الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن التفتت العربي

زاهر نصرت

2013 / 7 / 26
العولمة وتطورات العالم المعاصر


زمن التفتت العربي

يشهد العالم اليوم حركة اتصال متبادلة لم يشهدها من قبل ، سواء عبر وسائل التنقل الحديثة براً وجواً وبحراً التي جعلت من انتقال البشر بين القارات عملاً روتينياً يومياً او عبر وسائل الاتصال الحديثة التي استطاعت بالفعل ان تجعل من الكرة الأرضية كرة صغيرة جداً وتحقق نوعاً من ضغط الزمان والمكان لم يكن متاحاً بمثل هذه الصورة في السابق نسبة الى قدرات الانسان على التفاعل والتواصل على مدى الساعة كل يوم .

وبينما تتقدم البشرية نحو تشكيل المجتمع العالمي الجديد وفقاً لهذه المتغيرات ، فأننا نجد انفسنا – نحن العرب – ننكفئ بشكل يدعو الى الدهشة والعجب عن حلم " الدولة الواحدة " التي تخطى عمر طرحها الان اكثر من قرن من الزمن الى ألوان من التشظي والتفتت وليس على مستوى الدول فقط بل على مستوى القبيلة والعشيرة الواحدة ولا على مستوى الأديان او الطوائف بل على مستوى المذهب الواحد الذي يتفتت ويتقسم ايضاً الى مذاهب جديدة ولا على مستوى الأحزاب والكتل بل على مستوى الحزب الواحد الذي يتفرع وينقسم ، وهذه الانقسامات تتم بشكل متسارع وعداء مميت .

لدينا نماذج ساطعة حول ما ذكرته أعلاه والذي لا ينطبق على العالم العربي فقط بل ينسحب على المنظومة الإسلامية ككل ، فالعراق اليوم يشهد فتناً طائفية اشعلته تحت مظلة الديمقراطية المزعومة وفلسطين المنكوبة التي تتصارع فيها حماس مع منظمة فتح واليمن الذي اشعل الحوثيين فيه نيران الصراع المذهبي بين ليلة وضحاها وأفغانستان التي تتصارع فيه قوتان رئيسيتان احدهما مدنية والأخرى دينية متشددة والى باكستان التي تتمزق والصومال التي تتحول من دولة الى شظايا من العصابات والقراصنة والى سوريا التي تحترق والى مصر العروبة التي تتجه الى انهيار مؤسساتي واجتماعي بالإضافة الى التوترات الطائفية والمذهبية في العديد من دول العالم العربي في المشرق والمغرب على حد سواء .

كان الاستعمار القديم يرسل جيوشه العتيدة للاستيلاء على ثروات ومقدرات المستعمرات حيث لم يعد اليوم في حاجة لكل تلك الجيوش اذا كان بإمكانه ان يحصل على النتيجة نفسها عبر شعاره القديم " فرق تسد " والذي يجد اليوم استجابة منقطعة النظير في العالم العربي والإسلامي وهنا لا اريد ان ابرئ أي قوة او قوى خارجية قد تكون وراء دعاوي التفريق هذه دعماً او تسهيلاً لها فلا شك ان استجابتنا السريعة لمثل تلك الدعاوي دليل على ان هناك في بذرتنا الاجتماعية وعمق مكوننا الفكري ما يفرز الانحياز السهل لكل دعاوي التفريق المبني على العصبيات والتحزبات .

لقد بدأت مقالتي هذه بذكر التقنيات الحديثة التي نشهد بسببها ثورة اتصالات غير عادية والتي يفترض ان تكون منبراً او وسيلة لتجاوز الانغلاق الفكري والانفتاح على الثقافات والافكار المتباينة التي تتيحها هذه الوسائل الجديدة مثل الفضائيات والانترنيت حيث تستخدم مع الأسف هذه الوسائل في العالم العربي والإسلامي بشكل مقلوب ومنطق معكوس ويختارون منها ما يتناسب فقط مع أفكارهم سلفاً ويعتادون المتابعة او المشاهدة لما يغذي ما يؤمنون به من مذهبية او انغلاق او يتحمسون لما يعتنقونه ويفكرون فيه ، بل ان ثورة الاتصالات هذه بدلاً من ان تكون وسيلة لمزيد من التواصل والتفاهم المشترك بين الحضارات بل وبين أبناء الحضارة الواحدة ، اذا بها تتحول الى وسيلة لأثارة الفتن ونشهد كيف ان خبراً صغيراً في صحيفة او بث من قناة فضائية قادر على اشعال ثورة في بلد اخر بل وربما افتعال مذبحة في مكان ما ببحر عدد محدود من الساعات ، بالإضافة الى استخدام وسائل التخاطب والاتصال الاجتماعي ومنها مثلاً " الفيس بوك " حيث تتحول هذه المواقع الى ساحة افتراضية للعداء والسب والشتم المتبادل واستخدام مختلف ألوان الدعايات العنصرية .

وبالتالي فان الحاصل هو المزيد من الفتن ومزيد من المعارك الصاخبة بين أبناء الحضارة الواحدة والثقافة الواحدة واللغة الواحدة ، إضافة الى المزيد من العنف وما يسفر عنه من قتل وسفك للدماء على حساب البناء والتنمية والتطور الحضاري .



زاهر نصرت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - امة الدمى والدم امة كارتونية
مرتضى رضا ( 2013 / 7 / 26 - 21:59 )
احييك استاذي العزيز زاهر على هذه القراءة الصحيحة والواضحة لواقع امة كانت في يوم من الايام خير الامم نزعت لباس الخنوع والخضوع واكتست لباس العز والرفعة بعد ان خرجت من جاهليتها.بكل مرارة نقول هي اليوم (امة)ضائعة تائهة متقلبة تلعب بها الاهواء والاياد الخفية فاصبحت لا تتقبل النصح ولا ترعى الذمم ولا تحترم وتلتزم باي قانون شرعي او وضعي،سادت فيها(الانا) وشريعة الغاب والانانية،وباختصار كل موازينها مقلوبة ومتارجحة بين الافراط والتفريط من اجل المصلحة الضيقة.شكرا

اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام