الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 16

حبيب هنا

2013 / 8 / 3
الادب والفن


- 16-
خليل يجلس مع تالا وصديقه الذي عرّفه عليها، وأمامهم ثلاثة فناجين من القهوة المصنوعة خصيصاً من أجلهم بناء على تعليمات خليل للعامل المتواجد في الفندق الذي ينزل به مع صديقه . وكان ينتظر بفارغ صبر انتهاء صديقه من الثرثرة التي لا طائل منها حتى يتمكن من البقاء مع تالا ويدخلا في صلب الموضوع الذي جاءت من أجله بعد أن اتصلت به تبلغه عن قدومها والحديث في موضوع يخصهما وحدهما .
ولما غادر الصديق فاجأها قائلاً:
- عندما أنظر في عينيك أشعر بقيمة الحب ومعناه . قاطعته قائلة:
- وأنا كذلك .
- إذن، هذا هو الحب الحقيقي الخالي من الأوهام .
- نعم، ولكن علينا أن نرعاه بمستوى يليق بمقدار التقارب إلى حدود الحديث مع النفس .
- أعتقد أنه ليس هناك تفسير آخر أكثر بلاغة لمعنى النظر في العيون دون توقف في الوقت الذي، أحياناً، نكون بحاجة ماسة إلى الحديث عن شيء آخر غير الحب .
صمت لحظة، ثم تابع:
- إنني ضد فكرة تراجع منسوب الحب بعد الزواج، لأنه باختصار، عندما يجمعنا سرير واحد ويضحي كل منا للآخر في ليلته الأولى، فان ذلك برهاناً أكيداً على استمراره ونمائه .
صمت مجدداً، على أمل أن تدخل في الموضوع الذي جاءت من أجله. وكانت تالا تنظر إليه بحيرة وارتباك، إذ كيف لها أن تفتح موضوعاً بهذه الأهمية في اللقاء الثاني بينهما، غير أنه فاجأها خليل مجدداً وقال :
- عمّ كنت تنوين الحديث؟ وما هو الموضوع الذي ترغبين مناقشته معي؟
- ليس بتلك الأهمية ، ولكن من المفيد معرفة رأيك فيه، بغض النظر عما إذا كنت تتفق معه أو تعارضه .
- إذن، ما هو؟
- تردد في الآونة الأخيرة أن فلاناً يسعى بشكل من الأشكال إلى الحط من قدر المرأة، وبالتالي، ينظر إليها على أنها لا تستحق معاملة تليق بأنوثتها إلا عندما تكون في البيت وعلى سرير الزوجية !
- لا داعي للإفاضة، فأنا أعرف فلاناً أكثر منك، بل وعارضته مراراً أمام الجميع، فهو متطرف في وجهة نظره، هذا لو افترضنا حسن النية في موقفه .
على أية حال، أنا معارض بالمطلق لوجهة نظره التي تقول: أن المرأة لا تستطيع العناية بجسدها منذ بواكير صباها، معللاً ذلك بالصدمة الأولى التي تفقد فيها دماً، وأن تفكيرها ينحصر بعدئذ في أنوثتها ليس إلاّ كي تصبح جاهزة للإنتاج عند أول طلب، وفي المراحل المتقدمة من العمر تشعر بعدم الاكتراث لمن حولها من الرجال باعتبار أنوثتها أمست بلا فائدة، غير أنها لا تنقطع عن المحافظة عليها باعتبارها المدخل الوحيد لمشاركة الرجل نصف الحياة .
إنني على خلاف معه غير قابل للشك، فأنا أرى في جسد المرأة نصف تكوينها والنصف الآخر هو الروح التي تمتلكها، وهو بالتالي مدخل مؤقت للحب الذي لا يستمر بعيداً دون نعومة الروح ومحافظتها عليه حتى يكون جاهزاً بالقدر الذي يكون فيه جسد الرجل مع روحه جاهزين وبرصانة تستدعي التقاسم الوظيفي والمساواة عند الاشتهاء بحيث يضحي الأمر طبيعياً دون إثارة مفتعلة تسلط الأضواء على الحالات النادرة التي يمكن تسميتها بالاستثناء .
ومع ذلك، فإن اللعبة الغادرة من بعض الرجال لا تمنح الحب الحقيقي الخالي من الرياء ووسائل الضغط والابتزاز وممارسة أجمل اللحظات ببشاعة وسرية تفقد الموضوع حيويته وتقود بالتالي إلى الشيخوخة المبكرة التي تحول دون النظر إلى الجسد بمتعة نادرة قابلة للألق واستمرار تدفق العطاء .
ثم صمت فجأة..
كان يفكر بعد إحساسه بالمسؤولية في اليوم الأول للقائه بتالا، أن الخطأ الذي اقترفه يتضاعف تلقائياً جراء هذه المسؤولية الأخلاقية، وأصبح واجباً عليه التفكير ملياً قبل أي خطوة حتى لا يقع في الخطأ مرتين، وحتى لا يعيش مع عذاب الضمير الذي لن يبرحه إلى الأبد، لا سيما وأنه في أعقاب هذا الخطأ، وبعدما افترق عن تالا، قطع وعداً أمام الذات يتحاشى بموجبه الأخطاء التي تصيب في الصميم أناساً آخرين قد يتعرضون للعذاب على ضوئه، بل هو يقيناً كذلك، الأمر الذي يفرض عليه وزن أي تصرف قبل فوات الأوان .
وكانت تالا ترقبه بحذر وهو غارق في تفكير عميق، تحاول سبر غوره بعد أن أخذت أفكاره تلتمع شيئاً فشيئاً حتى غدا واضحاً أن ثمة أمراً هاماً حال دون مواصلة حديثه . ولم تصبر على الوضع أكثر من ذلك، فبادرت تقول :
- لقد ذهبت بعيداً في تفكيرك، وأنا لم آت إلى هنا من أجل مراقبة أفكارك . عليك مشاركتي بما تفكر به .
- لا عليك . هي لحظات تنتاب الإنسان أحياناً فيبتعد خلالها عن سياق الحديث .
- إذن هيا نذهب من هنا، ربما يساعدنا الهواء الطلق على تغيير الأجواء التي ألمت بك فجأة .
- حسنا . هيا بنا نذهب .
وهكذا بقيت علاقته بتالا علاقة زوجية رغم أنهم لم يلتقيا على سرير واحد بعد أن أعلنا خطبتهما رسمياً وأمام حشد من أهل الطرفين كما هي العادة . علاقة زوجية قريبة جداً من الصداقة المتكافئة لدرجة أن البعض ممن لم يكن يعلم بخطبتهما استوقفهم عمقها وصراحتها وتبادل المشاعر والأحاسيس، ولكن أبداً لم يشكوا في نقائها ونزاهتها واحترام كل منهما للآخر .
ولما كان خطأه الأول ينطوي على هذا القدر من الغموض وتأنيب الضمير آثر على نحو ربما لم يسبقه أحد إليه، البقاء أمام الناس واضحاً عندما يتحدث مع أي سيدة أو صبية في أول طريقها نحو الاختلاط بالرجال، خشية أن تسري أية شائعة تمسه وتدفع بالتالي تالا للاعتقاد أنها صحيحة طالما حدث معها الشيء ذاته .
على أنه ينبغي الإشارة إلى أن خليلاً قبل أن يغادر الفندق مع تالا عندما كانا يتحدثان عن رأي فلان في المرأة قد قال عباراته الأخيرة التي جعلت تالا أكثر اطمئناناً على مستقبلها معه : إن حديث فلان الذي تعرض فيه للمرأة واعتبارها مصنعاً للإنتاج تنتهي صلاحيته بعد أن تبدأ الأعطال تدب في ماكيناته هو حديث هراء في كل الأحوال لأنه يجرد المرأة من حواسها، وسيكون نهايته في سلة المهملات تماماً مثل السيجارة التي ندخنها تنتهي باستمرار في المنفضة .
وأما عن العمل . كان يتعامل مع زملائه بالمساواة التامة . لم يأمر أحداً وجبت عليه طاعته بحكم القانون والتسلسل الوظيفي، كان كل ما يهم توفير الحد الأدنى من الانسجام والتجانس بين مختلف الموظفين دون الحاجة إلى الصرامة والتعقيدات التي لا مبرر لها . الانسجام والتجانس أجدى وأنفع، ويحقق انجازاً عملياً فعلياً أكثر بكثير من إصدار الأوامر ووجوب الطاعة والتنفيذ دون خلق الحافز الضروري الذي يعطي للعمل حيويته التي لا تقدر بآلاف الأوامر .
وفي خلوة مع النفس، يستذكر كيف اتكأت على ذراعه ذات يوم، ثم وضعت رأسها على صدره، فشعرت براحة لا مثيل لها وهي تستمع لدقات القلب بالقدر الذي جعلها تغفو سريعاً هادئة البال مطمئنة .
وكان عندئذ حريصاً على تقييد حركته والامتناع عن القيام بأكثر من التنفس البطيء حتى لا يوقظها من غفوتها التي جاءت في أعقاب نقاش حاد استمر طويلاً بغية الوصول إلى أهم النقاط المشتركة التي من شأنها رسم خطوط عامة حمراء ينبغي التقيد بها حفاظاً على مستقبل العلاقة وتقويتها، لا سيما وأن تحاشى نقاط التنغيص عليهما يعطي دفعاً قوياُ لتنامي العلاقة ويؤكد على المحافظة على المشاعر مهما كانت حالات الانفعال التي تصيب الإنسان أحياناً .
يستذكر كلماتها التي تفوهت بها بعد الصحو من غفوتها بين الحين والآخر كأنها قالتها للتو: لم أكن هادئة البال في يوم من الأيام كما كنت وأنا أغفو على صدرك .
لقد رأيت شجرة تظلنا في بستان له أول وليس له آخر، وعند أقدامنا ينبوع ماء يتدفق عذباً وصافياً ونشاهد صورتنا معكوسة فيه . وكنت ابتسم لك وأنت تأخذني بضحكتك الساحرة إلى أحضان السعادة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب