الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


...يريد إسقاط الفساد؟؟ (إلى روح حركة 20 فبراير)

خالد غميرو

2013 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


...يريد إسقاط الفساد؟؟

(إلى روح حركة 20 فبراير)


أصبح شعار "إسقاط الفساد" في المرحلة الأخيرة خاصتا بعد حركة 20 فبراير، من أبرز وأكثر الشعارات التي نسمعها في كل زمان ومكان وعلى جميع الألسن، وفي جميع البيانات والخطابات السياسية، وتصدح به جميع الأصوات، بما فيه حتى أصوات النظام السياسي الحاكم بالمغرب، ويتشارك في ذلك مع معارضيه الدين يمتلون "ما تبقى من حركة 20 فبراير" وبعض التيارات السياسية التي أيضا ترفع هدا الشعار. مما يجعلني أتساءل بإستغراب، من يريد فعلا إسقاط الفساد؟ ومن المقصود به؟
إن مثل هدا الشعار الذي يرفعه كل طرف بطريقته الخاصة وبمضمونه الخاص بدون أي رغبة ملحة في تدقيقه وتفصيله وتحديد تجلياته بكل مستوياتها، يجعل منه ليس فقطا شعارا فضفاضا، بل يحمل وراءه كثيرا من التمويه والتحايل والهروب من الفضح الحقيقي لمواطن ومستويات الفساد الحقيقية التي يعمل "الجميع" على إخفاءها بما فيه حتى الفئات الفقيرة والمظلومة، التي تجبر أحيانا على السلوك الفاسد من أجل البقاء على قيد الحياة أو لتحقيق حاجاتها اليومية. فمن الحقائق التي أثتبتها تاريخ السياسة هو أنه عندما تسمع شعارا مثل هدا كثيرا، بحيث يستطيع الجميع أن يتبناه و يرفعه في أي وقت وفي أي مكان،فيجب أن تشك أنه يخفي وراءه حالة من التيه وعدم الرغبة في الوضوح، وفي حالتنا نحن بالإضافة لحالة التيه التي نعيشها، فكل طرف يريد إخفاء فساده أو فساد لايريد له أن يُفضح.

فساد البيئة الإجتماعية
(من وجهة نظر خاصة تعتبر أن "لا فرق بين الجرائم التي ترتكبها النخب والطبقة الحاكمة وبين المجرمين الصغار الشائعين، و أن النخبة الحاكمة لا تكون لها القوة إلا عندما نسمح نحن لها بذلك")
إن حركة 20 فبراير برغبتها في "إسقاط الفساد" إنطلاقا من الشعارات التي كانت تحملها، وبكونها لعبت دورا إيجابيا في تحريك البركة الآسنة ليطفوا إلى السطح بعض مما كان يختمر في قاع مجتمعنا، "كانت في نفس الوقت بأخطائها فرصتا كبير لينتقل الفساد إلى مستويات جديدة" ، وهذا ما يثبته الوضع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه بلدنا الآن، وهذا التحايل والتلاعب التي تقوم به النخب و الأحزاب وحتى النظام السياسي الحاكم بإسم الحركة وشعاراتها.
أتذكر في البدايات الأولى لحركة 20 فبراير عندما كانت المسيرات تملأ أغلب المدن المغربية وينادي العديد من شبابها بإسقاط الفساد، بدأ في الجهة المقابلة وجه من أوجه أنانية الفئات المظلومة وسلوكها الفاسد، والذي عبرت عنه مثلا الفئات التي تعاني من أزمة السكن بشراء بقع أرضية تم السطو عليها وبناء منازل عشوائية فوقها، وكان العديد منهم يعرف ان هدا السلوك "غير قانوني"، فاسد وأناني، أيضا امتلأت الطرقات والشوارع بباعة متجولين سارعوا إلى إستغلال فرصة الاحتجاجات وتغاضي السلطات عنهم ليحتلوا الأملاك العمومية ويبنوا عليها أسواق نمت بشكل رهيب حتى أن بعضهم بدأ بتقسيمها وكتابة أسمائهم عليها ليبيعوها على انها ملك لهم...
رغم ذلك هذا لا يعني اننا يمكن أن ننكر أو ننفي ضلوع النظام بشكل مباشر وغير مباشر في إستخدام مجموعة من المجرمين والسماسرة وكذلك الترهيب، لكن في نفس الوقت كان السلوك الأناني والإنتهازي لهذه الفئات عاملا مساعدا لعرقلة أي محاولة لتغيير الأوضاع، فمن جهة أخرى لا يمكن أيضا أن نقول ان هذه الفئات غير واعية أو ننفي عنها مستوى معين من الوعي الإجتماعي والسياسي، فهي كانت تعرف بوجود الحركة وكانت تعرف إلى حد كبير بعض مطالبها، وكانت تعرف على الأقل أن هذه الحركة تحتج من أجل تغيير أوضاع اجتماعية، وأكبر دليل على ذلك هو انه بعد أن بدأ النظام الحاكم يسارع إلى هدم المنازل التي بنية وإخلاء الشوارع من الباعة المتجولين، بدأ هؤلاء يستنجدون بالحركة لتناضل وتتضامن معهم.
لقد أ ظهرت تلك المرحلة السلوك الفاسد لهذه الفئات المظلومة، وتجاوبها مع تشجيع النظام االسياسي الحاكم لها على السلوك الفاسد، أكثر من تجاوبها مع نداءات تغيير وضعها الاجتماعي والاقتصادي، وهذا ما يمكن ان نعتبره نوعا من "التواطئ" ضد أي محاولة لتتغير الأوضاع، ناتج عن بيئة ووعي إجتماعي فاسد، يجعلنا نفكر أننا يجب أن نقوم بشيء لم نفعله في حركة 20 فبراير ولا قبلها، ولم تفعله أي من الأحزاب والتيارات السياسية التي تريد إسقاط الفساد وهو: "دراسة الظغوط الإجتماعية والبيئية التي تخلق السلوك الفاسد، وكيف يمكن الثأثير لتغير هذا الوعي وهدا السلوك وسط الفئات الإجتماعية المظلومة"

نخبنا الفاسدة التي "تريد إسقاط الفساد":
كما قلت سابقا "أنه عندما تسمع شعارا مثل هذا كثيرا، بحيث يستطيع الجميع أن يتبناه و يرفعه في أي وقت وفي أي مكان،فيجب أن تشك أنه يخفي وراءه حالة من التيه وعدم الرغبة في الوضوح، وفي حالتنا نحن بالإضافة لحالة التيه التي نعيشها، فكل طرف يريد إخفاء فساده أو فساد لايريد له ان ُيفضح."
شعار فضفاض مثل "إسقاط الفساد"، شعار يناسب بدرجة كبيرة نخبنا السياسية والإعلامية، لأنه يمكن ان يخفي وراءه فسادها، فهي ضد الفساد وهدا يكفي بنسبة لها، فهو شعار يمكن أن يكون مقنعا ومؤثرا في مستوى معين على أن يكون واضحا ودقيقا، وهذا ما يميز نخبنا المغربية سواء المعارضة أو المشاركة في "لعبة السياسة والسلطة" ما يفرق بينهما فقط هي تلك الجملة السحرية التي تسبق دائما شعاراتها وهي "الشعب يريد..." فالبنسبة للمشاركة في لعبة النظام السياسي الحاكم أثبتت فسادها مند زمن ولازالت ثتتبته رغم محاولاتها لإخفاء دلك، ورغم أنه لازال هناك من يريد أن يصدقها، لكن التاريخ السياسي المغربي ملطخ بدماء جرائمها.
لكن ما يهمني هنا بحكم "انتمائي للمعارضين لهذا النظام السياسي الحاكم"، هي النخب التي تظهر أنها معارضة وغير فاسدة ولا يهمها فقط سوى المصلحة العامة للمجتمع، ومنها من كان "مشاركا" في حركة 20 فبراير أو يدعمها بشكل من الأشكال، فما نعرفه عن النخب المعارضة الوفية لمبادئها والتي يهمها فعلا بناء وتقدم المجتمع ، أنها تسعى إلى الوضوح بإستمرار سواء في نقدها وفضحها للنظام الذي تعارضه، أو في علاقتها مع قواعدها الحزبية أو الفئات التي تناضل من أجلها أو بإسمها، لكن للأسف هذا لا ينطبق على "نخبنا المعارضة"، فإذا نظرنا إليها وحاولنا تشخيص طبيعتها وعلاقتها أولا مع الفئات التي تناضل بإسمها فإننا سنجد مسافة كبيرة بينها وبين هذه الفئات لدرجة أن هذه الفئات نادرا ما تعرف هذه النخب، وأن هذه النخب نادرا ما نجدها تقوم بمحاولات لكي يصل صوتها ومواقفها وشعاراتها لهذه الفئات، وأن مايشغلها بالدرجة الأولى هو التحدث في الندوات عن الوضع الراهن من وجهة نظرها، وإلقاء تصريحات "ثورية" في جريدة أو قناة تلفزيونية إن أتيحت لها الفرصة لذلك، و كذلك الحفاظ على وضعها الاجتماعي ولو بطرق فاسدة وسيشفع لها كونها جزء من المعارضة وأنها تحمل شعارات تنتقد فيها النظام الفاسد، أما بالنسبة لعلاقتها بقواعدها الحزبية فهي أقرب للآلهة التي لا تخطئ والتي لا يمكن التشكيك في فسادها أو إنتهازيتها بالنسبة لهذه القواعد، وكذلك زرع نوع من التربية الحالمة والعاطفية المريضة خاصة وسط الشباب لأن كل الأخطار بالنسبة لهده النخب تأتي من هده الفئة، لأنها أكثر دينامية وأكثر قدرة على الحركة والمبادرة والتمرد، ومابجعلها كذلك أيضا هو تاريخها أو نضالها في مرحلة سابقة، ولكونها تتبنا أفكارا متحررة وتقدمية حولتها إلى ما يشبه الطابوهات و التي تهاجم بها كل من ينتقدها أو يعارضها، وتتهمه بخيانة هده الأفكار وتحريفها، فهي تجيد إلى حد كبير التخطيط من أجل الحفاظ على مصالحها الشخصية وبقاءاها كقيادات لأحزابها طويلا، لكن في المقابل لا تجيد التخطيط أو المبادرة من أجل تنظيم صفوفها وحضورها وسط الفئات التي تناضل بإسمها.
لقد كان تأثير هذه النخب وطبيعة علاقتها مع قواعدها التي التي تشبه في غالب الأحيان "علاقة الشيخ بمريديه" كبير وسط حركة 20 فبراير، مما كان مساهما لكي لا تأخد الحركة تجاها متطورا في نقاشاتها ونظالاتها و تنظيمها ، فغرقت الحركة في نقاشات مريضة لمواقف النخب وشعاراتها الفضفاضة، وكان من الطبيعي أن لا تتطور الحركة في طرق تواصلها وتنظيمها وتدقيق مطالبها وشعاراتها لتتحول إلى ما يشبه سوق من الفوضى يستطيع أي طرف أن يبيع فيه فساده.
بقي لنا نوع آخر من النخب والتي كان لها تأثير كبير في توجيه وتمويه "الرأي العام"، وهي النخب التي تملك الصحف والجرائد والتي لا أعلم لماذا يصرون على تسميتها بالمستقلة، فهذا النوع من النخب يمتهن مهنة من المفروض أن هدفها الأسمى هو نقل الحقائق و تنوير و ثتقيف الرأي العام، لكن هذا لن يحصل مع من يدين بولاءه ليس للقراء أو لقضية ما، بل للرأسماليين وهم الحكام الحقيقيين أصحاب الشركات الكبرى والأبناك،و التي تدر شركاتهم الإشهارية أموال طائلة على هده الصحف، لذا من الغباء أن ننتظر من أصحاب هذه الصحف أن يكتبوا أو ينشروا شيئا في صحفهم يفضح فساد النظام السياسي و الاقتصادي والاجتماعي، أو أن يتعاملوا بموضوعية مع حركة يمكن أن تهدد بتغير هذا الوضع، بل أكثر من ذلك تكون هذه الصحف بمثابة دراع من أجل تسطيح فهم "الرأي العام" وإخفاء وتمويه الحقائق التي يمكن أن تفضح طبيعة النظام الحاكم، ويكفي أن تفتح أي جريدة وتجرب أن تبحت فيها عن أي مقال أو خبر يفضح الجرائم التي يقوم بها هؤلاء الرأسماليين.
بعد هذا يبقى لنا أن نتساءل كيف يمكن تحريرالمجتمع من فساده السياسي والإجتماعي، وأين يجب تظهر الإرادة في ذلك، ووفق أي منظومة إجتماعية وسياسية؟ و هل يمكن أن يتم ذلك في ظل النظام الرأسمالي العالمي المهيمن على كل المجتمعات وسياسات الدول؟ في الحقيقة لازالت لم أرى أي محاولة حقيقية للإجابة على مثل هذه الأسئلة سواء عند الديمقراطيين أوالإشتراكيين الذين يهمهم بشكل كبير تغيير مجتمعنا وتقدمه. وفي إنتضار أن تظهر تلك الإرادة التي لن تأتي بطبيعة الحالة من نخب أحزابنا الحالية، ما يجب أن يقوم به الشباب في أي حركة تهدف إلى تحرير مجتمعنا من الفساد الإجتماعي والسياسي والإقتصادي ، هو أن يتمردوا على هده النخب ويفضحوا فسادها وتواطئها وأن يكسروا "أصنام الدات"*التي شيدت في عقولهم وطرق تفكيرهم، عن طريق النقاش الهادئ وقراءة ونقد التاريخ و التجارب بشكل أكثر موضوعية، وإعادة صياغتها لكي لا تكون معرقلا لفهم الحاضر وبناء المستقبل ، و على حد تعبير المفكر الراحل محمد عابد الجابري، "إذا قلت لي أنك شاب فسأسلك كم صنما كسرت".










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن