الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يكون الغلو في الانتماء إلى العروبة دليلا على الانتماء إلى الأمازيغية

محمد بودهان

2013 / 7 / 31
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


ليس من الضروري أن يكون المرء مواظبا على مراقبة وتتبع ما يجري بالدول العربية، حتى يعرف أن المغرب ـ الذي يعتبر نفسه دولة عربية ـ هو الدولة "العربية" الأكثر اهتماما بالقضايا العربية إلى درجة أنه يتعامل معها كأنها شأن وطني، كما هو حال القضية الفلسطينية مثلا.
ولدينا أمثلة كثيرة ومتكررة عن هذا العشق المغربي تجاه المشرق العربي، وما ينتج عنه من تبنٍّ لقضاياه، ونصرتها والدفاع عنها بشكل يفوق بكثير موقف العرب أنفسهم إزاء هذه القضايا التي هي قضايا تخصهم هم أولا قبل المغرب.
ـ المغرب، الدولة "العربية" الأبعد عن فلسطين، هو الذي يرأس "لجنة القدس"، المكلفة بحماية القدس من التهويد، من دون الدول العربية الأخرى، الأقرب جغرافيا وقوميا وهوياتيا وتاريخيا من فلسطين.
ـ يضم المغرب جمعيات ومنظمات خاصة بمساندة فلسطين والعراق (مجموعة العمل المغربية لمساندة العراق وفلسطين، الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، المرصد المغربي لمناهضة التطبيع...)
ـ قطع المغرب علاقاته الديبلوماسية مع إيران ابتداء من السادس مارس 2009 تعبيرا عن تضامنه مع دولة البحرين التي تعرضت لتهديدات من إيران.
ـ يغدق المغرب على الفنانين العرب الذين يغنّون ساعة واحدة ما لا يناله فنان مغربي طيلة سنوات من عطائه الفني.
ـ أبدعت القناة الثانية برنامج "ستوديو دوزيم" خاصا بتباري المغاربة في تقليد أغاني الفنانين المشارقة.
ـ نُظِّمت في سنة 2004، بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء، سهرة سمِّيت بليلة "نجوم العرب"، شارك فيها ونشّطها، كما تدل على ذلك تسميتها، "نجوم العرب" في الطرب والغناء.
ـ يحتضن المغرب، بكل حفاوة وحسن استقبال وكرم ضيافة، مؤتمرات تخص الشأن العربي (مؤتمر الفكر العربي، مؤتمر اتحاد المحامين العرب، المؤتمر القومي العربي...).
ـ كما يحتضن، وبنفس الحفاوة وحسن الاستقبال وكرم الضيافة، العرب الباحثين عن المتعة الجنسية التي يجدونها في المغرب بكثير من الوفرة والسخاء.
ـ تجد الوهابية، ذات الأصول السعودية، مع ما يرافقها من نوع اللباس وشكل اللحى وطريقة الأذان وقراءة القرآن، تربة خصبة بالمغرب الذي تنتشر وتزدهر فيه بسهولة وسرعة كما لو كانت في موطنها الأصلي حيث نشأت وتكونت.
ـ بل حتى "الشيشة"، التي لم تكن معروفة بالمغرب، والتي تدخّن أصلا ببلدان الخليج، غزت مقاهي المغرب بسرعة مذهلة، وأصبح الإدمان عليها يزداد يوما بعد يوم، نتيجة تقليدا أعمى وتبعية بليدة لكل ما هو مشرقي.
ـ خصص مجلس النواب المغربي يوم 26 ماي 2004 جلسة للتضامن مع فلسطين والعراق تحدث خلالها نواب الأمة ـ الأمة المغربية أم الأمة العربية؟ ـ عن "انتمائنا العربي"، و"أمتنا العربية" وأن "فلسطين قضية وطنية"...
ـ تحولت الرباط طيلة سنة 2003 من عاصمة للمغرب إلى عاصمة للثقافة العربية.
ـ أول درس في التاريخ يتعلمه التلميذ المغربي يتعلق بشبه الجزيرة العربية وليس ببلده المغرب.
ـ ينظم المغرب تظاهرات مليونية ضخمة فريدة من نوعها للتضامن مع القضايا العربية كقضية فلسطين والعراق عندما كان محتلا من طرف الولايات المتحدة. هي فريدة من نوعها لأنها الأضخم والأكبر مقارنة مع التظاهرات التي تنظم بالبلدان العربية والإسلامية للتضامن مع فلسطين (أزيد من مليون مشارك في مسيرة الرباط التضامنية مع الشعب الفلسطيني، بتاريخ 8/10/2000 كما جاء في يومية "الحياة" اللندية ليوم 9/10/2000).
كل هذا الوله الشديد بالمشرق العربي، وتبني قضاياه والدفاع عنها، يثير فضولا وأسئلة. فلو أن البلدان العربية بالمشرق هي التي تقلّد بعضها البعض، وتبدي مثل كل هذا الحماس الزائد لخدمة قضاياها العربية والدفاع عنها والتظاهر المليوني لنصرة فلسطين، لبدا الأمر عاديا وطبيعيا وما كان ليثير فضولا أو تساؤلا، بحكم أن دول المشرق العربية هي المعنية الأولى بقضاياها العربية، وهي، كما سبقت الإشارة، الأقرب جغرافيا وقوميا وهوياتيا وتاريخيا من معاناة الشعب الفلسطيني، وبالتالي فمن المفروض أن تنظم هذه الدول تظاهرات للتضامن معه تفوق تلك التي تنظّم بالمغرب. لكن أن يكون المغرب هو الأكثر اهتماما بالقضايا العربية، والأكثر دفاعا عن القضية الفلسطينية، فهذا ما يطرح أكثر من سؤال.
لماذا إذن، وضد منطق الأشياء، يكون المغرب هو البلد "العربي" الأكثر اهتماما بالقضايا العربية؟
إن النخبة المغربية، الحاكمة والمثقفة، لم تكفّ، منذ نشأة "الحركة الوطنية" إلى اليوم، من التأكيد، وتكرار التأكيد، على أن الشعب المغربي شعب "عربي". ومع ذلك فلا زالت هذه النخبة، ووراءها هذا الشعب الذي عرّبته وكيّفته على التعلق بكل ما هو عربي، تقدّم، بمناسبة وبغير مناسبة، العربون والدليل، أكثر من اللازم ودون أن يطلب منها أحد ذلك، على "عروبة" الشعب المغربي. فتبنّي قضايا العرب أكثر مما يفعله العرب الحقيقيون أنفسهم، عربون آخر تدفعه هذه النخبة المغربية لتثبت الانتماء "العربي" للمغرب.
ولكن، لماذا يجب على النخبة المغربية أن تقدم كل مرة شهادة أخرى إضافية على "عروبة" المغرب؟ ألم يكفها أن هذا المغرب معروف على الصعيد الدولي على أنه بلد "عربي"، وأنه عضو بجامعة الدول العربية؟
الجواب هو أن النخبة المغربية هي نفسها تشك في انتمائها "العربي"، ولها قناعة لاشعورية بأن المغرب ليس بلدا عربيا، وأن "الأشقاء" العرب ينظرون إلى المغاربة على أنهم "بربر" وليسوا عربا. وهذا ما يخلق لدى هذه النخبة شعورا مرَضيا بالذنب والخطيئة، يدفعها إلى المغالاة في الصلوات والطقوس وتقديم القرابين (الغلو في الاهتمام بالشأن العربي، تنظيم التظاهرات والمسيرات لمساندة قضايا المشرق العربي، تدخين "الشيشة" كما يفعل العرب، إطالة اللحية كما يفعل الوهابيون السعوديون...) للتكفير عن خطيئة انتمائها الأمازيغي، وطلب الصفح والغفران من "الأشقاء" العرب، والبرهنة لهم على أن المغاربة لم يبقوا "بربرا" كما يعتقدون، بل أصبحوا شعبا عربيا. وهكذا تعيش النخبة المغربية تناقضا وجدانيا، وشقاء ثقافيا وهوياتيا على مستوى وعيها: فهي لا تؤمن بأنها عربية إلا إذا كانت أكثر عروبة من كل العرب! وهذا هو مضمون هذا الاهتمام الهوسي بالقضايا العربية. إنها تتصرف كما يفعل الشواذ الذين يغيرون جنسهم الذكوري إلى جنس الأنثى. لكنهم لا يقتنعون بهذا التغيير إلا إذا استعملوا من مساحيق التجميل النسائية أكثر مما تستعمله المرأة الأصلية نفسها، وذلك حتى يظهروا أكثر أنوثة من الإناث الحقيقيات. وفي الحقيقة، ما تفعله هذه النخبة، الحاكمة والمثقفة، بخصوص هويتها الأمازيغية التي ترفضها وتتنكر لها، هو شذوذ جنسي كامل، يتجلى في تغيير جنسها الأمازيغي الأصلي إلى جنس عربي زائف ومزوّر، تماما كما يفعل الشواذ الذين يجرون عمليات تغيير الجنس.
فلو أن هذه النخبة المغربية كانت مقتنعة بانتمائها العربي، لتصرفت ككل العرب: اهتمام عادي بالقضايا العربية، خالٍ من أي غلو أو هوس أو حماس زائد. لكن هذه النخبة، ولأنها تريد أن تثبت شيئا لا وجود له (الانتماء العربي للمغرب)، فلا يمكنها أن تساند قضية عربية إلا بالغلو والتضخيم والتطرف في هذه المساندة. والمبالغة والإلحاح والزيادة في سلوك ما، يعبر عن شعور بالنقص في شيء ما. والنخبة المغربية تعاني، في حالتنا هذه، من شعور بالنقص في الانتماء العربي. وهذا ما يجعل أنها بقدر ما تغالي في إظهار "عروبتها"، على مستوى الوعي والسلوك الظاهر (تبني القضايا العربية والدفاع عنها)، بقدر ما تقدم الدليل المضاد، على مستوى ما هو خفي ولاشعوري ولكنه حقيقي، على أنها ليست عربية. وهذه هي مفارقات الوعي الشقي لدى النخبة المغربية.
وهذا الغلو العصابي للنخبة المغربية في إثبات الانتماء "العربي" للمغرب، الذي يثبت في الحقيقة انتماءه الأمازيغي كما رأينا، ليس إلا إثباتا تكميليا بجانب الإثبات الرئيسي "لعروبة" هذا المغرب، والمتمثل (الإثبات) في إقصاء الأمازيغية كهوية وانتماء للدولة المغربية.
وما يكشف عنه هذا الهيام الوسواسي للنخبة المغربية بمعشوقتها "العروبة"، هو أنه آلية دفاعية تبرز أن أصحابها ليسوا عربا في هويتهم الحقيقية، وأن المغرب، بالتالي، أمازيغي. فالتكفير عن الخطيئة دليل على ارتكابها، والعمل على غسل ذنب الانتماء الأمازيغي حجة على هذا الانتماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصرع 3 أشخاص في تحطم طائرة سياحية على طريق سريع في فرنسا


.. كأس أمم أوروبا: إسبانيا تكتسح جورجيا وإنكلترا تفوز بصعوبة عل




.. الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية: نتائج ودعوات


.. أولمرت: إذا اندلعت حرب شاملة مع حزب الله قد يختفي لبنان.. وا




.. إسرائيل تتحدث عن جاهزية خطط اليوم التالي للحرب وتختبر نموذجا