الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوظيفة حرامي - قصة قصيرة

ناصر البحيري

2013 / 7 / 29
الادب والفن



كانت الساعة تقترب من العاشرة مساءا وهو يعبر الترعة عائما يرتدي فانلته ولباسه الدمور ، جلس تحت شجرة الكافور التي تقف في الناحية الأخرى من الترعة وعلى أحد جانبي الطريق السريع ، يستريح بعض الشئ ، لقد بدأ عمله اليومي ، سمع صوت سيارة قادمة نظر إليها من خلف الشجرة ، كانت إحدى السيارات التي يستقلها أهل بلدته في التنقل خلالها ، لم تكن ميكروباسا ، بل كانت إحدى سيارات النقل ، يستخدمها أهل البلدة في نقل بهائمهم ونقل أنفسهم ، هناك في الجنوب علاقة وطيدة بين الناس والبهائم وعادة ما يوجد قاسم مشترك بين هولاء وهولاء ، انتظر قليلا وقام بعصر جوانب مختلفة من فالينته ولباسه من الماء ، ثم تسلق الشجرة وجلس فوق أحد فروعها الذي يطل على الطريق السريع مباشرة ،وأسفله يوجد أحد المطبات الصناعية تحت الفرع مباشرة ، لم يكن الأمر غريب بالنسبة له فهو يمارسه في كل يوم تقريبا إلا في أيام الأجازات التي خصصها هو لنفسه ، جلس يعبث بعش عصفورة ويراقب أطفالها الصغار بعدما أقلق أمهم فطارت وأقعت على فرع آخر للشجرة تنظر إليه والى أطفالها ، سمع صوت سياره أخرى كانت تحمل أعواد القصب ، هدأت من سرعتها لتتفادي المطب الصناعي ، لم تكن تلك بغيته ، فالقصب مزعج كثيرا ثم أنه رخيص الثمن أيضا ، هذا غير أن نسبة المخاطرة كبيرة ، العصفورة تطير وتقف فوق غصنا آخر تستطيع مراقبة أطفالها بشكل أفضل ، لا حظ "غريب" العصفورة الأم وقلقها على اطفالها ، أمه هو أيضا في البيت لا بد أن يساورها قلق كبير عليه ، أكد لها في الأمس أن جميع الأعمال تنطوي على درجات متفاوتة من المخاطرة وقال لها أن رئيس الجمهورية ذاته يمكنه أن يتعرض لخطر الاغتيال والعمدة أيضا ، "غريب" لا يعرف رؤساء أو مناصب عظيمة غير هذين المنصبين رئيس الدولة والعمدة مرت أكثر من نصف ساعة وهو في جلسته تلك يترقب السيارت التي تمر من تحته ، سمع صوت سيارة أخرى يبدو أن العمل قد حان بالفعل ، سيارة نصف نقل تحمل أقفاصا من البرتقال ، هدأت السيارة سرعتها حتى كادت أن تتوقف ، أصبحت تحت ناظريه تماما قفز غريب قفزته المعتادة ليجد نفسه فوق أقفاص البرتقال ، بدأ عمله فعلا ،جعل نفسه يلقي حبات البرتقال على جانب الطريق ناحية الترعة ، كان حريصا أن يأخذ من كل قفص " الوش" كما يطلق عليه من يبيعون الفاكهه ، جاءت سيارة أخري من الخلف رأته وهو يفعل ذلك حاولت أن تعطي إشارات لسائق السيارة التي تحمل البرتقال ، لم يهتم كثيرا لذلك ، فهو يعرف أن السائق لا يستطيع التوقف ، فالمنطقة معروفة ببعض الشغب والناس الأشقيا ، هدأت السيارة التي تقله من سرعتها عند المطب الصناعي الذي يبتعد عن المطب الأول بحوالى كيلو متر ، قفز غريب مترجلا ونزل ناحية الترعة يجمع البرتقال الذي ألقاه على شاطئ الترعة ثم وصل الى الشجرة التي كان فوقها مرة أخرى جمع كل ذلك ووضعه في حجره وفي هذه المرة ذهب الى الكوبري القديم – كما يطلق عليه أصحاب البلدة- وعبر الى الناحية الأخرى من الترعة وأعطى البرتقال لبائع الفاكهه في القرية وذهب الى أمه بعد أن ذهب الى البقال واشترى لنفسه خمس سجائر واشترى ربع كيلو " حلاوة طحينية" لأن أمه تحب تلك الحلوى كثيرا
لقد تجاوز غريب السادسة عشر بأيام قليلة وقد كان ينتظر أن يتجاوزها بفارغ الصبر فقد وعده أحد أبناء البلدة أن يعمل معه في القاهرة في بيع الفاكهة ولكن بعد أن يصبح لديه بطاقة شخصية بقيت لديه واحد وعشرون جنيها من عملية اليوم نوى في داخله أن يذهب الى السجل المدني ويشتري استمارات البطاقة
عندما وصل غريب الى أمه تهلل وجهها فهو وحيدها ، ثم أعدت له الطعام كما تفعل في كل يوم وفرحت كثيرا بالحلوى ، كانت تخاف عليه كثيرا وكم نصحته أن يتعلم أي صناعة يتكسب منها وكان يرد عليها أنه تعلم السرقة وأصبح أسطى فكيف يذهب للتعلم من البداية ، هو الآن " معلم " نفسه يعرف مواعيد عمله وأصوله ويحدد هو نفسه أجازته الأسبوعية فكيف يذهب لعمل جديد يصبح فيه مجرد "صبي" ثم أخبر أمه أنه في يوم غد سيذهب لعمل البطاقة وبمجرد استلامها سيذهب الى مصر ليعمل بائع فاكهه ، فرحت أمه بتلك الخطوة كثيرا
وجاء الصباح وذهب السجل المدني داخل قسم الشرطة فهو المكان الذي يشتري منه الناس استمارات بطاقاتهم ودفع الخمسة عشر جنيها واستلم الإستمارة ، لم يكن غريب أميا بل كان يجيد القراءة والكتابة رغم عدم ذهابه الى المدرسة كان فقط يجلس مع أنداده الذين ذهبوا الى المدرسة يتعلم منهم وهم يخبرونه بما تعلموا في كل يوم فيذاكر معهم ويساعدهم في حل الاسئلة خاصة أسئلة الحساب ، أخذ غريب الإستمارات وذهب الى أمه وطلب منها أن تصنع له شاي ثم أشعل سيجارة وجلس على الحصيرة وأحضر الطبلية ليسند عليها الأوراق وأخذ في ملئ البيانات كما طلبت منه
كتب الإسم بالكامل ولم ينس أن يضع الإسم الأول في خانة ثم وضع باقي الإسم في الخانة التي تليها وجاءت خانة الوظيفة لقد كتب أحمد بن أبو اسماعيل في تلك الخانة "طالب" لكنه هو لا يذهب الى المدرسة ولم يكن طالبا في يوم من الأيام فماذا يكتب فكر في نفسه ثم سأل نفسه الآن ماذا أعمل أنا ؟ وأجاب دون أي تفكير "حرامي" وبشكل منطقي جدا خط في أوراقه أمام خانة الوظيفة " حرامي " واستراحت نفسه وأنهى ملئ استمارته ونادى أمه وطلب منها أن تعد له الغذاء كي ينام بعض الوقت قبل أن يذهب الى العمل
استيقظ من نومه وذهب الى عمله وفي هذا اليوم جلب لأمه نصف كيلو لحمة وطلب منها عشاءا فاخرا واشترى علبة سجائر كاملة وخرج ليجلس مع أصدقائه وكان اليوم يوم جميلا وفي صباح اليوم التالي ذهب الى السجل المدني ليسلم الإستمارات وقف في الطابور الطويل وكأن أبناء القرية وساكنيها لا يكفون عن الذهاب الى ذلك السجل فدائما ملئ بالبشر أو أن هذا اليوم هو الوحيد الذي يعمل فيه السجل المدني هكذا سأل نفسه "غريب" وصل الى الموظف أخيرا وسلمه الإستمارة ، نظر الموظف الى الإستمارة كثيرا ثم قال
- إيه يا بني ده
- فيه إيه يا باشا ؟
- فيه إيه !!!
- إيه اللى انت كاتبه ده ؟
- إيه هو الإسم غلط ولا حاجة
- إسم !!! باينلك عبيط
- ليه كده بس يا باشا
ثم نادي الموظف على العسكري الواقف على الباب وأمره أن يذهب بذلك المواطن الى سعد بيه فأخذه العسكري وذهب به الى أمين الشرطة وأعطاه الإستمارات ، فأخذوا
"غريب" الى غرفة وسألوه
- انت ياد بتشتغل إيه ؟
- حرامي
فانهالوا عليه ضربا وركلا وكالوا له كل أنواع الشتائم المباحة وغير المباحة لم يكن غريب يدري لماذا كل هذا الضرب ، ثم مزق الأمين الأوراق أمام عينيه وضربه بقدمه "شالوطا " وأمره أن يذهب تعجب غريب كثيرا لما حدث ولكنه ترك فكرة أن يستخرج لنفسه بطاقة ورجع الى عمله آمنا مستكينا
في صباح اليوم التالي قرر أن يقسم يومه الى ورديتين إحداها في الصباح والأخري في المساء
تمت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير


.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام




.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي