الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهابي في ضيافة روبي : مقالة في إرهاب الـ-ڤيديو كليب

يوسف بن الغياثية

2005 / 5 / 10
الادب والفن



يكثر الحديث عن نسق "الڤيديو كليب" اتفاقا واختلافا، تأييدا ومعارضة، ثناءا وتنديدا. أي يختلف النظر إلى هذه الظاهرة باختلاف زاوية النظر الفنية والأخلاقية فضلا عن المشرب الفكري والقناعة والمنفعة. وغير ذلك مما قد نختلف حوله أو نتفق. فـ"الڤيديو كليب" يشكل قفزة نوعية في تقريب الفن من الناس. إلا أن المؤاخذ عليه هو كونه لا يأخذ في الاعتبار الجانب الإنساني، وسيأتي بيانه فيما بعد، إن تيسر لذلك قدره.
وهناك حقيقة أخرى هي أن "الڤيديو كليب" ليس بِدْعاً من الألوان الفنية بل لازم حداثة الفن. ونقصد بذلك الاتجاهات الفنية التي واكبت الحداثة الفكرية والفلسفية والتي كانت لها انعكاسات على الفضاء الفني بكل أجناسه (Genres) وما دخل عليها من تقنيات ووسائل. ومن ثم، ربما لم يكن هناك من داعٍ إلى التذكير بفنانين قاموا بأغان مصورة من قبيل عبد الحليم حافظ أوعزيزة جلال المغربية، وذلك حتى نمثل من الخليج إلى المحيط. ونطرح السؤال، هل هناك من وجه اعتراض عما يجري حاليا مادمنا اتفقنا على إيلاف الناس لهذا النوع من الفن الغنائي التصويري ؟ نتوقع أن تختلف الأجوبة من شخص إلى شخص حسب اهتمامه ورؤيته للأمور انتهاء إلى المعنيين مباشرة بالـ"ڤيديو كليب" من منتجين ومخرجين ومشاركين في التنفيذ والذين لا أستطيع أن أسميهم بالفنانين. وفي هذا الصدد، يرجى مراجعة مقال مهم للبروفسور الخبير عبد الوهاب المسيري بعنوان : "الڤيديو كليب والجسد والعولمة" (صحيفة الأهرام بتاريخ (8-4-2004) وقد لا أكون في حاجة إلى انتداب القارئ إلى الاستفادة من عرض المسيري في مقاله لتأسيس معرفي ونظري لهذه الظاهرة القديمة الجديدة. غير أن لي عليه بعض الاستدراكات حتى يتم هذا العمل الجاد ونصل به إلى أقصى غايات التوعية.
وإني أتفق مع الدكتور المسيري حين استحضر الجانب الإباحي وكيف أن الاختلاف أكبر من أن يُحصى بين كليبات الأمس وما يشاهده الناس اليوم مما تفرضه القنوات الفضائية والأرضية. وشتان كذلك بين الأغاني المعروضة سمعيا والمعروضة مرئيا. وكثيرة هي الأغاني التي يصاب المشاهد من جرائها بالصدمة والتقزز أحيانا حين يشاهدها في شكل "ڤيديو كليب" بعد أن يكون سمع أغنيته فقط.
واستيحاءا من مقال البروفيسور المسيري، بدا لي أن هناك بُعْدا آخرا أضيفه على ما قاله. وأقصد بذلك بُعْد اليأس الاجتماعي والإحباط العام الذي يحيى فيه جمهور الشعب في عالم العرب والمسلمين. فهذا الانسداد الاجتماعي والاحتقان السياسي والضحالة الفنية من حيث الثقافة الموسيقية، وغيرها من العوامل الجادة التي تمسك بتلابيب الإنسان العربي والمسلم وخاصة منه فئة الشباب تؤدي إلى ظواهر تكسيرية لارتقاء الذوق. وبالطبع هناك من يستفيد من هذه الوضعية السيئة فيمارس هذا الضغط الإرهابي من نوع مسكوت والذي يتلبس بلون غير فاقع.
وتبدو ظاهرة الـ"ڤيديو كليب" حاضرة بشكل مزعج لا يسمح للأفراد بحرية أكبر حتى يمحصوا الكلمات والألحان والأداء، بل إنك تجد أن كل ذلك كله في بوتقة من الصخب فضلا عن تكثيف للإباحية، مما يزيد الضغط على المتلقي ويوهمه بإشباع رغبات عن طريق الاحتكاك البصري. بل حتى الذين أسميتهم بـ"المشاركين" في التنفيذ من قبيل ما قد يسمون أنفسهم بالفنانين يجدون أنفسهم في "سكة ما لهاش رجوع" -على حد تعبير كلمات "أنا عمري ما ستنيت حد" لروبي -
الـ"ڤيديو كليب"، إذن، يحتاج إلى دراسات جادة من قبيل تلك التي قدم لها الدكتور المسيري في مقاله الذي أحدثت منه ذِكْرا، وتكثيفا للثقافة السمعية البصرية أي إن القضية ليست قضية أخلاقوية بالدرجة الأولى وإلا لما اعتبرنا "ڤيديو كليب" الذي "هما مالهم بينا ياليل"، لهيثم سعيد، حيث إن الممثلة المشاركة ترتدي الخمار الإسلامي، ولكن السياق هو نفسه. فالشكل يخدم المضمون. ولو أننا لن ندخل في مثل هذه الثنائية.
ومن جهة أخرى، نجد أن هناك بُعْدا آخر هو التمرد، التمرد على القيم الآسرة والمكبلة للطاقات وليس تلك التي تحرر طاقات الفعل وتجدد قدرات الوعي لدى الإنسان. فبدءا من اللغة التي يتكلمها الإنسان العربي تجد الموانع والنواهي أكثر من الحرية، وفي هذا السياق، لا نلزم اللغة نفسها ولكن توظيفها والثقافة السائدة. وهي ثقافة النواهي والموانع كما ذكرنا، منذ هنيهة. ومن ثم، فـ"الڤيديو كليب" ليس شرا كله، فهو عبارة عن حالة تمرد شاملة وحركة احتجاج على الوضع العربي والإسلامي وضد الإسفاف والسخافة، وإن كان بشكله الحالي يعد جزءا منها. فروبي، مثلا، لا تسمع بالأذن نفسها وترى ما لا يراه النواب الأصوليون في البرلمان المصري وغيره من الدول الأخرى التي يتركز النقد حول الأشكال وليس العمق من قبيل التحاليل الجادة التي أدلى بها البروفيسور المسيري كما أسلفنا. فهي لا ترى أنها تتعمد الإباحية والإغراء. ويمكن مراجعة الحوارات التي أدْلتْ بها وطرحت عليها هذه التحفظات. لكننا إذا وسعنا من زاوية النظر، فسنجد أن هناك أبعادا أخرى تتحكم في مثل هذه الظاهرة الكاسحة.
بقي أن نشير إلى أن الـ"ڤيديو كليب" بصفته الحالية يمارس نوعا من العمليات الانتحارية التي لا تقتل بسرعة بل ببطء، فتلك العمليات تماثل في وزنها تلك التي يقوم بها أولئك الإرهابيون باسم الأديان. الفرق هو الطريقة وعدد القتلى. وأما الـ"ڤيديو كليب" فعنفه ناعم بطيء المفعول، غير أنه قاتل في نهاية المطاف وضحاياه أكبر مما يمكن أن تخلفه رهبة عملية من النقيض الإرهابي. وأما الإرهاب الأصولي فعنفه أعتى وأخشن سريع المفعول، وقاتل هو الآخر. يبقى القاسم المشترك بين الإرهابيْن، هو الجسد. فهذا يستعمل في عملية انتحارية تشتته وتشتت من حوله من قبيل ما حدث في بلدان كثيرة عربية وغيرها، منذ "الكاميكاز" اليابانيين، مرورا بـ"نُمور تحرير إيلام تاميل" وصولا إلى من يوالي "القاعدة" الإرهابي ومن صنعه. فيما الجسد يستعمل "الرقص الأفقي" -بتعبير البروفيسور المسيري- وغيره من الوسائل التي تقتل الذوق والمعنى وإن كنا لا نخشى من إرهاب كهذا فبزوال أسبابه لن يبقى له مكان، لا هذا ولا ذاك. فالرقصات التي تقوم بها روبي وغيرها عبارة عن ترنحات تعكس حالة التردي والتنديد بما وصلت إليه أوضاع إنسان الجنوب عموما، والإنسان العربي والإسلامي خصوصا، حركات ورقصات لا يفهمها من لم يفهم بعمق حالة التدني والاستخفاف حتى إن الراقص يبدو كمن يريد أن يتخلص من جسده ولو بتلك الطريقة فيرسل قطعا منه هنا وهناك، وبألبسة مختلفة، في بحث عن المعنى المفقود، وفي تمرد على القيم والمشيخة والوصاية بكافة أشكالها ولو كانت فنية. إن الـ"ڤيديو كليب" حالة من حالات الغضب العنيف، فالمنتجون و"الفنانون" وغيرهم ذهبوا اليوم مُغاضبين، فأخذوا يشدون بلحانا ورؤوسنا وغرائزنا، فمن لِمن صودرت قضاياه كإنسان لن يجد غير تلك الطريقة المتمردة سواء بعبوة ناسفة أو جسد راقص رقصا أفقيا ناسفا هو الآخر.
فالإشكالية في نهاية المطاف هي الحرية. فلو عرفت الحرية طريقها إلى الإنسان لما تجاوز المسماةَ "حدودا" عند القائمين على الأمور بشتى أصنافهم حكاما كانوا أو فقهاء أو لاهوتيين أو آباء داخل الأسر وهم الذين تقترن عندهم الحرية بالفوضى. ومن ثَمَّ، وجب إعادة النظر في أمور كثيرة، ستقود أولئك المحتجين إلى التزام ما يلزم. ولا عجب أن يتلازم الإرهابان وينفذان العمليات الانتحارية ليستعر الوضع أمنيا وأخلاقيا وفنيا. ومن ثم، فـروبي (الرمز) تحتضن الإرهابي الآخر، فـ"لما تقولوا أه يقول لها لآ"، ولما الإرهابي يجرح تقول له آه" ... فيتناغم النوعان ويطبقان على الجمهور، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولله الأمر من قبل ومن بعد...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة