الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى عيد الصحافة الشيوعية العراقية:يبقى القلم الحر حليف الكادحين، وخصم المستبدين

كمال يلدو

2013 / 8 / 1
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تقول الناشطة الأمريكية- السوداء هيريات تبمان*:" كل حلم عظيم يبداء بحالم، وأتمنى ان تتذكر دائما انك تملك الشجاعة والصبر والرغبة، وحتى لو تطلب الأمر الذهاب الى النجوم من اجل تغير العالم نحو الأفضل، فأنك قادر على ذلك!"، فرغم ان هذه الناشطة التي كانت من الناحية الرسمية (من العبيد) قد قالته بما لا يقل عن خمسون عاما من صدور اول صحيفة شيوعية عراقية يوم 31/7/1935، الا انه يحمل في دلالاته صلب الحقيقة التي تمثلت في تبوء شعار " وطن حر وشعب سعيد" اولى المنشورات والمطبوعات الشيوعية العراقية، ومنذ ايام التأسيس الأولى.

عقودا طويلة تفصلنا عن تلك الأيام التي لم نعد قادرين على وصفها نسبة الى ما وصل اليه حال العراق اليوم ونحن ندلب العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرون، وطن تتبارى فيه الوحوش البشرية على تبوء اكثر المناصب التي تمكن اصحابها من السرقات الكبيرة، وطن ينوء ابنائه وبناته تحت خطوط ادنى من خطوط الفقر العالمية، وتنخر الأمية جسده، فيما آثار الحروب والتفجيرات اليومية ما عادت بذات اهمية لعين الناظر الذي لا يأمل ولا يترجى سوى ان يعود سالما لبيته، لأنه لم يتذكر ان يودع عائلته هذا الصباح حينما غادر المنزل بقصد العمل او الوظيفة او الدراسة او حتى التسول في الشوارع العامة، في بلد البترول والميزانيات الترليونية الخيالية.

عملت الصحافة الشيوعية ومنذ خروجها للنور، "كمنفاخ حداد هائل" كما يصفها لينين، في بث وتعزيز الروح الوطنية والأستقلال، في الدفاع الأمين عن حقوق اكثر شرائح المجتمعة حاجة للتغير، الكادحين والمثقفين الثورين، في تأصيل الحركة التنويرية للمجتمع بالأنفتاح على مكنونات الثقافة العراقية ومثقفيها، وبالتنوع العالمي الأممي. حرصت على محو الأمية وتعزيز انسانية الأنسان. نشرت الشعر والقصة والبحث العلمي، مشاكل المعلمين والعمال والفلاحين، ونقلت صورة حية للأحياء التي مازالت تصرخ لليوم طالبة حصتها من التبليط والكهرباء والمجاري. كانت ومازالت الصحافة الشيوعية العراقية اكبر مؤسسة (جامعة) لتخريج ليس الكوادر الصحافية فحســب، بل الكتاب والفنانين والأدباء والشعراء والمسرحيين وحتى العلماء والأطباء، ليس هذا فقط من الناحية الأكاديمية، بل ومناضلين اشداء من الطراز الفريد. تدربوا وتعلموا وتمرسوا على مهنة المتاعب في خضم الصراعات التي لم تهدأ لليوم في تقديم الحقيقة للجماهير، بيضاء ناصعة دون زيف او افتراء. عمل جيل المناضلين في شتى الظروف، تارة في السراديب او الكهوف ، ومرة في البيوت او في المطابع العلنية، مرة بالرونيو ومرة يستنسخوها بأياديهم وبورق الكاربون، طريق طويل، كان قاسيا معظم الوقت وكان يكلف ســالكه حياته اكثر الأحيان. كان من الممكن ان ترتقي حبل المشنقة ليس لأنك تعمل محررا في جريدة(طريق الشعب) فقط، بل يمكن ان تحظى بذلك لأنك تقرأها او كنت تحملها في زمن ما! اما اليوم، وحينما نحصي اسماء الكتاب والصحفين والمثقفين الذين تخرجوا من تلك المدرسة الوطنية، فلا يتملكنا الا الفخر والأعتزاز، فهكذاكان ديدن هذه الصحافة وهذا الحزب، مدرسة نموذجية في الوطنية والأخلاص والثقافة والعلوم والأنسانية، تكبر كلما يكبر تلاميذها وتزهو كلما يغترف منها احبتها.

لانختلف كثيرا ونحن نشهد ما طرأ من تطور على الصحافة، طباعة وأنتشارا وأخراجا وتوزيعا في العشرين سنة الأخيرة، ومنذ ان صار الكومبيوتر يحل محل "عامل الطباعة" في اداء الكثير من ترتيب الحروف والصور وأخراج الصحيفة! لابل ان الأمور تنبئ بمفاجأت كثيرة على صعيد الصحافة الورقية المطبوعة التي صار المجهول مصيرها للسنين القادمة. ومما لاشك فيه ان عواملا تتجدد كل فترة يحسن بالمراقب ملاحظتها وملاحقتها ايضا ومنها على سبيل المثال: تنوع المصادر الأعلامية في هذا الوقت من خلال الأنترنيت والفضائيات والتلفونات الذكية – الموبايل- ووسائط التواصل الأجتماعي الأخرى، مما يجعل اخبار الجرائد قديمة (نسبيا) لما موجود عبر الأثير، والشئ الآخر هو دراسة وضع ونفسية المواطن ايضا. فأنسان اليوم متعب ومهموم والحياة تجري معه سريعة في معظم الأحيان، ويمكن للأمية ان تكون عاملا يحد من شراء الجريدة، او حتى انتشار الناس في رقع جغرافية كبيرة تحول دون وصول المطبوع في وقته المحدد، ناهيك عن ارتفاع تكاليف الطباعة والورق والعمل والنقل مما يضيف عبئا آخرا على كاهل اصحاب الدخل المحدود في الوقت الذي يستطيع فيه ان يسمع الأخبار ويشاهدها ومن اكثر من مصدر ولحظة بلحظة عبر الفضائيات .....مجانا!

في الوقت المنظور ممكن للصحافة الورقية ان تستمر لكن بتكلفة مالية اكبر، وممكن لقرأها ان يتناقصوا ايضا، لكنها باقية، وستعتمد كثيرا على الشئ المتميز بنتاجاتها ان كان في التحقيقات الصحفية او النشر الثقافي والأدبي او في ملاحقة الملفات التي تخص شرائح مهمة في المجتمع، الصحافة ستتنازل عن تربعها على عرش الخبر المقروء لتكون جزءا من كل، بعد ان كانت الكل، جزءا من الأنترنيت والفضائيات واليوتوب والتويتر والموبايل وربما لأدوات تواصل جديدة قادمة.

وحتى لانكون في آخر الركب، فأن المعنين في الشأن الصحفي (طالما نحتفل اليوم في ذكرى صدور او صحيفة شيوعية عراقية عام 1935) مدعوين اليوم وأكثر من اي وقت مضى للنظر في شأن الصحافة نظرة ممزوجة بأستكشاف آفاق المستقبل والتنبؤ بمتطلبات العمل الأعلامي (وليس الصحفي فقط)، من اجل التواصل الحقيقي مع الثورات التكنلوجية العارمة التي دخلت عالم النشر والأعلام، ومن اجل استيعاب الدور التي تقوم به الأدوات الأعلامية المستحدثة. فأذا كان الهدف من "الجريدة" هو نقل الخبر، وايصاله مع تثبيت الموقف منه وأعطاء البديل والتواصل مع البشر، فأن الفضائيات والمواقع الألكترونية في الأنترنيت والتلفونات الخلوية وأدوات التواصل الأجتماعي تقوم بذلك وبأحسن صور، وبسرعة فائقة وبتكلفة زهيدة جدا ان لم اقل مجانية. ان هذا الموقف المسؤل هو الذي سيضع الصحافة الشيوعة العراقية في مصاف باقي وسائل الأعلام المتوافرة اليوم، وحتى وأن كانت الأمكانيات المالية محدودة، فعلينا ان لا نسقط الأبداع، والفكرة الجديدة والجريئة، وعلينا ان نفكر دائما بأن احداثا تأريخية كبيرة جرت لكن بداياتها كانت بسيطة، وحينما نتحدث عن ثورات الربيع العربي وأهتزاز انظمة قاومت شعوبها لعشرات السنين، فأننا نتذكر جيدا، (الفيس بوك) و ( التويتر) و ( اليوتوب) و (الخلوي) ، ولا نتحدث عن الصحافة الورقية، وهذا بحد ذاته هو بارومتر ومؤشر ربما يساعد اصحاب القرار على التوقف قليلا وأعادة النظر في طريقة ادارة ملف الأعلام كاملا وليس الصحافة الشيوعية فقط.

ومن اجل ان يكون للذكرى طعمها الزكي، سيكون من اللائق ان ننحني اجلالا وأكبارا لشهدائها، من محررين وطباعين وشغيلة ، من العمال الذين كانوا ينقلوها او يبيعوها، والى اصحاب القضية الرئيسية، القراء ايضا، والى كل من كحل عيونه بأحرف حملتها له صحف ( كفاح الشعب، الشرارة، القاعدة، اتحاد الشعب وطريق الشعب)، اليهم في هذا اليوم وكل يوم، نؤكد لهم صدق نوايانا وأصرارنا على ايصال الحقيقة ايا كان ثمنها للكل، بأمل ان يعي المواطن والمثقف والمسؤل بأن القتل والأرهاب والتغييب وأستعمال القوة لن يثني الناس عن اكمال مشروعها، بل بتبني مشروع البناء السلمي للوطن وأحترام حقوق الأنسان وأطلاق طاقات منظمات المجتمع المدني، هي الكفيلة في نقل هذا الوطن للضفة الأخرى الآمنة.

هذي امانينا المتواضعة نؤكد عليها مرة اخرى في ضرورة مراجعة كل المنظومة الأعلامية بغية الحفاظ على افضل اواصر التواصل مع المواطن، في الدفاع عن مصالحه او في ايصال ارقى نتاج البشرية اليه، وربما يكون اليوم او في العام القادم او بعده مناسبا، لو بادرت ادارة طريق الشعب او دار الرواد المزدهرة، بتهيئة نصب تذكاري او جدارية تذكارية لشهداء الصحافة الشيوعية العراقية، ممن لم تشملهم قوانين (السلطان) في الرواتب والأمتيازات! وليكن امتيازهم الأكبر هو هذا الأستكار وهذا التكريم.

تحية للقلم الحر الذي لم تثنه الصعاب ولا اغرته الوان الدولارات، بل بقى امينا على قضيته السامية.

*هيريات تبمان: سيدة أمريكية سوداء 1820-1913، ولدت في ولاية ميريلاند و كانت محسوبة على ملاك العبيد حتى تمكنت من الهرب الى ولاية اخرى لايوجد فيها نظام العبيد.بعد سنين عادت لمدينتها الأصلية لتقوم ب 19 عملية تهريب لأكثر من 300 من العبيد الذين صاروا احرارا بعد ذلك. رغم كل المحاولات التي جرت بغية القاء القبض عليها فقد ظلت طليقة وعصية على السلطات، صارت رمزا من رموز الدفاع عن الحرية والعدالة وحقوق الأنسان، وقد لقبها ابناء جيلها ب (موسى) نسبة الى قصة تحرير موسى لليهود من قبضة الفرعون. رحلت وهي في العقد التاسع في نيويورك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|