الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة والثورة المضادّة

وديع العبيدي

2013 / 7 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


وديع العبيدي
الثورة والثورة المضادّة
"كلما زادت مساحة الفقر في بلد، تنضج ثمار الثورة"-
“الثورة الحقيقية فقط هي التي يكون لها اعداء حقيقيون"-
الثورة هي حركة شعبية تاريخية تعبّر عن بلوغ الأمور العامة في بلد وزمن محددين، حدّا يصعب معه استمرار عجلة الحياة بشكل يليق بالحياة الانسانية، ويؤدي بالبلاد والعباد إلى مهاوي سحيقة يتعذر فيها الاصلاح.
فالثورة –بهذا المعيار- هي دالة انعدام الانسجام والتكافؤ والعدل، وكلّ ما من شأنه طمأنة حاجات الانسان الاساسية. فالاوضاع السيئة، الظلم والطغيان والاستبداد، الواقع الفاسد، التخلف الاجتماعي، والمسكّنات الدينية المخدرة.. هي أعراض متوارثة في مجتمعات الشرق الأوسط عبر القرون.. ذلك إذا اقتصرنا على العهد العثماني، الذي رسّخ آليات الجهل والفقر، والدين والاستبداد، لتأمين سلطته وسيادته، مستعينا بحاشية وسيطة بين الأهلين والحكام، ممثلة في طبقة الأعيان والباشوات، إلى جانب حكامه الاداريين ومعظهم من فئة (المماليك).
دولة مبارك الاخوانية..
هناك مسرحية تكرر عرضها مجانيا مرتين على مسرح الشارع المصري..
العرض الأول: في ثورة يناير 25- 2011
خرج الشباب المصري مطالبا بالاصلاح الاداري والاقتصادي وتطورت المطالبات إلى اسقاط النظام. لم تتصور القوى السياسية أن تنجح الحركة ويتزايد الدعم الشعبي للشباب، ولذل تلاحقت بعض القوى القوى والنخب لتأييد الحركة أو ركوبها متأخرة. ومن بين تلك القوى (الاخوان المسلمون).
وقد ساهمت وسائل الاعلام في كشف عدم تأييد الاخوان للثورة ثم محاولة ركوبها والالتفاف عليها في وقت متأخر.
كانت في يد مبارك وهو قائد سياسي وعسكري لا يستهان به، عدة أوراق.. تكتيكية. ولم يكن له الاستمرار بالسلطة وبتلك القوة وكسب تأييد الخارج والداخل، دوليا واقليميا، لولا قدرته الجديرة في المناورة والتكتيك. ولكنه في مواجهة تلك الثورة الشعبية العارمة والمستمرة والفريدة حتئذ، ارتبك في حساب الأولويات والضرورات.. وربما أيضا بسبب تحفظاته العميقة إزاء الاخوان –وصعوبة ضمانهم- تأخر في تحريك ورقتهم. وهكذا تدخل الاخوان ونجحوا في مصادرة الثورة والالتفاف على مطاليبها واستكمال اللعبة السياسية حتى انجاز الدستور والانتخابات وزعامة مرسي، وربما لم يفظن كثيرون لانعكاس حكم الاخوان على مصير رموز النظام السابق [والفلول!.. أكثر من قامر بورقة الفلول كان الاخوان انفسهم لتغطية والتعمية!].
ان دولة مبارك كانت دولة اخوانية تماما.. وقد سمح بأخونة المؤسسات والقطاعات الرسمية والشعبية والتعليمية بشكل لا مثيل له. ولم يبق لعائلة مبارك "غير" رأس ذلك النظام. وتنحي مبارك عن الرئاسة لم يكن سقوطا - حقيقيا- للنظام، بقدر ما هو استخلافه من قبل (حكومة الظل) أو القوة الخفية التي تقود الدولة بمثابة الخط الثاني، بينما كان بقية نظام مبارك يتفرغ لاشباع الرغبات الشخصية والسمسرة مع الخارج. وهو الدور [المال والسمسرة] الذي – من بعد- تفرّغ له رموز الاخوان مع استلام مرسي للسلطة. بينما استمرت تطلعات الشعب الذي يعيش ما يقارب نصفه تحت معدل الفقر.
العرض الثاني: ثورة الثلاثين يوليو 2013
منجزات عام واحد من حكم مرسي الاخواني، لا تقل عن منجزات حكم مبارك خلال ثلاثين عاما، وذلك على صعيد استشراء الفساد وتفكيك مؤسسات الدولة وسمسرتها، وما يسفر عنه ذلك من رفع وتائر الفوضى والعنف الداخلي والمعاملات غير المشروعة والنهب العام.
يفتخر مبارك بتأمينه الحدود مع اسرائيل وتطبيق الاملاءات الأميركية، بينما يفتخر مرسي بارتباك موقعه بين حماس وأدروغان وأحمدي نجات، والتسويق الاعلامي لصلواته الاسبوعية.
استفادت الحركة الوطنية الشعبية من أخطاء ثورة يناير، وكان ذلك واضحا في طول مدة الاعداد والتحضير الممثلة بتوزيع واملاء بطاقات حملة "تمرّد"، ناهيك عن دقة توقيت موعد الثلاثين من يونية المصادف مرور عام على ولاية مرسي الفاشلة. أما الأمر الأكثر أهمية في ميدان التحضير والتهيئة، فهو دقة التنسيق مع القطاعات الشعبية والقوى السياسية الفاعلة والمتنفذة بما فيها قطاع الأمن والجيش.
ان نجاح خطوات الاعداد والاتفاق والتلاحم الداخلي كان ظاهرة فريدة وعجيبة، يصعب بلوغها في أية تجربة مهما بلغت من الدقة والتحضر. وبنجاحها الداخلي المسبق تم تحييد وعزل مرسي وطاقمه وجماعته السياسية، بالشكل الذي جعل نهايتهم وسقوطهم حتميا، بحكم الوحدة الوطنية والالتفاف الشعبي والأمني والعسكري التام، مما جرّد رئاسة مرسي الشكلية من أية أدوات سلطوية سياسية أو أمنية، بل أن القوة الأمنية العسكرية الكفيلة بحمايته، هي التي تولت أمر عزله من الحكم وتقديم حكومته للمحاكمة، بتهمة التلاعب بحقوق الشعب والاعتداء على المال العام.
هذه التجربة بحد ذاتها جديرة بالاحترام والدراسة وتخاذها مثالا، تتجاوز في أهميتها وأدائها الثورة الفرنسية والبلشفية الروسية. وأولى أن تستفيد منها مجتمعات الشرق الأوسط قبل غيرهم، وذلك لتشابه الظروف والهموم!.
أما المسرحية، فقد تمثلت بجماعة حزب النور التي أيّدت عزل مرسي من السلطة، وبعد عزله استدارت من الباب الجانبي وانقلبت على الثورة، في تأييد عودة مرسي للشرعية (الشريعة: "شرعية تصريف لغوي من مفردة شريعة بمثابة صفة أو نسبة"، فيقال محكمة شرعية وقاضي شرعي وحكم شرعي، أي الحكم وفقا للشريعة "الدينية"!). حركة الجماعة السلفية تمثل منتهى الغباء السياسي على صعيد الاداء. لأن بعض رموز السلفية أوكل لهم القيام بالتوسط بين أنصار مرسي والقيادة الجديدة. أو مراوغة الاثنين لتسلق الثورة الجديدة وشقها كممثل وسيط بين النظامين المتعاقبين. وكان المتوقع من السلفية أن تقوم بنفس دور الاخوان في ثورة يناير لحماية نظام مبارك من الخلف. لكن الواقع العملي يؤكد نقص الحنكة السياسية للجماعات السلفية، مقارنة بالتاريخ الطويل للمناورة والعمل السياسي لحركة الاخوان منذ بداياتها قبل ثمانية عقود.
*
ان العزلة الشعبية والسياسية التي وجد أنصار مرسي أنفسهم فيها، أفقدتهم أي مقدرة أو فرصة للتحرك أو المراوغة، وهكذا دفعتهم (الصدمة القانطة) للاعتصام البائس وهم يدركون أكثر من غيرهم، عجز شعاراتهم ومطاليبهم عن بلوغ أي مستوى. وفي صورة الاعتصام البائس، كانوا فقط يعرضون أنفسهم على مرأى وسائل الاعلام، كبضاعة كاسدة، مطرودة من السوق، تبحث عن وكيل أو متكفل دولي، يتبرع بمنحها فترة صلاحية إضافية، للخروج من - مأزق- (أزمتهم)! مؤقتا، لحين الحصول على غطاء يعيد إليهم جزء من اعتباراتهم الشخصية.
لقد ساهمت الحركة الشعبية في عزل أنصار مرسي، بعد أن عزلوا أنفسهم وتسلّطوا على البلاد والعباد، واليوم لا يطيقون احتمال (العزلة)، لذلك يبحثون عن احتضان اقليمي دولي يعوضهم حجم الخسارة الداخلية.
ان كلا من فكرة "الاعتصام" أولا، و"الاستنجاد" بالخارج، يؤكد عزلة أنصار مرسي تماما، كما يسقط كل وازع لوطنيتهم، وهم يسترجون عطف مساعدي وزارة الخارجية الأميركية وشفقة السفيرة الأميركية في القاهرة.. وللملاحظة.. أميركا وحدها، كانت ضمانة كلّ من الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، ولذلك ينضم إليهم محمد مرسي، مؤكدا أن الصفقة السياسية المصرية ما زالت بيد البيت الأبيض.
البيت الأبيض، ليس ضمانة مصر البائدة، فحسب.. انما ضمانة محميات عبر البحر الاحمر الخليجيات أيضا.. والتي عملت طويلا وسوية لتسويق سلطة حماس لدى البيت الأبيض، لرفع شأنها كمطية جديدة للمصالح الدولية ..
لكن السؤال هنا.. ماذا لو تقبل الأخوان ما حدث.. بروح رياضية وبحكم الاعتبار بالواقع واحترام إرادة الشعب والأغلبية.. لا شك أن ذلك كان سيحسن من صورتهم في المشهد السياسي، بدل ربط مصيرهم بمسقبل محمد مرسي والانتهاء معه!.. فصورة الاحتجاج ضد أكبر ثورة شعبية يساهم فيها أكثر من 33 مليون نسمة، يخرجهم من دائرة القرار الشعبي/ المصري، ويجعلهم في أعداء الشعب ومناوئيه، ويدمغ فشلهم السياسي المريع، أي أنه بكلمة واحدة، يقضي على حركتهم، مرة وإلى الأبد!.. وطالما فشلوا في الحكم، فالخارج لن ينفعهم، كما الداخل، لكنهم استراتيجيا- خسروا الاثنين. وما يعرضون له أنفسهم، سواء من قبل التنظيم الدولي للاخوان، أو برامج البيت الأبيض، فهو فضح وتأكيد سقوطهم وافلاسهم!
وبالتالي.. هل هم حركة دينية فعلا.. أم حركة سياسية رخيصة؟!!
قد لا يفطن البعض .. من أنصار مرسي، أخوان وسلفية وسواهم، -في غمرة انفعالهم- انّ ما يفعلونه هو وقوف في وجه التيار.. وجه الثورة الشعبية الجارفة لكل الأحجار والمعرقلات .
لكن الشخصية المصرية بطبيعتها، لا تستطيع الانفصال عن بيئتها ونيلها وجماهيرها.. ولذلك.. تبقى أحضان الوطن.. أوسع من المصالح الأجنبية وفنادق غزة، وسيناريوهات الأجندة الخارجية..
ومصر.. وحدها.. البلد الذي اقترن اسمها بصفة الأم.. ليس باعتبارها أمّ المصريين.. ايزيس.. وانما هي "أم الدنيا"..
ومهما طال الزمن.. فلا بد من صحوة وعي!..
*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء أتال يقدم استقالته للرئيس ماكرون الذي يطلب منه


.. مدير الشاباك الإسرائيلي يتوجه لمصر لمواصلة المحادثات بشأن وق




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على جنوبي غزة وسط توغل بري وإطلاق ل


.. قراءة عسكرية.. فصائل المقاومة تكثف قصفها لمحور نتساريم.. ما




.. هآرتس: الجيش الإسرائيلي أمر بتفعيل بروتوكول -هانيبال- خلال ه