الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألانظمة العربية بين حصارين

منير الحمارنة

2005 / 5 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


*بين مطرقة الضغوط الخارجية وسندان الضغوط الشعبية الداخلية، تتعرض الانظمة الى ضغوط ارهابية داخلية تمارسها جماعات قامت هي بتشجيع وجودها فكريا وعمليا تحت ضغط ومطالبة واشنطن بالدرجة الاولى. فالقوى السلفية المتعصبة تم تجميعها وتعبئتها وتدريبها بارشادات امريكية*
المتابعة المتأنية والدراسة الدقيقة لمجريات الاحداث في منطقتنا تكشف بوضوح ان جميع الدول العربية بلا استثناء تقريبا تقع تحت ضغط حصار مزدوج، داخلي وخارجي. وتبذل جهود حثيثة ومتوالية لتعظيم هذه الضغوط والربط فيما بينها، باساليب ووسائل تثير الريبة والشكوك.
اذ تشهد المنطقة تحركات متعددة وعلى محاور مختلفة من اجل اشاعة الدمقراطية والحرية واحترام حقوق الانسان، وتترافق هذه التحركات مع حملة اعلامية واجراءات ملموسة ومواقف سياسية من جانب واشنطن وغيرها من عواصم الدول الامبريالية. ويبدو جليا ان هذه الحملة والعلاقات التي تنسجها العواصم الغربية مع بعض القوى السياسية المهاجرة او في داخل بعض البلدان العربية تتسم بتأليب الشعوب العربية لزيادة وتوسيع نشاطها وحملاتها تحت يافطة الدمقراطية بحجة ان كل ما تعانيه هذه الشعوب من تخلف وفساد يرجع الى غياب الدمقراطية وانحسار الحريات العامة!! ولا تشير هذه العواصم، او حملاتها الاعلامية والسياسية لمسؤولية القوى الاستعمارية على مدى قرون في افقار شعوبنا ونهب خيراتها وتعطيل تطورها واخضاعها لعوامل التخلف اضافة الى مساهمتها المفضوحة في معاناة شعوبنا من جراء غياب الدمقراطية.
والتبدل الكبير في موقف واشنطن على وجه الخصوص، من مركز لضرب وتعطيل التطور الدمقراطي والوقوف ضد اباحة الحريات العامة في الدول العربية الى عنصر فعال ومؤثر لنشر الدمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان، يرتبط بالتبدل الكبير في الاستراتيجية الكونية للامبريالية الامريكية في عصر العولمة الرأسمالية والقطبية الاحادية. ويرتبط هذا التبدل بالمفهوم الامريكي الجديد للامن القومي الامريكي في الظروف الدولية السائدة، والتي قضت باعادة صياغة الكثير من المفاهيم السياسية، وفي مقدمتها اقرار سياسات التدخل في شؤون الدول الاخرى واقرار مبدأ الضربة العسكرية الاستباقية وفرض قوانين محاسبة الدول والتعامل مع العديد من الدول على قاعدة تراجع سيادتها على اراضيها والسماح لواشنطن في التدخل في الشؤون الداخلية لاي دولة بذريعة حماية الامن القومي الامريكي. وقد اعطت احداث الحادي عشر من ايلول قوة دفع كبرى لهذه المفاهيم، وسمحت بتجسيدها من خلال اجراءات فعلية تحت يافطة "الحرب ضد الارهاب" وهكذا اصبحت الدول العربية تحت حصار وضغط جديد باسم نشر الدمقراطية وفرض اجراء اصلاحات داخلية متعددة. وقد تكرست هذه الدعوات في مشروع الشرق الاوسط الكبير وفي القرارات المتتالية التي اتخذتها مجموعة السبع وغيرها من المنتديات الدولية. واتخذت محاولات فرض هذه الاصلاحات اشكالا مختلفة، ولكنها في جميع الحالات كانت وما زالت ترتدي طابعا زجريا واوامريا. وقد شهدنا حجم الارباك الناشئ عن هذه الاوامر خلال مؤتمري القمة العربيين الاخيرين في تونس وثم في الجزائر. وتبيح واشنطن لنفسها اقامة علاقات علنية ومكشوفة، هذا اضافة لعلاقات سرية وغير معلنة مع العديد من القوى السياسية المعارضة لهذا النظام العربي او ذاك. وتحتضن العديد من المعارضين، وتعلن عن خططها لاقامة علاقات حوار مع هذه الجهة السياسية او تلك في العديد من الدول العربية، كما هو الحال مع الاخوان المسلمين، متجاوزة بذلك حدود سيادة الدول او احتمالات اتهامها بالتدخل في شؤونها الداخلية. وهكذا تبيح واشنطن لنفسها حق التدخل في شؤون الدول باسم الدمقراطية، ما دامت هذه الدمقراطية منصاعة للامن وللمصالح الاقتصادية للاحتكارات الامريكية، ويبدو ثقل هذا التدخل جليا في البلدان العربية، حيث تحولت قضية نشر الدمقراطية الى موضوع اساسي في السياسة الامريكية في الشرق الاوسط وتقف غالبية الدول العربية مشلولة وبدون حراك ازاء التدخل الامريكي في شؤونها الداخلية، وازاء تأليب بعض القوى في هذا البلد العربي او ذاك على التحرك تحت يافطة الدمقراطية، كما يجري في لبنان!! وهكذا يشتد الحصار باسم الدمقراطية من الخارج على الدول العربية.
وداخليا، فمن الواضح ان الشعوب العربية تناضل من اجل اشاعة الدمقراطية والحريات العامة وتناضل من اجل حقها في المساهمة في الشأن العام، ومن اجل وضع حد لتجاوزات على حقوقها ومصالحها على امتداد عدة عقود تحت ذرائع وحجج ثبت بطلانها وعدم واقعيتها، وثبت بشكل شديد الوضوح في اكثر من بلد ان مصادرة الحريات والتضييق على الحركات الوطنية والقوى الدمقراطية، كان يتم في الغالب الاعم بطلب وضغط من الدول الامبريالية. وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية وتحت ضغط التحالف الامبريالي – الصهيوني. ولم يعد بالامكان القبول بمصادرة الحريات الفردية والجماعية والسكوت على مصادرة حقوق الانسان في ظل التحرك العالمي الواسع دفاعا عن هذه المبادئ والقيم وفي ظل ثورة المعلومات والاتصالات التي سهلت التواصل بين الأمم والشعوب. وتتسم تحركات الرأي العام في البلاد العربية والغالبية الساحقة من القوى السياسية والاجتماعية، وفي مقدمتها القوى الوطنية والدمقراطية، بالدفاع عن حقها في الدمقراطية من جهة، ولكن بالعداء والرفض للتدخلات الاجنبية ومحاولات فرض الهيمنة والتبعية على بلدانها من الخارج من جهة ثانية، ويتضح الخط الفاصل في الهدف والاسلوب بين نضال الشعوب العربية من اجل الدمقراطية والحريات العامة، وبين محاولات واشنطن والقوى الامبريالية والصهيونية في فرض الدمقراطية والاصلاح السياسي في الشرق الاوسط. وفي مجرى نضالها من اجل الدمقراطية وحقها في المساهمة في الشأن العام، فان الشعوب العربية وقواها الدمقراطية والوطنية تناضل بقوة ضد التنازلات التي تجريها بعض الانظمة العربية امام الضغوط الامبريالية – الصهيونية، وفي مقدمتها على سبيل المثال تطبيع العلاقات مع اسرائيل قبل تسوية حقيقية وفق القرارات الدولية تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة في اقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس والحق في العودة، او الرضوخ للوصفات السياسية والاقتصادية التي تسهل زيادة تبعية بلداننا السياسية والاقتصادية وتعمق معاناة الجماهير الشعبية وتزيد معدلات الفقر والبطالة او في التصدي للعجز ازاء الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني وازاء الموقف من الاحتلال الامريكي – البريطاني للعراق او من التدخل السافر في الشأن اللبناني والتأليب ضد سوريا وغير ذلك من الامور.
وهكذا فان الانظمة والحكومات العربية تجد نفسها بين مطرقة الضغوط الخارجية وسندان الضغوط الشعبية الداخلية، ويتعمق مأزق بعضها الى درجة كبيرة لانها تتعرض الى ضغوط ارهابية داخلية تمارسها جماعات قامت هي بتشجيع وجودها فكريا وعمليا تحت ضغط ومطالبة واشنطن بالدرجة الاولى. فالقوى السلفية المتعصبة التي تقف وراء حملات الارهاب في اكثر من بلد عربي وتهدد بلدانا اخرى تم تجميعها وتعبئتها وتدريبها بارشادات امريكية وامبريالية بالتعاون مع العديد من الدول العربية والاسلامية.
ورغم كل التبدلات في المفاهيم على الصعيد العالمي ورغم انكشاف اهداف القوى الامبريالية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية، فان غالبية الانظمة العربية ما زالت ترى ان محاولات ارضاء القوى الامبريالية والاستجابة لشروطها واملاءاتها لها الاولوية، في حين ما زالت تمارس اشكالا متعددة من الضغوط على شعوبها لجهة حرمانها من حقها في الدمقراطية والحريات العامة وحتى في التجاوز المكشوف احيانا على حقوق الانسان. ولكن مأزق هذه الانظمة يتعمق في ظل الهجمة الامبريالية المجنونة باسم نشر الدمقراطية في الشرق الاوسط، فلم تعد الدوائر الامبريالية تفرق بين دولة واخرى، لان مقياسها الوحيد هو مدى الاستجابة للمصالح الامريكية السياسية والعسكرية والاقتصادية.
ولذلك فان مجابهة التحديات الثقيلة والمستمرة، تتطلب في الاساس الاستناد الى الجماهير الشعبية من خلال اطلاق الحريات العامة ونشر الدمقراطية وتفجير طاقات الجماهير الخلاقة سياسيا وفكريا لكي تلعب الدور الهام في التصدي للهجمة الامبريالية الشرسة، وبدون ذلك ستتقطع الخيوط تدريجيا بين السلطات والرأي العام في البلدان العربية، وستستمر ضغوط القوى الامبريالية التي لا يمكن تلبية متطلباتها، ناهيك عن القدرة على ارضائها.


(ألامين العام للحزب الشيوعي الاردني)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب نقص الغاز، مصر تمدد فترات قطع التيار الكهربائي


.. الدكتور غسان أبو ستة: -منعي من الدخول إلى شنغن هو لمنع شهادت




.. الشرطة الأمريكية تفض اعتصام جامعة فرجينيا بالقوة وتعتقل عددا


.. توثيق جانب من الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال في غزة




.. نازح يقيم منطقة ترفيهية للتخفيف من آثار الحرب على أطفال غزة