الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلم الكاتب

فراس عبد الحسين

2013 / 8 / 2
الادب والفن


القلم والكاتب

استشهاد العشرات وجرح المئات بينهم نساء واطفال اثر انفجار سيارة مفخخة في سوق شعبي وسط بغداد, هروب مئات السجناء من احدى السجون العراقية, اخبار اوليه عن انهزام احد الوزراء وبحوزته اكثر من (مليار دولار) كانت مخصصه لتحسين الطاقة الكهربائية في البلد, خطف سيارة تقل عدد كبير من طلاب جامعه بغداد واقتاديهم لجهة مجهولة, مقتل وجرح المئات من عمال المسطر بانفجار عبوات ناسفه كانت مزروعة بمكان تواجدهم, عاجل ..عاجل.. انباء عن اختفاء (اربعه مليار دولار) من ميزانيه الدولة العراقية. اطفى جهاز التلفاز وصعد لغرفته الصغيرة المعزولة.
وضع الكأس بجانبه وتمدد على فراش الأريكة, في عتمه الليل الملهم الا من النور الخافت, مسك القلم بين اصابعه محاولا البدء بطقوس الكتابة. اخذ يداعب وجه الورقة الابيض الاملس كأنه وجه الحبيبة, ثم صمت لفتره وتشتت كل افكاره بعد ان سالت قطره الدمع على خده.
افلت القلم نفسه من يده وحدثه قائلا: هذه الليلة سأتبرأ منك واخاصم عقلك, كوني استشعر بألم خفي يجول في خاطرك مثل بقعه زيت اسود تلوث بحر افكارك الصافي. وانت لا تستطيع ان تكتب الاعن الحب والحياه والامل.
ارتشف القليل من كأسه وقال للقلم: لكن يا صديقي الوحيد ونديم ليلي قد ضاقت بي الحياه وجفف الالم منابع الامل, عندما شوهت صوره القتل اليومي شكل الابتسامة, وساد صوت الانفجارات على الحان زقزقه العصافير والتي هاجرتنا وسافرت لبلدان اخرى اكثر أمانا واستقرارا, واستباحت غيوم الدخان الاسود الكثيف لون وجه السماء الازرق الباسم, وطغت رائحه الدم على عبير الورد, وعمت اصوات النحيب والبكاء بدل صوت فيروز والحانها في كل صباح, كيف بكل ذلك استطيع الكتابة؟
ثم ارتشف رشفه اخرى من كاسه واكمل قائلا: يعتصر قلبي الما وينزف دما كلما رأيت طوابير العمال يملؤون المساطر دون عمل, ويرسم الجوع والفقر خربشته على وجوههم الكالحة بفرشاة من حديد. كلما رأيت المتسولين في بلد يطفو على بحيره من النفط, وملايين الارامل والايتام, انت لا تعلم كم اعاني كلما اكلت في احد المطاعم يتحول الطعام لطعم العلقم عندما يقدمه العامل واعلم بأنه جائع ومحتاج للطعام اكثر من حاجتي له.
كيف لا اكتب عن انتشار الفساد والرشوة, ولا عن المليارات التي تسرق من حقوق الشعب كل يوم, ولا عن ملايين المغرور بهم وهم لا يعلمون, ثم عم الظلام الدامس اثناء حديثه, وهذا هم اخر يضاف لهمومنا اليومية.
رد عليه القلم: ما اضيق العيش لولا فسحه الامل, عليك يا سيدي ان تمسح الدموع من العيون وتنفخ الحياه وسط الموت والركام, عليك ان تكون سفينه النجاة وسط بحار الالم, وتزرع الزهور وسط الصحراء القاحلة وترعاها كل يوم لتصبح اشجار وارثه يتفيئ بها الناس وعامه الشعب, وواجبك ان تنفث الآمال في النفوس التي تفتقدها وتحتاج لها, وعليك ان تكون لهم ضوء الشمعة وسط ظلمه الحياه الدامسة. هذا هو واجبك وهدفك ودورك في الحياه الذي لا تتنازل عنه.
ثم رجع القلم واحتضن اطراف اصابعه عوده الطفل لأحضان امه. تعال يا صديقي نتناسى الالام والمناظر البشعة التي تشوه حياتنا وتبعثر احلامنا, عندما نفقد الحب والاحساس سوف نفقد انسانيتنا ونتحول الى مخلوقات اخرى ليست من البشر. تعال لنرسم الحياه والحب ونخط للمعرفة وللأمل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام