضن إلام الرءوم .حديقة الدار كانت تمثل لنا ذلك الحبل السري الذي يربطنا بأمنا الكبرى (الطبيعة )الحديقة كانت في منازلنا بمثابة السلك الموصل الذي يؤمن لنا الالتصاق بقيم الاخاء والنقاء والصفاء والطهر والصدق والمحبة الى أخر قيم الطبيعة النبيلة .
لطالما كنا نشاهد إباءنا المتحدرون من بيئة ريفية فلاحية وهم يقضون جل أوقاتهم في حديقة الدار متنقلين من شجرة الى أخرى ومن غرس الى غرس كنا نرافقهم ونساعدهم على صغر أعمارنا في بعض المهام البسيطة كما كنا نتأثر بحركاتهم وأساليبهم في العمل وطرائق تدخينهم لسكائر (بغداد واريدو والجمهوري ).
في تسعينيات القرن الفائت شهدت المساحات الخضراء الزاهية داخل منازلنا انحسارا ملحوظا بسبب ذلك الحصار الهمجي الجائر الذي تسببت فيه سياسات النظام البائد آنذاك لقد فقدنا حبلنا السري الذي كان يربطنا بقيم الخير والسلام عندما فقدنا حديقة الدار فكانت حسرة الإباء على تلك المساحات الزاهية لا تعادلها حسرة عندما اضطروا الى التفريط بها تحت ضغط الظرف الاقتصادي الخانق ليتم بيعها وإقامة الأبنية على حساب أشجارها ونباتاتها وأزاهيرها وشدو طيورها ، بفقدنا حديقة الدار فقدنا الحلقة الأصغر التي كانت الطبيعة قد اختزلت فيها كل قواها وسحرها وشذاها ، سنوات ما بعد مصادرة تلك المساحات وانحسار رقعتها داخل المنازل والمدن والمحافظات ترعرعت بين أظهرنا أجيال لا تعرف للحديقة معنى في مفردات قاموس وجودها ، كان هذا الأمر احد أهم أسباب تصحر تلك الأجيال العاطفي والنفسي والثقافي فيما بعد .إن وجود الأشجار والنباتات والإزهار داخل البيوت لا يقل أهمية بحال من الأحوال عن وجود الأسرة والمدرسة والجامع والجامعة في حياة الإفراد والجماعات الطبيعة متمثلة في حديقة المنزل هي ذلك الجزء المغروس داخل كل منا والذي نحنّ إليه ونتوق لمعانقته ولعل هذا ما أشارت إليه الآية الكريمة بقوله (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) الآية كانت قد أشارت الى الحلقة الأهم والأبرز في الطبيعة إنها التربة التي تسترد أجساد أبنائها بعد ان يقضوا فوق سطحها وطرا . الحق أقول لكم يا إخوتي إننا اليوم أحوج ما نكون الى العودة لأحضان الطبيعة وتمتين عامة الأواصر والعلائق مع صورها وتمظهراتها ومستويات سحرها الخلاب نحن اليوم بحاجة ماسة الى ان نيمم وجوهنا شطر صور ومفاهيم الطبيعة عبر تحويل كل ما نمر عليه من مساحات جرداء الى بقع خضراء داكنة ، كل حسب طاقته واجتهاده لكي نسترد بعض قيمنا المفقودة بفقدان عالم تختلط فيه زقزقة العصافير مع حفيف الأوراق وخرير المياه وذكريات الأمس القريب الذي يعبق برائحة الزهور والإباء ، لقد استطاع الإرهاب ان ينفث سمومه داخل أروقة المجتمع عامة عندما وجد له من النفوس الضعيفة والمريضة ما يجسد أجندته التدميرية فوق الأرض إلا ان الإرهاب قد فشل فشلا ذريعا في ان يتسرب الى الطبيعة وقيمها النبيلة والفاضلة حيث بقيت قيم الطبيعة عصية على التلوث بقيم الشر والحقد والكراهية أتدرون لماذا بقيت الطبيعة بتلك القوة والصلابة لأنها الام التي تمثل الخصب والخير والنماء فهل رأيتم أو سمعتم بأم كانت مصدرا للكره والشرور والموبقات ؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل الفلج.. مغامرة مثيرة لمصعب الكيومي - نقطة


.. رائحة غريبة تسبب مرضًا شديدًا على متن رحلة جوية




.. روسيا تتوقع «اتفاقية تعاون شامل» جديدة مع إيران «قريباً جداً


.. -الشباب والهجرة والبطالة- تهيمن على انتخابات موريتانيا | #مر




.. فرنسا.. إنها الحرب الأهلية!