الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطة التنفيذية في المغرب: شكلية الجهاز والجهل بدلالة الشعب

محمد بوجنال

2013 / 7 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي




طرح السلطة التنفيذية في المغرب يقتضي، وبالضرورة، لفهم الأسس والمفاهيم والعلاقات والنتائج، الاستدعاء والاستحضار الدائم للمؤسسة الدستورية كفلسفة وعلاقات اجتماعية مبنية على مبدإ التهميش والدونية التي هي نقيض الفلسفة والعلاقات الاجتماعية المتمثلة في ضرورة استحضار مبحث الإنسان المغربي باعتباره الغاية والهدف. والتهميش ذاك ترجمته المؤسسة التشريعية بسنها القوانين والقواعد التي تجاهلت الشعب المغربي كحقوق أنطولوجية وعلاقات اجتماعية لصالح تصور تشريعي تميز بالتحيز لمصلحة النظام من جهة، والفئات الكمبرادورية من جهة ثانية دون نسيان الفئات الانتهازية معتمدين التنصيص الواضح من جهة، والغموض والثغرات المقصودة وغير المقصودة من جهة أخرى؛ ناهيك عن العمل على الحفاظ، تشريعيا وتسلطيا، على استمرار تماثلية العلاقات السوسيولوجية. وفي هذا المنحى الفلسفي لدونية الإنسان المغربي تتحدد السلطة التنفيذية حيث أن ممارسة الوصاية على الشعب من أهم مميزاتها. فملك البلاد يتمتع دستوريا بصلاحيات شبه مطلقة باعتباره حامي حمى وطن ودين الشعب المغربي ومرجع حل مختلف الخلافات المستعصية بين المؤسسات الكبرى وهو ما يحدده الفصل 42 من الدستور الجديد 2011. ومن هنا كانت وما زالت صلاحيات المؤسسة التنفيذية صلاحيات ضيقة وخاضعة للصلاحيات الدستورية للملك؛ فإذا كان هذا الأخير هو رئيس مجلس الوزراء، فإن مجلس الحكومة التي يترأسها الوزير الأول تبقى مطالبة دوما، في شخص الوزير الأول، بتقديم تقارير للملك بصدد النتائج التي تتوصل إليها المجالس الحكومية. وفي هذا الصدد انتفت وتنتفي استقلالية السلطة التنفيذية؛ فالوزراء مسؤولون كل في دائرة اختصاصه ولكن مع غياب الاستقلالية على أهم المستويات الاقتصادية والسياسية والمالية والاجتماعية والتعليمية ليبقى هامش الحركية ضعيفا؛ إنهم وزراء على مقاس فلسفة النظام التي هي فلسفة الدستور. وغياب الاستقلالية يظهر لنا في الممارسة السياسية لرئيس الحكومة المتمثلة في ضرورة الانصياع أو الرجوع إلى المؤسسة الملكية في أهم القضايا المجتمعية والاقتصادية والسياسية. فرئيس الحكومة هو المسؤول عن تدبير الشأن العام والحكومي، وهو الذي يحاسب على ذلك أمام البرلمان وهو ما يعني مبدئيا، أن تكون له الصلاحية الواسعة التي تمكنه من تدبير الشأن العام وفق تصوره السياسي وبرنامجه الانتخابي؛ لكن الحقيقة غير ذلك: فسلطاته توجد تحت سلطة الملك باعتبارها السلطة الأعلى التي تقوم بضبط ومراقبة عمل الحكومة؛ فتقديم استقالة وزير أو وزراء إلى الوزير الأول، كما هو محدد دستوريا، لا يعني صلاحيته البث فيها بقدر ما أنه مرغم على تحويله إلى الملك الذي له حق البث في ذلك وهو ما توضحه الفقرة الرابعة من الفصل 47 من الدستور الجديد 2011:" ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية"؛ ويمكن أن نضيف مثالا آخر: فالدستور الجديد 2011 في فصله 91 يعطي رئيس الحكومة صلاحية وحق التعيين في الوظائف المدنية، يقول الفصل:
" يعين رئيس الحكومة في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية، وفي الوظائف السياسية في المؤسسات والمقاولات العمومية، دون إخلال بأحكام الفصل 49 من هذا الدستور.
يمكن لرئيس الحكومة تفويض هذه السلطة".
في حين نجد أن الفصل 42 من الدستور الجديد 2011 يلزم رئيس الحكومة بعرض ذلك على أنظار المجلس الوزاري للتداول في الموضوع وهو ما يعني أن صلاحيات رئيس الحكومة في هذا المجال تعتبر شكلية لأن الأمر مرتبط بمصادقة الملك الذي له الكلمة الفصل في الموضوع. لذا، نرى أنه إذا كانت السياسة العامة التي وفقها نتمكن من الحكم على مذى نجاح الحكومة يجب أن تتخذ من طرف المجلس الحكومي وتحت المسؤولية المباشرة لرئيس الحكومة، فإن الفصل 92 من الدستور الجديد 2011 يقضي بأن العديد من القضايا يلزم عرضها على مجلس الوزراء قصد المصادقة: " يتداول مجلس الحكومة، تحت رئاسة رئيس الحكومة، في القضايا والنصوص التالية: السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري..."؛ بذلك يبرز بوضوح أن مجلس الوزراء يبقى هو السلطة التقريرية في مجال السلطة التنفيذية.
من خلال ما سبق يتبين لنا افتقار الحكومة المغربية استقلاليتها في اتخاذ القرارات أو قل الحرية في تحديد وممارسة السياسة العمومية، إضافة إلى محدودية تكوين مجمل أعضاء الحكومة بفعل ضعف الأداء السياسي للأحزاب وهو ما ترجمته عمليات التخبط والتردد وضعف الخبرة لاتخاذ القرارات، وحضور للأنا الذي هو إلغاء للغير كما ترى ظاهراتية هوسرل؛ بل إن الضعف ذلك حاصل حيى في مستوى فهم مرجعيات النظام الفلسفية والسوسيولوجية التي يعملون من داخلها، فبالأحرى إعدادهم وتهييئهم السياسة العمومية في شكلها العقلاني وفق تصور يستحضر الإنسان المغربي كمبحث من أهم مكوناته مبدأ إنسانية الإنسان في كونيتها وخصوصيتها على المستويين الفلسفي والسوسيولوجي. فكيف يعقل الكلام عن برنامج حكومي وسياسة عمومية في الوقت الذي نجد فيه أن أغلب مكونات السلطة التنفيذية تجهل الجواب عن إشكالات من قبيل: ما معنى الإنسان عامة والمغربي خاصة؟ ما معنى الاقتصاد في حياة الشعب؟ ما هي السياسة الأكثر نجاعة للاستثمار الأمثل للموارد والعلاقات بين مكونات المجتمع المغربي؟ ما معنى الثقافة المغربية كرؤية حاسمة وفعالة في حصول النمو والتنمية؟ ما شروط التنظيم المجتمعي الإنتاجي؟ ...الخ. فبدون فهم واستيعاب دلالات هذه الإشكالات الكبرى،نكون، وباللزوم، أمام غياب السياسة العمومية السليمة لصالح عم احترام الشعب أو إلغاؤه وخلق شروط تطور تخلفه وبالتالي سيادة الشطط والقتل المجازي لوجود الشعب. لذا، فالمنطقي هو أن التأسيس للتطور والتنمية يقتضي لزوما التكوين والخبرة والكفاءة وحصول الحرية التي هي الإنسان الذي هو التعدد أو قل الوحدة التعددية التي هي نقيض "التماثلية" التي تشتغل السلطة التنفيذية في المغرب وفق مباديئها؛ بل وبشكل أسوأ على مستوى مختلف جهات التراب الوطني؛ ومن هنا مصداقية المثال المغربي:" فاقد الشئ لا يعطيه". فالتعددية العقلانية فلسفيا وسوسيولوجيا هي ضمان السيادة الحقيقية للاستقلال والحرية التي بها يحصل نمو وتنمية وتطور مختلف مناطق التراب الوطني المغربي والتي بها كذلك تتم محاربة التسلط والتبعية لأشخاص أو مؤسسات تهضم حقوقه وحريته دون تعرض للمحاسبة والعقاب.فطمس التعدد والاختلاف المثبت فكرا وممارسة في أنشطة مجمل أعضاء السلطة التنفيذية- الإقرار باللغة الأمازيغية دستوريا غير كاف- معناه طمس الاختلاف الوجودي لكونية الإنسان المغربي وخصوصيته، طمس حصل ويحصل بفعل السيطرة والإكراه المادي والمعنوي الذي حال ويحول بينه وبين ممارسة حقوقه؛ يقول ك. سكينر:" التبعية والتدخل سببا غياب الحرية". فضعف التكوين وحب الذات والخلفيات المعرفية والأيديولوجية للدستور وقوة ميزان قوى النظام وغيرها جعلت مكونات السلطة التنفيذية مكونات لا يمكنها أن تتعدى سقفها الطبيعي الذي هو تصريف السياسة العمومية بشكل يتسم بالتخبط والتناقض والضعف علما بأن إخفاء شططها أو تحديد ممارسته في سقف معين لا يعني بناء التصور والتدبير السليمين للشؤون العامة للبلاد؛ إذ أن "سمو القانون" الذي مصدره الشعب الذي يتحمل مسؤولية التنصيص الدستوري على إقراره وبالتالي مسؤولية الإشراف على سموه، هو ضامن حصول مؤسسات من قبيل السلطة التنفيذية أو غيرها على استقلاليتها وفعالية وكفاءة مكوناتها؛" فسمو الدستور" يعتبر النظام العام والشامل لكافة مكونات المجتمع المغربي؛ وفي ذلك رفض لسياسة تراتبية المواطنين التي مؤداها أن لا فرق بين هذا وذاك، أو بين هذا العرق أو ذاك، أو بين هذه المنطقة أو تلك؛أو قل أن احترام القانون بالمعنى التنصيصي والإشرافي السليمين، يمنع أي عضو بالسلطة التنفيذية على ممارسة الشطط على غيره من المواطنين من التحايل والانفلات من العقاب. فسمو الدستور ذاك، يقول ليفيو قديما "أقوى من الرجال " بمعنى انتفاء الشطط والإلغاء حال حصول القانون أو قل أن طاعة الشعب لم تعد سوى طاعة القانون ضامن حصول العدالة والمساواة الذي "تكون" مرجعية دلالته السليمة هو الشعب حوارا وصياغة. أما غير ذلك المتمثل في القوانين التي منها الممنوح ومنها المتوافق عليه والذي تسهر على تنفيذه السلطة التنفيذية المغربية، فيعني إحكام السيطرة على الشعب وبالتالي تنفيذ قوانين في شأنه لم يكن هو مصدرها؛ بهذا نفهم تفويت الملك العمومي والاستفادة من الكريمات والتهرب من الأداء الضريبي...الخ؛ بل هناك من يتصرف من داخل السلطة التنفيذية حسب هواه وتقديراته الذاتية والمصلحية. وبطبيعة الحال ، فالهدف مسطر قبليا في فلسفة الدستور المتمثل في عرقلة القدرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعقلية للشعب من جهة، واستمرار ممارسة الشطط والغطرسة من جهة أخرى وهما نقيضا الحياة المدنية المثلى التي يحددها البروفيسور ماريتسيو فيرولي في التالي: "المجتمعات الديموقراطية بحاجة إلى لغة سياسية وأخلاقية قادرة، بطريقة مقنعة، على إبراز المعنى والقيمة الحقيقيين لحياة مدنية كريمة لحياة مدنية كريمة".
هذا وعلى عكس قولة ماريتسيو فيرولي، نجد أن المؤسسة التنفيذية المغربية غارقة في طرح ومناقشة الخلافات التي هي أساسا خلافات بين المصالح الطبقية والفئوية بمعنى أنها نقاشات سياسية لم تكن غايتها البحث عن الطرق الناجعة لتحقيق المصلحة العامة بقدر ما أنها نقاشات سياسية محكومة بمصالح. وقد علمتنا وأكدت لنا العلوم الإنسانية المناورات تلك والبرهنة عليها؛ فاليد الخفية تعبث، مدعمة بالتشريع، بمصالح الشعب معتمدة الشعارات والمراوغات وكل أشكال علم الحيل. لذا، فنقاشات السلطة التنفيذية المغربية تفتقر المنطق العلمي والفلسفي والسوسيولوجي الهادفين حصول الإبداع والابتكار خدمة للمواطن المغربي في شكليه الكوني والخصوصي. ففي الوقت الذي نجد فيه السلطة التنفيذية في الدول الديموقراطية تجتمع وتحاور وتصيغ وتبني برامج سياستها العمومية على أساس الفلسفة والقيم المواطنية التي ينص عليها "سمو دساتيرها"، نجد أغلب مكونات السلطة التنفيذية المغربية يحكم لقاءاتهم المنطق القبلي والجهوي والحزبي والعرقي . إنه الوضع الغير الطبيعي للمؤسسات الدستورية والتشريعية والتنفيذية للنظام المغربي الذي أسس وحدد بالمثل ، وفق نفس التصور الفلسفي والسوسيولوجي، الوضع الغير الطبيعي للسلطة القضائية موضوع مقاربتنا المقبلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر