الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتصاد اسرائيل ينجو.. مؤقتا

اساف اديب

2002 / 11 / 3
الادارة و الاقتصاد


المؤسسات الدولية تهدد بخفض تصنيف اسرائيل

اقتصاد اسرائيل ينجو.. مؤقتا

اسرائيل في حلقة مفرغة: في محاولة للخروج من الورطة الاقتصادية يدعو رجال الاقتصاد الى نهج سياسي وامني اكثر اعتدالا، وفي نفس الوقت الى وحدة وطنية لتمرير ميزانية 2003. غير ان اتباع سياسة اكثر اعتدالا يتطلب خروج حزب العمل من حكومة الوحدة. تناقض مستحيل.

 

اساف اديب

 

تهديد مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية بخفض تصنيف دولة اسرائيل من (A-) الى (BBB)، احتل العناوين الرئيسية في الصحف الاسرائيلية. كما تحولت هذه المسألة الى القضية المركزية التي ناقشها الوفد الاسرائيلي الى مؤتمر البنك العالمي السنوي الذي عقد بواشنطن اواخر ايلول (سبتمبر) الماضي.

قرار المؤسسات الدولية خفض التصنيف الائتماني للبنوك الاسرائيلية الثلاث الكبيرة (هبوعليم، لئومي وديسكونت) في نهاية آب (اغسطس)، كان مقدمة للنقاش حول احتمال خفض تصنيف دولة اسرائيل الائتماني. في مفهوم الاقتصاد الرأسمالي العالمي يعني خفض تصنيف دولة او مؤسسة مالية ما، شيئا واحدا: ان هذه الدولة او المؤسسة تعاني من صعوبات مالية وتعجز عن توفير الضمانات الكافية لمن يستثمر فيها، وبالتالي فقد لا تكون المكان الانسب للاستثمار.

وقد انتهت الازمة بتأجيل قرار مؤسسات التصنيف الائتماني حتى حين. ولكن، في رأي كل الخبراء لا تزال الازمة بعيدة عن نهايتها، اذ انها متعلقة بالوضع الامني- السياسي الذي تواجهه اسرائيل اليوم. رغم المحاولات للتقليل من خطورة التأثيرات السلبية للانتفاضة على الاقتصاد الاسرائيلي، تبين بعد عامين من المواجهات، وسيما بعد احتلال الضفة الغربية في  آذار (مارس) الماضي، ان الاوضاع الامنية لها تأثير حاسم على النتائج الاقتصادية.

 

التصنيف الائتماني وتمرير الميزانية

على هذه الخلفية توجّه وفد وزارة المالية والبنك المركزي الاسرائيلي، برئاسة الوزير سيلفان شالوم، الى واشنطن حيث عقد في اواخر ايلول الماضي المؤتمر السنوي المشترك للبنك العالمي ولصندوق النقد الدولي. وكان الموضوع الرئيسي على سلم اولويات الوفد الاسرائيلي ضمان عدم المسّ بالتصنيف الائتماني الدولي لاسرائيل، واقناع المؤتمرين بان الحكومة تسيطر على الوضع وانها قادرة على تمرير ميزانية 2003 قبل نهاية السنة.

وراء هذه المداولات جرت محاولات من قبل المؤسسات المالية الدولية واوساط في اسرائيل، لاستدراج حكومة شارون الى مواقف اكثر اعتدالا وتوازنا في المجال الامني والاقتصادي. الحكومة، من جانبها، رأت في التهديد على مكانة اسرائيل الاقتصادية فرصة لكسب التأييد الكافي لتمرير ميزانية عام 2003، التي تواجه معارضة من قبل حزب العمل.

على ضوء تهديد اسرائيل بتغيير تصنيفها، بدأت في اسرائيل في اواخر آب تطورات اقتصادية خطيرة، ادت من جديد لانخفاض سعر صرف الشيكل ليقترب من خمسة شيكلات للدولار. ويخشى الخبراء الاقتصاديون ان يكون هذا الانخفاض اشارة الى فقدان الجمهور ثقته بالشيكل، مما ينذر بانهيار مالي.

المؤسسات الاقتصادية الدولية، وامريكا وراءها، لم تقصد هذه النتيجة عندما هددت مكانة اسرائيل في الاقتصاد العالمي. فخلافا لاسلوب تعامل امريكا مع دول مثل الارجنتين والبرازيل وتايلاند، ترى الادارة الامريكية في اسرائيل حليفا اساسيا ولا تنوي دفعه الى الانهيار. من هنا الحذر في التعامل مع ازمة اسرائيل المالية. وقد انعكس هذا في لقاءات وزير المالية شالوم مع كبار المسؤولين في مؤسسات التصنيف الائتماني وفي الادارة الامريكية. وقد اثمرت هذه اللقاءات عن نتائج ايجابية من وجهة النظر الاسرائيلية.

مع هذا، فقد استغلت الحكومة الازمة لفرملة ضغوط شركائها في الحكومة وخاصة العمل وشاس. مدير عام وزارة المالية السابق، دافيد برودت، قال ل"هآرتس" (27 ايلول): "ان التصنيف الائتماني هو سوط بيد الحكومة امام الكنيست، في سعيها لاقرار ميزانية متوازنة. دون وجود التصنيف الخارجي لا يمكن للحكومة ان تتصدى لضغوط القطاعات المختلفة في المجتمع".

ان تهديد شارون بالدعوة لانتخابات جديدة في حالة رفض حزب العمل التصويت على الميزانية، يشير بحد ذاته الى تفاقم الازمة السياسية ويفضح عجز الحكومة عن حل ازمتها السياسية والاقتصادية. وبما انه من غير المعقول ان تُجري اسرائيل انتخابات عامة في ظل الحرب الدائرة في المناطق الفلسطينية والحرب التي تستعد لها امريكا في العراق، فليس من شأن هذا التهديد ان يحقق شيئا سوى شراء المزيد من الوقت.

 

ثمن الوضع الامني

خلافا لتقديرات المسؤولين الاقتصاديين الاسرائيليين، يتضح اليوم ان الوضع الامني المتدهور وخاصة الاحتلال المجدد لمدن الضفة الغربية، كان له تأثير خطير على الوضع الاقتصادي العام في اسرائيل. الجملة التي كررها الاسرائيليون في الماضي بان "المشكلة تكمن في مؤشر ناسداك لاسهم التكنولوجيا المتطورة في نيويورك، وليس في نابلس"، كما يبدو لم تكن دقيقة.

حسب مقال موتي باسوك (هآرتس 29 ايلول) الذي كتب في مناسبة عامين على اندلاع الانتفاضة، كانت الاشهر التسعة الاولى لعام 2000 افضل فترة في تاريخ اسرائيل. فقد سُجّلت خلالها نسبة نمو سنوية تفوق ال10%. ومنذ تشرين اول (اكتوبر) 2000 "دخل الاقتصاد الاسرائيلي في تراجع مستمر لا احد يعرف متى ينتهي. وفي عام 2001 سجلت اسرائيل نسبة نمو سلبية (0.9% -) وذلك بعد ان كانت نسبة النمو منذ عام 1953 ايجابية دائما. ومن المتوقع ان تكون نسبة النمو عام 2002 سلبية ايضا ( 1.5%-، حسب تقدير صندوق النقد الدولي)".

علاوة على ذلك، تراجع مستوى المعيشة في اسرائيل خلال عامين بنسبة 6%، كما انخفض حجم الصادرات الاسرائيلية في عام 2001 بنسبة 11.7% مقابل ارتفاع بنسبة 23% حققه عام 2000. الاقتصاد الاسرائيلي الذي اعتمد بشكل اساسي على قطاع التكنولوجيا المتطورة، تأثر سلبا بتراجع هذا القطاع على المستوى العالمي. كما تعاني الصناعات الاسرائيلية من الركود الاقتصادي الذى اصاب امريكا واوروبا.

وزير المالية السابق، ابراهام شوحط (العمل)، قال في اوائل تموز (ايلول) لصحيفة هآرتس: "فقط الحل السياسي للنزاع مع الفلسطينيين يمكنه اخراج الاقتصاد من ازمته. استمرار الانتفاضة من شأنه ان يفاقم الوضع، خاصة ان كل المؤشرات الاقتصادية هي اليوم سلبية".

 

حلقة مفرغة

في هذا المجال تجد اسرائيل نفسها في حلقة مفرغة: في محاولة للخروج من الورطة الاقتصادية يدعو رجال الاقتصاد الى نهج سياسي وامني اكثر اعتدالا، وفي نفس الوقت الى وحدة وطنية لتمرير ميزانية 2003. غير ان اتباع سياسة اكثر اعتدالا يتطلب خروج حزب العمل من حكومة الوحدة، وفتح صراع سياسي داخلي، الامر الذي يتعارض مع بقاء حكومة الوحدة التي يمكن ان تضمن للمؤسسة الحاكمة تمرير الميزانية. تناقض صعب، لا احد يقترح امكانية لحله.

ولا تقف التناقضات عند هذا الحد. فالميزانية تهدد بالحاق اضرار كبيرة بالنصف الفقير من المجتمع الاسرائيلي وبالجماهير العربية خاصة. اذ ان سعي الحكومة للحفاظ على نسبة عجز منخفضة حسب املاءات مؤسسات المال العالمية، دفعها لاجراء تقليصات كبيرة في مجال الرفاه والضمان الاجتماعي. حتى لو تجاوزت الحكومة ازمتها الائتلافية ومررت الميزانية، فليس هناك ما قد يمنع الانفجارات الاجتماعية الجديدة الناجمة عن تضييق الخناق على الشرائح العمالية والفقيرة.

 

التصنيف الائتماني الاستعمار الجديد

مصطلح "التصنيف الائتماني" للدول والمؤسسات البنكية هو معيار تحدده ثلاث مؤسسات امريكية خاصة، بنت لنفسها في السنوات الاخيرة نفوذا كبيرا على الاقتصاد العالمي، وهي "ستاندارد اند بورس" (Standard @ Poor s  S&P)؛ "موديس" (Moody sوفيتش (FITCH). ولا تملك هذه المؤسسات أي دور رسمي في العلاقات الدولية مثل الامم المتحدة، ولا تخضع لقرارات الحكومات، مثل البنك العالمي او منظمة التجارة العالمية.

وتصنّف هذه المؤسسات الدول التي تطلب القروض، وتضع بين ايدي المستثمرين المعلومات حول من هي الدول التي تستحق القروض، ويمكنها ان تضمن اعادتها. وتقوم المؤسسات بهذا التصنيف بطلب من الدول المستدينة نفسها وعلى نفقتها. الدولة التى ترفض هذا التصنيف وتتجاهل هذه المؤسسات تصنف على انها "غير مجدية"، وبالتالي لا يتم تشجيع الاستثمار فيها.

القوة التي تملكها هذه المؤسسات تدفع اليوم رؤساء دول ووزراء مالية بالتوجه اليها، شاءت ذلك ام ابت. وقد توجهت اسرائيل الى هذه المؤسسات عام 1995، على خلفية النمو الاقتصادي السريع وانفتاحها على العالم الذي اعقب اتفاقات اوسلو. احد الصحافيين شبه اللقاء بين وزير المالية وكبار المسؤولين في المالية الاسرائيلية مع ممثلي شركات التصنيف، باللقاء بين التلاميذ ومدير المدرسة.

المفارقة ان سيطرة هذه المؤسسات الخاصة على الاقتصاد العالمي تتنافى مع ابسط اعراف الديمقراطية التي تتحدث عنها امريكا. فبدل سيطرة المؤسسات المنتخبة من قبل الجمهور وتخطيط الاقتصاد العالمي لصالح هذا الجمهور، اوصل النظام الرأسمالي البشرية الى حالة من دكتاتورية الشركات الخاصة التي تقرر أية دولة من حقها ان تعيش واي من الافضل لها ان تموت.  

اساف اديب

  الصبار   تشرين اول 2002 العدد 157

 

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - - كل يوم - يفتح ملف الدعم أيهما أفضل للمواطن العيني


.. النائب أيمن محسب: الدعم النقدي هو الأفضل للفقير والدولة والط




.. كل يوم -د. أحمد غنيم : الدعم النقدي لن يؤدي لمزيد من التضخم


.. د. أحمد غنيم لخالد أبو بكر: كلما تقدمت الدول كلما تحولت من ا




.. كل يوم - د. أحمد غنيم :الدولة تقدم الدعم النقدي لأصحاب المع