الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريقكَ إلى الثراء في الأردن.. جريسات مثالاً!

جواد البشيتي

2013 / 8 / 3
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


جواد البشيتي
ثمَّة شخص في مجتمع رجال المال والأعمال الأردني يُدْعى إلياس جريسات؛ ولو لم يمتد (منذ بعض الوقت) إلى المجتمع الإعلامي الأردني، من طريق تملُّكه (وحده) جريدة "العرب اليوم"، وجَعْلِه لها في أزمة تسبَّبت بتوقفها عن الصدور، وبإلقاء موظَّفيها (مع عائلاتهم) في الشارع، لظلَّ مغموراً.
جريسات من نمط أرباب العمل والمستثمرين الجُدُد في السوق الأردنية، والذين يتَّخِذون من الفساد، بأوجهه كافة، طريقاً إلى الثراء، وإلى مزيدٍ من الثراء؛ فَهْمْ في سعيهم إلى الثراء يمثِّلون الدَّرك الأسفل من "المكيافلية"، بمبدئها "الغاية تُسوِّغ وتبرّر الوسيلة".
قد تَنقم عليه، وتحتقره، وتزدريه؛ لكنَّك لو بَرَّدتَّ رأسك، ونظرت إليه بعين تشبه عين الفيلسوف الإغريقي إبيكوروس، لا تملك، عندئذٍ، إلاَّ أنْ تشفق عليه، وترثي لحاله، بمعناها "الإنساني"؛ فإنَّ "روح الإنسان" قد غادرته، وخرجت منه، لتملأ فراغها "روح رأس المال (بدركه الأسفل الذي ذَكَرْنا)".
إبيكوروس قال لجريسات، ناصِحاً: لا تُضيِّع، ولا تَسْتَنْفِد، وقتك وجهدك لاكتساب المال، أو الشهرة، أو السلطة؛ لأنَّ "الاستمتاع" بما اكتسبت من هذه الأشياء لا يساوي ما بذلت من وقت وجهد، ومن كرامة الإنسان؛ إنَّ سعيكَ هذا مُكْلِف كثيراً، ولا يتناسب، من ثمَّ، مع "النتيجة المنشودة"، ألا وهي "لحظة الاستمتاع" بما أنْجَزْت، أيْ بما اكْتَسَبْت من مال، أو شهرة، أو سلطة.
الحياة ـ يا أَيُّها الثري بالفساد، والفاسِد المُفْسِد بالثراء ـ هي كنَهْرٍ جارٍ، تَقِفُ في وسطه، وتلعب بمياهه؛ فهل تلعب بمياهه التي جَرَت، فأصبَحَت وراءكَ، وبعيدةً عنكَ، أم تلعب بمياهه التي تجري في اتِّجهاكَ؛ لكنَّها لم تصلكَ بَعْد؟
كلاَّ؛ إنَّكَ لا تلعب، لا بهذه، ولا بتلك، من مياهه. إنَّكَ تلعب، وتستطيع أنْ تلعب، بمياهه التي حَوْلكَ فحسب؛ فَعِشْ "الحاضر"؛ لأنَّكَ لا تملك من الزمن غيره؛ فالماضي لا يعود، والمستقبل لم يأتِ بَعْد.
وإنِّي لأعْجَبُ من أمْر إنسانٍ كجريسات، يقضي ويستنفد حاضره (والذي هو الحياة بواقعها) نادِماً آسِفاً على ما مضى، قَلِقاً خائِفاً مِمَّا سيأتي؛ فمتى يحيا ويعيش؟!
وأَعْجَبُ أكثر من استماتته في جَمْع واكتناز الذهب والفضة؛ لقد عَبَد المال حتى استعبده، وكأنْ لا مثل أعلى له في حياته إلاَّ شايلوك؛ تراه يُقتِّر على نفسه، وهو الذي لديه من المال ما لا تأكله النَّار؛ فإذا سأَلْتَهُ عن السبب أجابكَ قائلاً: أُخبِّئ قرشي الأبيض ليومي الأسود!
جريسات لم يكتسب من الوعي ما يجعله مُعْجَباً بالشاعر إيليا أبو ماضي الذي قال: أَحْكَمُ الناس في الحياة أُناسٌ علَّلوها فأحسنوا التعليل؛ أو ما يجعله صديقاً للفيلسوف الإغريقي إبيكوروس في تعليله الحياة، أو راغباً في زيارة "حجر الشاهد" لقبر أرابيوس (في جدارا) الذي نُقِشَت فيه عبارته العظيمة "أيُّها المارُّ مِنْ هنا، كما أنتَ الآن كنتُ أنا؛ وكما أنا الآن ستكون أنتَ؛ فتمتَّع بالحياة؛ لأنَّكَ فانٍ!".
ولو مات جريسات وهو في الخامسة والسبعين لصَحَّ فيه قول بنيامين فرانكلين: "كثيرٌ من الناس يموتون في الخامسة والعشرين؛ لكنهم يُدْفَنون في الخامسة والسبعين"!
جريسات، وبصفة كونه "رب عمل" ينتمي إلى الدَّرك الأسفل من طبقة الرأسماليين، والذي يتصدَّر الآن الحياة الاقتصادية في الأردن، سأل نفسه، غير مرَّة، "ما الذي أُريد؟"، و"كيف أصِل إلى هذا الذي أُريد؟"؛ لكنَّه لم يسأل نفسه السؤلايْن نفسيهما بصفة كونه "إنساناً"، أو "حيواناً ناطِقاً"؛ فـ "وحش الرأسمال" افترس، في داخله، البقية الباقية من "الإنسان"، وما عاد ممكناً أنْ نراه إلاَّ "رأسمالاً، بملامح إنسان، يَقْطُر دماً، يجوب الأسواق بحثاً عن فريسة، ولا فريسة يبحث عنها إلاَّ الضعفاء من البشر، يمتص دمهم، حتى يزداد قوَّةً وحيويةً ونشاطاً".
ما أنْ بدأ السَّيْر في مسار "الثراء بالفساد" حتى شرع يستخذي، ويمتثِل، لمنطقه وشريعته؛ ففرَّط وضحَّى بكل ما يميِّز "الإنسان بإنسانيته" من "الوحش بوحشيته"؛ وكانت كرامة الإنسان فيه هي الضحية الأولى؛ فأسلافه (في السَّيْر في هذا المسار) نفثوا في روعه أنَّ "التقدُّم" و"الوصول" لن يكونا إلاَّ بتخلُّصه من كل ما يجعل الإنسان في أحسن تقويم؛ فلا كرامة إنسانية، ولا عزة نفس، ولا إباء، ولا مبادئ سامية، ولا صدق، ولا أمانة، ولا استقامة، ولا..، لكل من وطَّن نفسه على السَّيْر في مسار "الثراء بالفساد".
وأحسبُ أنَّه "قاوَم"، في البداية؛ لكنَّ مقاومته انهارت وتلاشت سريعاً؛ فغدا على الهيئة التي أُريد له أنْ يكون عليها، لا رأي له، ولا عقل، ولا أقدام، يبيع كل ما لا يُباع من أجل أنْ يفوز برضا مَنْ يُمْسِكون بيده لإصعاده "سُلَّم الثراء والذل والعار"، ولإهباطه، من ثمَّ، من "أحسن تقويم" إلى "أسفل سافلين".
وحتى يتصالح مع نفسه، في عهده الجديد، نَفَثوا في روعه أنَّه خير مَنْ يعرف مِنْ أين تؤكل الكتف، والألعبان، والذكاء إذ اتَّقد، والحنكة والخبرة، والزئبيقة، والطموح إلى العلا؛ فمن يتهيَّب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر!
لو ذهب جريسات إلى ما يشبه "غار حراء"، وقضى فيه بعض وقته مفكِّراً متأمِّلاً، ناظِراً بعَيْنَيْن مختلفتين إلى "تجربته (في الحياة والثراء، والفساد والإفساد)"، لَوَقَف على الحياة بمعناها الحقيقي والبسيط، ولمَيَّز الغث من السمين، والزائف من الحقيقي، ولعَرَف أنَّ كل ما اكتسبه من سيره في مسار "الثراء بالفساد" لا يعدو كونه قطرة في بحر ما خَسِر من حياة حقيقية، ومن مقوِّمات إنسانية الإنسان، ومكانته في الكون؛ فهل تساوي "لحظة الاستمتاع" التي عاشها، إذا ما عاشها، كل هذا الثَّمن الذي دفعه من سمعته وكرامته وإنسانيته؟!
كلُّ رأسمالي لص (من وجهة نظر اقتصادية علمية موضوعية) لكن ليس كل لص رأسمالياً؛ وإنَّ لكم في جريسات لخير دليل على الأمر الثاني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. النتائج الأولية تظهر فوز تكتل اليسار في الانتخابات ا


.. فرنسا تعيش أجواء زلزال اليسار المفاجئ




.. فرنسا... في أحضان أقصى اليسار | #غرفة_الأخبار


.. الناخب الفرنسي وضع اليمين المتطرف أولاً في الجولة الأولى.. ث




.. -نصرنا مؤجل فقط-.. لماذا خسر اليمين المتطرف الفرنسي الجولة ا