الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دبي حاضنة النور

طلال سيف
كاتب و روائي. عضو اتحاد كتاب مصر.

(Talal Seif)

2013 / 7 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



فجأة خرجت من مسجد محطة تموين السيارات مندفعا ، وإذا بسيارة شرطة تمر فى نفس الطريق وفى ذات التوقيت . توقفت مضطربا ، خوفا من الاصطدام . فسمعت صوت مكباح السيارة وقد توقفت بعنف شديد ، وإذا بي وكعادتي التي توارثتها فى طرقات بلادنا ، أشرت للسائق بيدي كي يمر . رأيت الضابط الجالس إلى جواره وهو يبتسم ويشير بيده كي أمر أولا . أعدت الإشارة ، فعاود الإشارة مرة أخري وتمتم بشفتيه ، وقد فهمت من إشاراته وتمتماته ، أنه يقول : الأولوية للمشاة . ولأن الطبع يغلب التطبع والعادة تعلو التعود . فظننت خيرا فى شخص الضابط ، حتى فوجئت بأن النظام والإنسانية والقانون ودولة المؤسسات هم مفردات هذه المدينة المرتبة حد الإزعاج . المضيئة حد التعجب . النظيفة حد الإبهار ، وجاءني ذلك اليقين ، بعد ذلك الموقف المحرج الذي تعرضت له وصديقي محمد ، لحظة أن كنا بشاطئ الجميرة وبيد صديقي هاتفه النقال . فأتانا بشكل مفاجئ وبطريقة فجة عنيفة شرطي أسيوي ، لا يتحدث العربية ولا الانجليزية . أمسك صديقي من يده وراح يصرخ . فدفعته بعنف يناسب حجم الهجوم غير المبرر . راح يشير ناحية شخص يجلس بعيدا عن الشاطئ . ولأنني كنت محض زائر لهذه المدينة . لم أفهم الموقف جيدا . فقال صديقي : هو يطالبنا بالذهاب إلى ضابط الشرطة . لكنني لم أر إلا شابا بزي الشاطئ . يرتدي قبعة رياضية على رأسه . حينما اقتربنا منه . رأيته يقف فى أدب . تداعب شفتيه ابتسامة رقيقة ، وقد أخرج شارة عمله وعرفنا بشخصه ، ثم قال قبل أن نبدأ الكلام : حياكما الله . أعتذر عن عنف الشرطي . لكنه ربما يكون متعب من ارتفاع درجة الحرارة ، وراح يعطي مبررات خجولة كي يخفف حدة توترنا وانزعاجنا . قلت له : أريد تفسيرا مقنعا لهذا الموقف وإلا اضطررت لعمل محضر ضد شرطة دبي . راح الضابط يعتذر بشده وقال منذ قدومكما وأنا أعرف أنكما لا تفعلان هذه الأفعال، فأنا دارس جيد لعلم النفس ومهنتي تحتم علي قراءة وجوه الناس . وكان يقصد بتلك الأفعال ، تصوير النساء بالمايوهات على الشاطئ مثل بعض المصطافين الشرق أسيويين على حد قوله. فطلبنا منه أن يتفحص الصور، وحاول صديقي أن يعطيه الهاتف . فرأيته فى حاله تلقائية وسريعة يضع يديه خلف ظهره مرددا : لا يحق لي ذلك قانونا . فعدت وطلبت منه وأقسمت عليه . فقال برقة تناسب إنسان مثقف : لماذا تقسم يا سيد ؟ لابد من إذن نيابة كي أتفحصه. أخذت الهاتف من صديقي ورحت أستعرض الصور أمامه . رأيته خجولا محرجا ، وادارك فى القول : يا ساده أرجو لكما رحلة سعيدة وأن تكون دبي قد أعجبتكما ونتمنى لك أن تزورنا ثانية ، بعدما علم أن صديقي مقيم . تلك القراءة العجولة ليست للإعجاب أو السرد القصصي ، لكنها قراءة متأنية فى طريقة تعامل الأمن مع الزائرين والمقيمين ، بدلالات تفضي إلى احترام آدمية البشر . بالطبع أعرف أن بعض القراء وكعاداتنا فى الهجوم ، سيحيلون تلك القراءة إلى استغلال العمالة ومنح الغرباء رواتب غير آدمية ، لكننا سنحيل تلك القراءة السطحية إلى تلك المقولة الشهيرة " العقد شريعة المتعاقدين " وأن فكرة المساواة بمفهومنا العربي ، هى أسوء ما أنتج تاريخ الإنسانية ، وهي أيضا لبنة تخلف عالمنا العربية ، فثمة فارق كبير بين العدالة والمساواة . فالأولى تعطي الإنسان بالقدر الذي يستحقه فلا يمكن أن تقنعني أن مستشفى أي مستشفى ستتعاقد مع الدكتور مجدي يعقوب بنفس الأجر الذي ستتعاقد به مع طبيب شاب حديث التخرج ، من باب ما يسمى بالمساواة ، وإلا فالعجز والإهمال سيكونان نصيب صاحب المشفى . فالدول التي تأسست على الانفتاح الغربي ، لا تعترف بوهم القيم الرجعية . فالقانون والنظام هما أساسيات النهضة فى الدول الراغبة فى التقدم ، دون ترك المجال لمبررات عقيمة تعوق مسيرتها . ولأنني أعلم ما تعرضت له دولة الإمارات فى الآونة الأخيرة من هجوم غير مبرر وبسذاجة راح البعض يردد أن دبي " مرقص " كبير . أود أن أذكر حكاية تقول : يحكى أن ملكا أرسل ثلاثة إلى مصر ، وبعد شهر عادوا إلى الملك فسأل أولهم عن مصر فقال : أهلها فاسقون وهي بلد حاضنة للخمر والدعارة فقال الملك : صدقت ، ثم سأل الثاني فقال : هي بلد المساجد والعلم والتقوى والإيمان، فقال الملك :صدقت ، أما الثالث فقال : هى بلد بين الإيمان والدعارة تعيش ، فقال الملك أيضا صدقت . فتعجب القوم من تصديق الملك الذي قال للحضور : أما الأول فلم يزر إلا الخمارات وبيوت الدعارة . أما الثاني فلم يزر إلا الأزهر والمساجد وحلقات العلم ، والثالث ترنح بين هذا وبين ذاك . فأنت ترى دبي بعين حالك أيها المبجل ، واختر لنفسك بأي عين تراها . إن دبي حاضنة النور شاء من شاء وأبى من أبى ، ورغم حبي لتلك المدينة التى أراها حاضنة النور إلا أنني مازلت عنصريا وللأقصر التي هى مولد النور عاشقا ، فإن كانت دبي الحاضنة ، فالأقصر هى الوالدة ، وإن كانت الشارقة للطيبة جامعة ، فأسوان هي ميلاد حقيقة الطيبة والطيبين . وإن كانت أبوظبي للثقافة حاضنة فجامعة أون بهوليوبوليس كانت منارة منارات ثقافة العالم . نحن لا نقارن بين أخوين . لكننا نتمنى أن يكون للمصري كرامته التى تليق بحضارة مولد النور . إنها مصر يا سادة . فرفقا يا مصر بالعاشقين . وسلاما دبي حاضنة النور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج