الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعراء النفير العام

ليث فائز الايوبي

2013 / 8 / 2
الادب والفن



كلما تم التحضير لاقامة احتفالية هنا او مهرجان شعري هناك , حتى تمرر التزكيات والتوصيات المستترة من تحت الطاولات الى درجة بالغة من البؤس , وتنهال التوسلات والتضرعات من هنا وهناك , وترتفع حمّى النزاعات والمناكفات السمجة بين الساعين الى اغتنام فرص الاغتسال بالاضواء الصاخبة عن طريق ارتقاء منصات الشعر , مقرونة بالوعيد المبطن حينا وبالتهديد المعلن احيانا اخرى , من اجل الحصول على فرصة متاحة للاندساس عميقا في جيوب هذه المهرجانات المسلية ومفكرات منسقي فواصلها وقلوبهم , والظفر ببطاقة الصعود قدما الى حافلات نقل فيالق متحركة من المشاركين الى (الساتر المتقدم ) مع حقائبهم المليئة بالمفرقعات والمخطوطات الخالية من الهواء والمعلقات الجالبة للنعاس , مصطحبين معهم منصاتهم وقنابلهم الصوتية وطبولهم وسلالمهم .. عازمين على الالتحاق بمعركة المصير الكبرى كما يعتقدون ونيل شرف استعراض حناجرهم المخمورة امام الملأ , دون أي شعور بالمسؤولية , فلديهم سواء ان سقطوا جميعا قتلى امام المنصة بداء الركاكة واستهجان المستمعين في حال وجودهم اصلا ام بقوا على قيد الحياة , يجرون اذيال النصر باسقاط فرض المشاركة في هذا العرس المجاني الذي سرعان ما ينقلب الى مآتم مضحكة للنقد الجارح والتقريع القاسي في ما بعد , متحينين فرص النبش بحثا عن أي نوافل اعلامية استعراضية متاحة امامهم للاغتسال بعدساتها وفلاشاتها الدبقة من ادران الشعور بضآلة الشأن وانعدام اهمية ما يكتبون , دون ان ينبروا لتسديد ما بذممهم من ديون متراكمة على مدار اعوام مديدة لتاجر مرابي كبير اسمه الوهم !
هذا الوهم الذي جعل الغبار ندا للمياه الجارية في محيطنا الثقافي مع الاسف بسبب قصور الاليات المتبعة وفساد من يتولون تنفيذ برامجه بنزاهة وموضوعية .
اما طرق تفصيل ملابس هذه الفعاليات على ما هو متاح امامها من مفاصل وايدي وارجل مشاركيها ورؤوسهم تكاد تكون طرفة بحد ذاتها , ولا غرابة في الموضوع ابدا اذا ما علمنا ان سياقات هذه المهرجانات الثقافية شبيهة بالسياقات العسكرية , عندما يصار الى معاملة هؤلاء المشاركين معاملة الجنود مثلا ومنحهم رتب فخرية نادرا ما ترضي غرورهم , ففي حفل الافتتاح يتم تخصيصه عادة لشعراء الفوج الاول ثم تليه باقي الافواج والكراديس مصحوبة بمارشات نقدية للتمجيد لا اكثر وانتهاءا بمنح الدروع النحاسية في ختام الفعاليات او انواط الشجاعة كما يتندر البعض ..!


ولاسباب موضوعية ابدي هنا عتبي الشديد لشعراء مشهود لهم بالرصانة وامتلاك تجارب شعرية ملحوظة في الشعرية العراقية المعاصرة ما كان لهم ابدا ان ينخرطوا مع ثلة من محبي المهرجانات وعبيد المنصات وينساقوا مع المنقبين عن الاضواء الكاذبة في باطن الارض , كسلمان داود محمد وعبد العظيم فنجان ومحمد تركي النصار وماجد موجد وردت اسماؤهم عرضا ربما في احدى قوائم المعترضين على الغبن ( المفاجيء ) الذي طالهم بسبب تجاهل دعوتهم واقصائهم عن حضور فعاليات مهرجان بغداد الشعري الذي حرصت لجنته المنظمة كما يبدو و نزولا عند رغبة المشاركين في دورات سابقة وصمت بالفشل , تلافي أي قصور تنظيمي لاحق قد يطال مصداقية فعالياتهم المخصصة للشعر في دورات قادمة , وهم محقون طبعا على اعتبار ان قصيدة النثر اذا وضعنا القصيدة الكلاسيكية جانبا مخترقة من قبل مئات الملفقين والمتشاعرين و لا تمتلك أي حنجرة واسعة ومقنعة للوقوف خلف هذه المنصة اصلا او تلك , بل هي – أي قصيدة النثر - قصيدة هامسة كما هو معروف وفريدة في تلقيها , فما بالك اذا كانت اغلب التجارب النثرية المصرة على المشاركة في هذا المهرجان باستثناء تجارب من ذكرنا طبعا , تجارب متواضعة شعريا ونثريا خلافا للهالات او الكدمات الاعلامية المصطنعة على اسماء اصحابها , لاستنادها ( أي تلك التجارب ) على بؤر ضيقة متشابهة للتعبير ومطروقة او مغالية في حذلقاتها مقرونة بحبكات ساذجة وبسيطة جدا تفتقر للدهشة والابتكار الا في حدود ضيقة لا يعتد بها , طعنت بهيبة الشعر وقصيدة النثر على وجه الخصوص وجعلته مادة للسخرية والتندر والعزوف عنها من قبل المتلقي .

هذا من ناحية .. ومن ناحية اخرى اعتقد ان هذه الانشطة السرية التي تقام تحت الارض عادة ما تستقطب المشاركين انفسهم دون غيرهم وبشكل يدعو للاسى والاستغراب , فهم المصفقون والمصفرون والمتداخلون والهاتفون والمانحون , وقصائدهم بسبب قوافيها المكشوفة سلفا ومواضيعها المألوفة , تكاد تكون قصيدة واحدة او رحما واحدا لآباء متعددين , يتداولون القاءها في ما بينهم بانسجام عجيب ..!
وهذا النوع من القصائد بصرف النظر عن قيمتها الفنية والابداعية ربما تكون من وجهة نظري اكثر ملائمة من سواها لاحياء مثل هذه الاحتفالات المخصصة للاستعراض , لما تتسم به من مسحة طربية , سرعان ما تفقد حلاوتها ودهشتها بمجرد قراءة كلمات هذه الوصلة الشعرية او تلك منفصلة عن اجواء المنبر وقنابله الصوتية , حين نكتشف انها لا تعدو ان تكون اكثر من قصائد صوتية دارجة تخلو من أي لمسة ابداعية او اضافة فارقة للشعرية باستثناءات طفيفة طبعا لا تتعدى البيتين او الثلاثة من مجموع عدد غير محدود من قصائد هذا الشاعر العمودي او ذاك .. وهي نسبة ضئيلة في قيمتها لا تعد في صالح من يكتبها بل هي ضده ..
ختاما نود التأكيد ان على أي مبدع , يحترم شاعريته ولا يستهين بابداعه , ان لا يعول ابدا على مثل هذه المهرجانات العابرة مثل عربات الخضار , وان يكف من ينسب نفسه لطيف اثيري اسمه ( الشعر ) من ملاحقة هذه المظلات الواقية وصعود حافلاتها النافقة وزوارقها الراسية على الاسفلت ..وعدم الانخراط ابدا في جوقات النفير العام , الذي جعل شعرنا قابعا كأي كائن اسير تحت خوذة مليئة بالدخان واصداء الذخيرة الحية والقنابل الصوتية والتصفيق المجاني المسفوح على ملابس مؤدي الحفلات (الشعرية) اياها , ولحاهم المصبوغة بالغبار .. ليس الا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟