الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاغتيال السياسي في بلاد الإسلام والإسلام الموازي

محمد الحمّار

2013 / 7 / 29
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


سماها بعضهم بـ"الفوضى الخلاقة" وآخرون بـ""الفوضى الهدامة" وسنسميها نحن بـ"اللغة الهدامة": هي ظاهرة متفشية على أقل تقدير في كل من مصر وتونس أين يعتقد الشعبان الاثنان أنهما يعيشان عهد الثورة. وتتسم الظاهرة بكون اللغة هنا وهناك مفصولة عن المعنى.

أمّا أخطر الثنائيات الحمالة للفصل بين الكلمة والمعنى ، والتي قد تكون هي الأصل لتوليد ثنائيات عديدة أخرى، فهي تلك التي تخص عبارة "إسلام". فلو كان الإسلام مازال يعني إسلاما عند الناس أجمعين لَمَا كانت هنالك مشكلة مستعصية حول السلطة وحول الحكم تضع وجها لوجه إسلاميين ومسلمين.

وحتى لو قلبنا التحليل رأسا على عقب سنحصل إلى النتيجة نفسها التي تدعم معاينة الفصل. أي أنّ ابتداع مفهوم "إسلاميين" ووضعه في حالة تباين مع مفهوم "مسلمين" مرشح لأن يكون الأصل في ظهور الفصل بين اللغة والمعنى عموما.

على أية حال لا يهمنا من ابتدع المفهوم الأول (الاصطلاحي) ووضعه في حالة تباين مع الثاني (الأصلي) أو ما هي الأسباب التي أدت إلى ظهور التباين بينهما بقدر ما تهمنا تداعيات الحالة، ومنه كيفية معالجتها.

إنه لمِن دواعي القلق والحيرة العميقة أن يلاحظ المرء اليوم كيف أنّ "الاغتيال السياسي" أضحى يعني "جريمة تم تنفيذها بنفس نوع السلاح الذي نُفذت به جريمة سابقة بينما السلطة الأمنية غير قادرة على القبض على مقترفيهما بالرغم من معرفة الصلة الوثيقة بينهما بدليل التطابق حول آلة الجريمة" (الاغتيالان المقصودان هما طبعا اللذان راح ضحيتهما على التوالي الشهيدان شكري بلعيد ثم محمد البراهمي؛ والمعنى هو من تأليفنا لكن بناءً على قراءة لتصريح أدلى به وزير الداخلية التونسي بُعيد الاغتيال الثاني).

كما أنه من دواعي التعجب والفزع أن يلاحظ المرء كيف أنّ في تونس أصبح لدينا مجتمعين موازيين: كان الانطلاق عبر ميلاد الرئاسات الثلاثة (الجمهورية والحكومة والمجلس الوطني التأسيسي) وهي وظائف أثبت توازيها واضطراب بعضها ببعض أكثر من إثبات التكامل بينها. ومن ثمة كان للمجلس الوطني التأسيسي نظيرٌ أُطلق عليه اسم "المجلس المدني الموازي"، وكَثُر الحديث أيضا في الأشهر الأخيرة عن الأمن والأمن الموازي، فضلا عمّا ألفناه أيان كانت الثورة في بداياتها من إحالةٍ على الحكومة والحكومة الموازية (وتدعى "حكومة الظل")، وهو ما يتوازى تقريبا مع ما يسمى في مصر بـ"الدولة العميقة"، عِلما وأنّ هذه الثنائيات (والثلاثيات) المتناقضة ومثيلاتها، قد آلت إلى تبعات على درجة متفاوتة من الخطورة يصعب جردُها إلا أنها تتحوصل في الحالة من الانقسام الذي يعيشه كل من المجتمعين التونسي والمصري، إن لم نقل ليبيا وسورية أيضا، زيادة عن العراق.

تلك هي بسطة موجزة عن الإشكالية المطروحة. أما الحل، وهو يتسم لا محالة بصفة الموازاة أيضا، فنعتقد أنه ينقسم إلى جزأين اثنين: جزء سياسي ينبغي أن يشدد على لزوم التدرب على ثقافة الرتق والوصل والتجسير خلال المعاملات السياسية، وجزء انثروبولوجي وألسني وثقافي يرمي إلى توحيد المفاهيم الموازية والمولدة للازدواجية وللضبابية وللغموض وللعنف وللقتل.

بخصوص الوجه السياسي نلاحظ أنّ المجتمع قد شرع بعدُ في ردّ الفعل بصفة ملفتة للانتباه لما تحتويه من روح بنائية وإرادة بناءة، وذلك لاسترداد توازنه كمهد للإسلام الخالي من التوازي والازدواج. نراه يبني لبنات لهيئاتٍ وأجسام تعوّض الموجود لتزيل الجمود. فالجبهة الشعبية كانت قد دعت سويعات بعد اغتيال البراهمي إلى عصيان مدني سلمي مع "الدخول مباشرة في مشاورات (مع بقية الأطراف) من أجل تشكيل حكومة إنقاذ وطني تتولى تسيير البلاد والإعداد لانتخابات حرة وديمقراطية في مناخ سياسي سلمي خال من العنف والإرهاب" واتفقت مع سائر الجهات السياسية حول تشكيل تنسيقيات تتولى تسيير شؤون المواطنين والربط بين المصالح بدلا عن المؤسسات الرسمية. وهو ما تم فعلا وبسرعة في ولاية (محافظة) سيدي بوزيد ويحدث الآن في ولاية الكاف.

ومادمنا نختص إلى حدٍّ ما في مجال الجزء الثاني المطروح كَحلٍّ فلا نرى بُدا من العودة من حيث انطلقنا في عرضنا للإشكالية وذلك لكي نتبيّن أنّ هذه الأخيرة هي بعينها التي تتضمن الحل: إذا صحّ افتراضنا بأنّ الثنائية المتباينة "مسلمون/إسلاميون" هي أصل كل التناقضات الهدامة التي نعيشها منذ حلول ما يسمى بـ"الربيع العربي" (وحتى هذه التسمية لا تخلو من صدامٍ متوازٍ هي الأخرى، إن صح التعبير، مع استعارة "الشتاء" التي يخشى الناس أنها تكون هي الأقرب من الحقيقة)، فمرادفة الاشتقاق اللغوي ("إسلاميون") مع الأصل ("مسلمون") هي الآلية المناسبة لتوحيد الشيء مع ذاته، والأشياء كلها مع ذواتها، في الوعي وفي الذهن حتى تتوحد في اللسان.

لو فَكر "الإسلاميون" في إنجاز هذا العمل بأنفسهم لكانوا أول من نجح فيه. والحجة على ذلك هي أنهم قد يكونوا أول من استشعر ضرورة التوحيد بين الحداثة و الإسلام، بين الأصالة والانفتاح، بين الفكر والفكر الإسلامي. لكن هيهات، فهذا أمر مستحيل. والحجة على استحالته هو أنّ مجرد تسمية أنفسهم بـ "الإسلاميين" تدل على أنهم جانبوا الطريق إلى الحل من الوهلة الأولى، فكانت النتيجة أن تحوّلوا إلى صنف هجين أو"مسلمين موازين"، وذلك من فرط الفشل ومن شدة الأسى الذي ولده الإخفاق لديهم ، فحكموا على أنفسهم في المرحلة النهائية (وهي المرحلة الحالية) بالانتقال من وضعية المتحسسين للمشكلة الحضارية والمشخصين للداء إلى وضعية الفاقدين للسند السببي والقدراتي. وكما يقول "ألبير كامي"، إنّ الحياة لا تحكم على الظروف وإنما على الإنسان في حال اقتراف الخطأ.

بالنهاية، من سيقدر على توظيف آلية التوحيد بين الدال والمدلول، بين الاسم والمسمى، بين المعنى المجازي (المأخوذ على أنه حقيقي) وبين المعنى الحقيقي، بين الفكرة الأصلية والفكرة الموازية؟ لا نرى غير النهج القاضي بتصريف التوحيد، كعلم، في داخل المستندات العاطفية والعقلية والسيكولوجية والسوسيولوجية للغة حتى تتبلور في اللغة نفسها، ومن ثمة في الكلام، وذلك ضمن أشكال سياسية متسقة مع الشخصية والذات والمجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني


.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ




.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية