الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسافات الشوق

دينا سليم حنحن

2013 / 7 / 27
الادب والفن


• مسافات الشّوق / وحال المرأة في جزيرة (بالي) الاندونيسية
الحلقة الأولى
• دينا سليم – كاتبة من فلسطين تقيم في أستراليا
أبدأ مقالي بسؤال هام، هل ما رأيته في جزيرة (بالي) يُدعى انسجاما كونيا متكاملا ومصالحة مع الذات، يساعد الكائن الواحد التعايش بكائنيته المفترضة على الأرض، حيث يثبت علاقته الثنائية مع الآلهة في الحياة والموت؟
لا أكتب رموزا، ولا أريد أن أفترض افتراضات لن أستطع الخروج منها، لكن سؤالي يرمي إلى أشياء كثيرة، أهمها، مهارة الشخص بالتحايل على الطبيعة التعسفية، وعلى القيود الدينية المطلقة، والأفكار البدائية التي تنمو مع الأجيال لتتخذ لها أهم محاور التفكير في العقل قاعدة، والجبروت المتوارث القائم على صراع البقاء أساسا، والصراع من أجل حياة أخرى مهمة رئيسة، والدفاع عن هذا المعتقد بممارسة أشكال مختلفة من الطقوس القديمة، طقوس تبدو للمرء ولأول وهلة مخيفة، محذرة، متوعدة، مهددة وشرسة في بعض الأحيان، هذه الطقوس التي ترتدي أقنعة تزيدها حدة وشراسة، تتوائم والطبيعة الخشنة، تشبه حجارة هامدة تقاذفتها البراكين، حجارة موجودة منذ آلاف السنين يخشاها البشر حتى الآن، فيعاملها معاملة الانسان الذي يشعر بالبرد، فيدثرها، أو بالحرّ، فينصب لها مظلة تحميها من أشعة الشمس الحارقة، يدللها بنثر الزهور، يبخرها، يطعمها، يسقيها، وأيضا، يترك لها سيجارة تشعلها الآلهة بنفسها عند الحاجة.
طقوس يومية مرهقة، تدعو إلى حب الاستطلاع والبحث في مضمون الأشياء، تضم القيم الروحية والخلقية إلى جانب المبادئ القانونية والتنظيمية لهؤلاء السكان، متخذين عدة آلهة بحسب الأعمال المتعلقة بها قدوة وحماسة، معتقدات تشكلت عبر القرون وامتدت منذ أكثر من خمسة عشر قرنا قبل الميلاد وبقيت حية حتى يومنا هذا، معتقدات تهتم بالظواهر الروحية والخارجية أيضا، تستخدم فيها أدوات مستخرجة من الطبيعة، والأشجار المفضلة التي تساهم في تهيئة الأدوات والظروف لممارسة الطقوس هي أغصان وثمار أشجار جوز الهند، Coconut fruit))، فمن الأغصان تقتطع أجزاء طرية مرنة قابلة للالتواء، تستعمل لجدل أطباق على شكل مربعات، توضع فيها أشكال كثيرة من الزهور الملونة، (أنظر الصورة)، ومن الغصن الخشن تصنع العرائش، ومن الثمرة يعتاش السكان، غالبيتهم نباتيون يحترمون الأشكال العليا للحياة، وتتنوع العادات الغذائية وفقاً للتجمع أو المنطقة. (الهندوسية ويطلق عليها أيضاً البراهمية هي الديانة السائدة في (بالي).
التحضير للطقوس اليومية يحتاج إلى الوقت والمادة والصبر والإيمان، عادة تقوم فيها المرأة، فهي تختار الوديعة التي يجب أن تقدم كقربان، طقوس تحولت إلى عادات وتقاليد متوارثة، ولأسباب مادية بحتة تحضرها بنفسها، حيث نجد النساء في كل مكان يجهزن ما يلزم، في البيت والمصنع والحقول، يضعن الوديعة أمام المنازل، فلكل منزل معبد خاص به، ناهيك عن المعابد الكثيرة المنتشرة على مدّ النظر، أو أمام العقارات، الجسور، الأنهار، السبل الضيقة، والطرق الجدلية، وعلى أطراف الحقول التي يملكونها اعتقادا أن في هذه الوديعة تكمن أسرار الخلاص من الأرواح الشريرة الخالدة، هذه الأرواح التي تراقب عن قرب كل مجريات الأمور، تلك التي يمكنها أن تؤذي الإنسان دون سبب مقنع، يجب أن يقوم الجميع بمجاراتها وطلب صداقتها، وهكذا يتوارث شعور الرهبة دائما.
في (بالي)، هناك استعداد للتضييق على النفس في الحياة، وكبح الدوافع والتخلص من الرغبات، باتباع وسائل فريدة من نوعها، فطفل يبلغ من العمر السنتين يجب أن ينفصل عن والدته والتخلص من رغبة الحب والدفء الذي تمنحها له، هذا الانفصال، أو لنقل التفكك الجسدي والعاطفي والتوقف عن ابداء المشاعر من مهام الأم، حيث تدرب الطفل على كيفية التعبير عن رغبته في التوقف عن البكاء والغضب أو الاتصال الجسدي والمشاعر، الاعتماد على النفس، وتحمل المسؤولية، تنظر إلى هذا المخلوق الصغير، كفرد آخر له خصوصياته وواجباته نحو المجتمع والآلهة، وبالإضافة إلى ذلك، هناك طقوس فريدة لجيل المراهقة، مثل طحن الأسنان أثناء حفل مهيب يقوم فيه المراهق بتلميع الأنياب - رمزا إلى ضرورة كبح جماح نبضات من العواطف والرغبات.
يتبع









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج