الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمات حسانية ذوات أصول عربية-الجزء الثاني

بوزيد مولود الغلى

2013 / 7 / 27
الادب والفن


عطفا على الكلمات الحسانية التي رمنا تسليط أقباس من الضوء على أصولها في المعاجم العربية ، نورد فيما يأتي طائفة أخرى من الألفاظ و المصطلحات :

عُرْقوب / عركوب: للعرقوب في لغة العرب معان مطابقة للمعهود من كلام حسّان، ومنها :
*العرقوب : " عصب غليظ فوق عقب الانسان ، ومن الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها ...وعَرْقَبَهُ : قطع عرقوبه ...2" . " ويقال : عرقِب لبعيرك ، أي ارفع بعرقوبه حتى يقوم 3 "وهذا المعنى متداول معروف في الحسانية ، إذ يطلق العرقوب بالكاف المعقودة على عصب في عقب رجل الانسان ، و من علامات عدم جمال المرأة " شين عراكَيبْها" ، أما عرقوب الدابة في الثقافة الحسانية ، فهو المقصود ذاته الوارد في المعاجم العربية
و قد ذكر صاحب مخطوط " معجم المصطلحات الحسانية " أن مصطلح " تعركَيبة " راجع لكون " الصناع " كانوا يعمدون الى قطع عرقوب الناقة التي يؤتى بها هدية في مناسبة من المناسبات
حتى تبرك و لا تستطيع المشي ، الأمر الذي يمنع من أهديت إليه من تربيتها أ و إدماجها في قطيعه
أي أنه يجبر على نحرها " .4 .
وقد أشاد الشعراء بما يسمى عند أهل الصحراء " التعركَيبات " / الهدايا المقدمة في مختلف المناسبات كما تقتضيه أصول الكرم الحساني من إكبار المهدى له " التكبرة "
سواء أكان شخصا حقيقيا أم معنويا كالزوايا والقبائل ، ومن ذلك قول محمد الغيث اكَين في الإشادة بالهدايا المقدمة لزاوية أسا ، وقبيلة ايتوسى زمن " المولود" أي عيد المولد النبوي :
" عيد المولود وْ عيدها *** اللي شَورُ تْسّاير
إمْلْيَانْ انْوَاشيدْها *** وْخَيْلْ جْرَيْبَاتْ حْرَايْرْ
فكْتْمْ دْخّان اكْريدْهَا *** لْتَعركَيبات نْحَاير5 "

* " والعرقوب : طريق ضيق يكون في الوادي البعيد القعر ، لا يمشي فيه إلا واحد . أبو خيرة : العرقوب والعراقيب خياشيم الجبال وأطرافها ، وهي أبعد الطرق ؛ لأنك تتبع أسهلها أين كان . وتعرقبت : إذا أخذت في تلك الطرق . وتعرقب لخصمه : إذا أخذ في طريق تخفى عليه"6.
" ، واستلهاما لهذه المعاني ، نجد أهل الصحراء يطلقون على أمكنة بعينها اسم " العركَُوب " ، ومن ذلك قول محمد سالم الري :
شوفُ لعراكَيب اتنداو ****لَشَايْف وْ ْوسَهَالُو
عن بلْ اشايف ما جوْلاو *** عمو ذاك أُو هذا خَالُو
شَوْفُ يَخُّوتِ لْعراكَيب *** والمَنْزلْ منْ فَمْ اكَرَيَّبْ
فْبْلَدْ كَان لْلَّخْلاكَ اطْبِيبْ ***ولَلاَّ مَزَّالْ اعْلَ حَالُ8
*" وعراقيب الأمور وعراقيلها : عظامها وصعابها...، وما دخل من اللبس فيها
واحدها عرقوب . وفي المثل : الشر ألجَأه إلى مخ العرقوب . وقالوا : شر ما أجاءك إلى مخة عرقوب ، يضرب هذا عند طلبك إلى اللئيم"7.
ويعد عرقوب في المثل العربي قمة في خلف الوعد حتى قيل : أخلف من عرقوب ، مواعيد عرقوب ، أما في الثقافة الحسانية ، فلم أقف على شيء من هذا القبيل ، وإنما أعرف تمام المعرفة أن بعض أهل البادية يطلقون على كلب حراسة الماشية " عركَاب" بالقاف المعقودة .

سَرَطَ/ اسْرَطْ : وتعني في القاموس المحيط 2/416 :" ابتلع ، ومنه قولهم : سُرَّيطٌ ضُرَّيط ". أما في اللسان الحساني فان الكلمة تستعمل للمعنى ذاته مع إبدال السين صادا عند النطق ، إذ تنطق " صْرَطْ " ، ومنه قول الشاعر امحمد بن الشيخ مصطفى بن الشيخ ماء العينين :
اسمع كويف اخفيف اظريف *** داخل فلمعنى يميكَ
- ديوان الشاعر ، جمع محمد الامام كرام ، هوامش سعيد كويس ، منشورات منتدى الابحاث والدراسات حول الصحراء ، مطبعة طوب بريس ، 2011، ص 37.
حدْ اصرط ريكَ ماهُ كيفْ*** الي ما فات اصرط ريكَ.
و غير خاف أن في البيت الأخير اقتباسا جميلا لمعنى متضمن في المثل العربي : " لا يصلح رفيقا من لم يبتلع ريقا " أي لم يجرب الصبر على الرفيق ، و قد قيل على لسان من خاب ظنه في رفيق أو جاءته منه مضرة أو معرة : " يا ريق ، لو بغيرك غصصت / شرقت " * اشركَْت " باللسان الحساني ، ومنه قولهم : يعطيني شركَة من ريكَي ، نعرف عدويَ و صديكَي ".
نَتَشَ/ انْتْشْ : جاء في القاموس المحيط :" النتش : استخراج الشوكة و نحوها بالمنتاش للمنقاش ، وجدب اللحم ونحوه قرصا ، والنتف ..وعيب الرجل سرّا كالتنتاش ، وبئر لا تنتش ولا تنكش : لا تنزح ... وأنتَشَ الحبُّ والنبات : ابتل واخرج رأسه من الأرض ...".
إن إجالة النظر في هذه المعاني الدائرة حول الجذر " نتش" ، تفضي الى ملاحظة اتساقها و انكباقها على المعاني المعروفة لهذا اللفظ في الاستعمال الحساني ، وسنكتفي بذكر بعض الشواهد الدالة على ذلك :
*النتش بمعنى النتف والعض : منه قول المثل الحساني : " الترشة وانتيش الكرشة " ، " ما هي نتشة زينة ، ولا هي ضحكة زينة ".
* نكش البئر و الشوكة تفيد في الاستعمال الحساني المعنى ذاته ، لكنها تنطق بالقاف المعقودة ، فيقال : انْكَش الشوكة بالمنكَاش/المنقاش ، ونكَش " الحاسي " أي جهره أو حفره .
جَهَرَ/ اجْهَرْ : " الجيم والهاء والراء أصل واحد ، وهو إعلان الشيء وكشفه وعلوه ، ورجل جهير الصوت أي عاليه " ، وجهر الارض سلكها ، وجهر البئر: نقّاها ونزحها ، كاجتهرها ، أو بلغ الماء " .
و لا يختلف المعنى الأخير المتعلق بالبئر عن المعهود في الحسانية ، إذ يقال : " الفار يْخَلّي الجهَّار ".

الكِرْشُ/ الكَرْشْ : " الكرش بالكسر ، لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان ، وكرِشَ الجلد : تَقَبّض ، و تكرّشوا : تجمعوا ، وكرّش تكريشا : قطب وجهه ، والمُكرّشة : طعام يعمل من اللحم والشحم في قطعة مقوّرة من كِرْش البعير " . – القاموس المحيط 2/326.
إن الكرش في الاصطلاح الحساني تحمل المعنى ذاته ، ومن سياقات ورودها في الأمثال الحسانية :
" الكرش لَمْلاَنَة غَفْلانة .
الكرش ما ترفد لْعْوِينْ
الكرش اتخلي السَّبَّاغْ والدَّبَّاغْ ، يضرب في تفاوت الاخوة في العلم والكرم وغيرهما"- الأمثال والحكم الشعبية الموريتانية ص 295
و ختاما ، فان المأمول من السادة القراء إثراء مادة هذه الورقة بملاحظاتهم و إضافاتهم التي من شأنها إثراء مادتها ورفدها بشواهد من الشعر الحساني و الأمثال الشعبية . وليست هذه الورقات في مجملها سوى إثارة للاهتمام ولفتا الانتباه لجمال وكمال ما اقتبسه أو اقتطفه أهل اللسان الحساني الأولون من سَرْحة اللغة العربية العظيمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس