الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة 20 فبراير وحاجز الخوف

يوسف الفتوحي

2013 / 7 / 28
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


أن نكتب عن كائن ما.. معناه أن نكتب له ومن أجله.. معناه أن نكتب مكانه.. أن نكتب بالنيابة عنه، أن نكتب عن مواءه المتألم son miaulement douloureux كما كتب كافكا عن المواء المتألم لGregor (جيل دولوز) .
أن نكتب عن الخوف، إذن، معناه أن نكتب بالنيابة عن الخائفين، عن الجسد الخائف.. لماذا نتجشم عبء هكذا كتابة؟ ربما ليتحول المواء المتألم للجسد إلى خطاب معقول intelligible، خطاب يستطيع أن يبسط مسافة بينه وبين موائه، فيغدو بإمكانه سماعه كآخر، يغدو بإمكانه التعاطف مع هذا الآخر أو توبيخه وتحويله...إلخ
يعيش الجسد الخائف داخل مجال وجودي محدد بخطوط هندسية، وبلعبة أضواء/ألوان، وبصدى عبارات/أصوات، وبحالات أشياء، وبنظام/ ترتيب معين للأشياء. تتمفصل حركات الجسد مع كل هذه المحددات عبر دالتي رجفة الخوف وغفوة الألفة.
سأختار أمثلة اعتباطية عن هذا التمفصل، مقتصرا على الجسد المغربي الخائف كنموذج:
- الخطوط الهندسية: خطوط الأحياء السكنية مثلا... يشعر الجسد الخائف بالألفة داخل حدود الحي الشعبي الشبيهة أخاديد دروبه وتشوهات خطوط بناياته بتشوهات ذاكرة الجسد، بينما تتسارع دقات القلب خوفا من التعرض لاعتداء داخل الغيتو الشعبي حيث أنصال السكاكين متربصة في كل زاوية، أو تتسارع دقات القلب خوفا من الاتهام بنية الاعتداء إذا تجاوز الجسد الخط المرسوم بعناية حول الأحياء الراقية.
- لعبة الأضواء/الألوان: ما يثيره، مثلا، الخطان الأحمر والأخضر على سيارة الشرطة أو على بطاقات رجال الأمن، وما تثيره الإضاءة المعتمة ولون الجدران الرمادي داخل مقرات الأمن من رجفة في الجسد.
- صدى العبارات/الأصوات: تعليق " هاذي غير الشبعة" يثير إحساسا بالذنب، عبارة "هذا من فضل ربي" تثير صراعا داخليا قلقا بين الحقد والرضا بالقدر....
- حالات الأشياء: حالات المقاهي والمطاعم مثلا (الخوف من الدخول إلى مطعم فاخر، الخوف من فاتورة المطعم بشكل متناسب تصاعديا مع أناقة حلتها)...
- نظام الأشياء: كل العناصر السابقة مرتبة وفق نظام تراتبي سابق على وجود الجسد، ومنسوب إلى معلم مركزي هو القصر، فهو البناية الموزعة لمسحة البداهة على تراتبية بقية المباني. أو الوجه الملكي المركب من ملامح بشرية/زمنية وأخرى لدنية/ مقدسة المطل من بروازه المذهب بنظرته الحانية/المهددة التي تحرص على توازن شعوري المرارة والرجاء في كيمياء الجسد المتطلع إلى صورته الحاضرة في كل مكان.
كثيرا ما نستخدم استعارة "الحوت الكبير يفترس السمك الأصغر" أو استعارة "قانون الغاب" سواء في مجال الأدب أو الاقتصاد أو البيانات السياسية أو نصوص الفكر السياسي... إذا انطلقنا من هذه الاستعارة، فالجسد الخائف يعيش داخل مجاله الوجودي متمفصلا مع كل نقطة هندسية منه عبر دالة الخوف من المفترس(الخوف من الشطط الأمني، من الابتزاز الإداري والرشوة، من التسلط الاعتباطي للرؤساء، من الفاتورة، من السقوط الاجتماعي ..)، إلا أنه خوف يشكل جزء من المعيش. إن الجسد الخائف يتعايش دائما مع المفترس في نفس المجال، متآلفا مع هذا الخوف إلى درجة أنه يغدو نمطا لوجوده. لكن الخوف الأكثر عمقا وإرعابا هو الخوف من الخروج عن هذا المجال الوجودي déterritorialisation La ، الخروج عن نظام الأشياء المنسوب إلى معلم مركزي (معلم القصر أو الوجه المركب للملك والإحداثيات المتفرعة عنه) صوب مجال وجودي آخر مجهول المعلم. من ثم يغدو الخوف من المفترس، الخوف من الموت، الخوف من العنف أقل أهمية وأقل رعبا من الخوف من الخروج. لا نتصورن أن الناس الذين لا يخرجون في المظاهرات خائفون من التعنيف، فهم يتعرضون في حياتهم اليومية ويمارسون عنفا أقوى شدة وأقل معقولية، ولكن لأن الخروج في المظاهرة هو بداية الخروج من المجال المألوف، حيث يمتلك الجسد على الأقل إحداثيات.
إن المجال الوجودي المجهول الذي هو "موضوع" هذا الخوف المرعب، يقيم في الماضي والمستقبل، ويستمد سينوغرافيته من عتمتهما. فالخائفون يخافون من تكرار فشل تجارب محاولات الخروج السالفة (إفلاس البدائل الاشتراكية القومية، احتواء وخيانة القيادات، مصير الثورات المأساوي...) ويخافون من فضاعة المستقبل(الخوف من وضعية l esclave affranchi ) من فقدان المحددات المألوفة لمجال الحاضر التي تبدو بديهية، قبل تشكيل أو اكتشاف بداهة محددات إقليمية أخرى. لذلك يمكثون أسيري الحاضر، يعيشون الحاضر المطلق. هذا لا يعني غياب أية إزاحات صوب الماضي والمستقبل، لكنها إزاحات ليس صوب الماضي والمستقبل الخالصين، وإنما صوب الماضي والمستقبل اللذين يشكلان جزء من مقومات الحاضر، وامتدادا له، رافدان يغذيان استمراره كحاضر مطلق، مثل إزاحة الحنين إلى عصر ذهبي إلى أتلانتيد مفقودة (عصر النبي والخلفاء الراشدين...)، وإزاحة الحلم اليومي بمستقبل ناجح انطلاقا من إحداثيات الحاضر(الادخار، استكمال قرض الشقة السكنية، الترقية، النجاح المهني للأبناء...).
إذا كانت حركة 20 فبراير المغربية قد كتبت عن الخائفين.. كتبت مكان الخائفين، كتبت بالألوان على اللافتات، كتبت بالأجساد على فضاءات المدن (حركات الأجساد، دماء الأجساد...) كتبت بالأصوات الجريئة المختلفة عن المواء، كتابة بالنيابة. هي تلمس لطريق الخروج بالنيابة عن الخائفين ...
- فإلى أي حد كان بمكنة 20 فبراير أن تتحول من كتابة بالنيابة عن الجسد الخائف إلى كتابة من طرف الجسد المتحرر من رعبه؟ المتحرر من خوفه من تكرار فشل تجارب الخروج السابقة، وخوفه من المستقبل المجهول؟ من وضعية العبد المحرر؟
- إلى أي حد كان بإمكانها أن تخلخل بداهة محددات المجال الوجودي الحاضر، التي تقيد حركة الجسد، وتقوم حاجزا دون تلمسه طريق الخروج عن هذا المجال؟
- إلى أي حد كان بإمكانها أن ترسم خطاطة "إقليم" جديد يصبح مقصدا للإنزياح نحو المستقبل الخالص؟
- إلى أي حد كانت تختزن طاقة تحرير الجسد الخائف من انزياحه صوب الماضي المؤسطر؟ الماضي الذهبي المفقود؟
ربما في محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات يكمن مفتاح من مفاتيح فهم واقع الانحسار الذي عرفته حركة 20 فبراير وجل الحركات الجذرية التي كان مصيرها الركود بعد طور من الصعود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلام
بلبل عبد النهد ( 2013 / 7 / 29 - 18:10 )
لم ينشر التعليق لمخالفته القواعد علما انه نشر وتم في ما بعد حذفه رغم انه لا يوجد فيه اية اساءة ولا اية مخالفة لقواعد النشر غريب


2 - تعليق
بلبل عبد النهد ( 2013 / 7 / 29 - 22:38 )
عشرين فبراير تقليد اعمى من طرف مجموعة من المراهقين السياسيين

اخر الافلام

.. اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين مؤيدين لفلسطين في أورلاندو


.. فيديو: ابنة كاسترو ترتدي الكوفية الفلسطينية وتتقدم مسيرة لمج




.. Vietnamese Liberation - To Your Left: Palestine | تحرر الفيت


.. آلاف المحتجين يخرجون في مدينة مالمو السويدية ضد مشاركة إسرائ




.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين المطالبين بإسقاط