الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلام أبو لبدة

إلهامي الميرغني

2005 / 5 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


يوجد لدينا مثل صعيدي يقول " كلام أبو لبدة مايتسمعش " واللبدة هي نوع من أغطية الرأس ( الطواقى ) التي يستخدمها أهلي الصعايدة وهى مصنوعة من الصوف وشكلها يختلف عن الطاقية العادية التي يستخدمها الفلاحين المصريين فحين تطوي تكون على شكل مثلث ولذلك عندما تلبس تكون لها مقدمة مرتفعة عن الرأس ويرجع ذلك لارتفاع درجة الحرارة في صعيد مصر ولكي لا تلتصق الطاقية بالرأس مباشرة فتسبب زيادة الشعور بالحرارة صنعت مرتفعة عن فروة الرأس لتوفر مجال للتهوية .



والمقصود من المثل السائد هو أن النصيحة حين تأتى من الصعيدي " أبو لبدة " لا يستمع إليها البعض نتيجة الموقف المسبق من الصعايدة أو النظرة إليهم باعتبارهم أقل ذكاء رغم أنهم وعلى طول التاريخ كانوا صناع الحضارة من جدي إخناتون وجدتي نفرتيتي ومروراً برفاعة الطهطاوي وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وهدي شعراوى رائدة النهضة النسائية والعقاد ووصولاً إلى عمنا الدكتور إسماعيل صبري عبدالله والدكتور مصطفى كمال طلبة والفنان المبدع عمار الشريعي.

وباعتباري صعيدي فأنا أبو لبدة الذي لا يهتم البعض بما أكتبه خاصة واننى مصاب بقصر نظر لا أري التغيرات التي تحدث في السلطة والإصلاح الذي يتم ولا أرى من الكوب سوى نصفه الفارغ. وكلما صدقت نبؤتى تجاه أي حدث أتذكر أن" كلام أبو لبدة مايتسمعش " ، وأن هناك خبراء يملكون أشعة فوق الصوتية تخترق الجدران وتعرف ما يحدث خلف الكواليس وتحت المناضد وداخل الغرف المغلقة وتدعمه.

عندما أعلنت الحكومة عن إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان لم أتوقع خيراً لهذا المجلس رغم أنه يضم بعض رفاق الدرب القدامى لأنني أبو لبدة وأعرف أنه قد جرت في النهر مياه كثيرة ، وأن أصدقائنا التاريخيين مضى كل في طريق ، وفى 4/2/2004 كتبت " ماذا يفعل الملائكة في ظل آلية فاسدة ومفسدة فتكوين المجلس وتبعيته واختصاصاته ودوره كلها لا تبشر بأي خير بغض النظر عن كفاءة أو عدم كفاءة أعضاءه. وقد علمتنا التجارب ألا نضع ثقتنا في أفراد مهما كانوا من عبد الناصر إلى صدام فما بالنا بأعضاء المجلس، وماذا سيفعلوا إذا كان رأيهم استشاري ولن تلتزم به الحكومة" .ورغم الهوجة المصاحبة لتكوين المجلس عن إلغاء حالة الطوارئ إلا أن الوقائع صباح مساء تؤكد أن الطوارئ باقية وأن النظام لا يستمر بدون الطوارئ وهو ما أكده الرئيس مبارك في فيلمه الأخير الذي أخرجه الفنان شريف عرفة .

وعندما دعي الحزب الوطني لحوار مع أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني هرول البعض إلى قاعة المؤتمرات مهللين مكبرين سعداء بالدعوة واستمع الحزب لأرائهم ثم ألقى بها في سلة المهملات وقد كتبت في 1/10/2003 مقال عن " مجموعة ديمقراطية في السلطة " وقلت :

ليس من حق احد أيا كان أن يبيع لنا أوهام جديدة ويطالبنا بالصبر والصمت وأن نعطى الرئيس الجديد فترة ليثبت لنا ديمقراطيته التي نحفظها عن ظهر قلب فهذا الشبل من ذاك الأسد ، ليس من حق أحد أن يقنعنا بوجود مجموعة ديمقراطية في السلطة الملطخة أياديها بدماء الشرفاء في مصر والتي تغلق معتقلاتها على عشرات الآلاف من خيرة أبناء مصر دون محاكمة ، السلطة التي تحكمنا بالطوارئ وتصادر النقابات المهنية وتصادر الحياة السياسية وتحاكم المدنيين أمام القضاء العسكري.السلطة التي لا تجيد سوى تزوير الانتخابات والحقائق ، سلطة الديون والفساد والبطالة والعشوائيات والتبعية.



ولم يستمع أحد لكلام أبو لبدة وأصرت العديد من القوي خاصة أحزاب الديكور الديمقراطي على الهرولة كلما تمت دعوتهم للحوار وفى البداية ورطهم الحزب الوطني بأخذ موافقتهم على عدم تعديل الدستور قبل الاستفتاء على الرئاسة وبعد أن بصموا على ذلك خرج الرئيس ليعلن انه أكثر ديمقراطية من الجميع وطالب بتعديل المادة 76 والسماح بانتخاب الرئيس من بين أكثر من مرشح .

ثم فرح الجميع بالتعديل الذي كان من الممكن أن يكون بداية لتغيير حقيقي وهرولت أحزاب المعارضة إلى الحوار ولم تتعلم من القفا الذي أخذته في قضية تعديل الدستور واستمع الحزب الحاكم لكل الأراء واستمع لكل الخبراء وبعد ذلك نفذ خطته التي حولت التعديل إلى مجرد تغيير شكلي غير حقيقي فارغ المضمون . أن قوى المعارضة الرسمية وبعض المستقلين مصرين على أخذ عشرين قفا على سهوا ، فلا يوجد تعلم من التجارب السابقة ولا توجد خبرات من الماضي يمكن الاستفادة منها .



إن التغيير لن يأتي منحة قائد مثل منحة عيد العمال ولكنه ينتزع ،وبذور التغيير تمتد في التربة السياسية المصرية وتنمو وتترعرع من الحملة الشعبية من أجل التغيير إلى حركة المهندسين الديمقراطيين والمحامين الديمقراطيين إلى حركة استقلال الجامعات إلى حركة القضاة هذه التحركات التي تضم القوي الفاعلة من أجل التغيير والتي تتلاقى مع تحركات منظمات المجتمع المدني الأخرى لتشكل رياح التغيير الحقيقي بعيداً عن أوهام إصلاح يأتي من نظام الاستبداد والفساد والتبعية.



في منتصف السبعينات وعندما كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة كان السادات يخطو كل يوم خطوة في اتجاه التبعية والخيانة التي كانت تعيد التنمية خطوات للخلف ولكن كان لدينا أحد الحكماء الذي كان يجلس فوق " الكنبه العربي " وينفث سيجارته في وجوهنا ويقول " إن ما يحدث يؤكد صحة توجهات حزبنا ، وصحة خطنا الوطني الديمقراطي" كانت الكوارث متوالية وكبيرة.

الآن وبعد كل هذه السنوات وبعد أن مضى كل في طريق وبعد أن أصبحنا نتلاقى لقاء الغرباء أبحث عن حزبنا فلا أجده وأجد بقايا جيشنا يسيرون فرادي قابضين على الجمر ، وأجد خطنا الوطني الديمقراطي يحتاج أن ننفض عنه الغبار ، وأخشى أن تحل الساعة الآتية لا ريب فيها دون أن نفعل ما كنا نحلم به .



إن تسونامي قادم لا محالة فهل نواجهه منفردين أم ستتلاقى ايادى الباقين من القابضين على الجمر لتصنع جسر العبور إلى مصر المستقبل ، هل نتحرك الآن أم سيقتلعنا تسونامي القادم ويلقى بنا جثث غارقة في الأوحال على شواطئ الوطن .



سأظل أحلم وأردد مقطع من أغنية مقدمة مسلسل " ليالي الحلمية " التي تقول :

متسرسبيش يا سنينا من بين إيدينا

ومتنتهيش دا أحنا يادوب إبتدينا

واللي له أول بكرة هيبان له آخر

والسكة بكرة تقصر مهما طالت علينا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: بدأ التصويت في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية


.. إنكلترا وهولندا تلحقان فرنسا وإسبانيا إلى نصف نهائي كأس أمم




.. ثلاث دول أفريقية تعلن توحدها ضمن -كونفدرالية دول الساحل-


.. فتح صناديق الاقتراع في جولة ثانية حاسمة للانتخابات التشريعية




.. فرانشيسكا ألبانيزي للجزيرة: هل هناك من سيتحرك لإيقاف المذبحة