الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-عبد الستار ناصر- المبدع الذي إغتالوه طفلاً

علي بداي

2013 / 8 / 3
الادب والفن




"نحن نقتل بعضنا البعض إذا ما تجرأ واحد منا على الظهور وأنا أول من قتلوه!"
عبد الستار ناصر في مقابلة مع جريدة العراق 2-4-1990

منذ أن قرأت أولى قصص "عبد الستار ناصر" منتصف سبيعينيات القرن الماضي راودني إحساس غامض بأن عمر هذا المبدع الشاب سيكون قصيراً. كانت أجنحة كلماته المستخفة، الهازئة، المحلقة في فضاءات عالية ، عصية على الترويض ، وكانت رؤاه التائقة للإنعتاق من مكبلات مجتمع متخلف قامع، لاتلائم مجتمعاً إنتشر فيه عناصر الشرطة السرية كالميكروب كما وصفه في إحدى قصصه المبكرة..لهذا لم يكن من المنطقي توقع تسامح سلطة بدأت منذ عقد بإحتلال مبرمج لكل مصادر الحياة والإبداع في المجتمع، مع سطور قاص حيوي ضاج كعبد الستار ناصر ولا مع حياته التي يريدها حرة غير مقيدة.
بعد أن أفلتُ بمعجزة غير متوقعة من معتقل أمن البصرة عام 1979 توجهتُ للجبل وهناك كانت الكتب تهتدي الى أيدينا من حيث لاندري، هناك وجدت عبد الستار يلاحقني بمجموعته "لاتسرق الوردة رجاءً" بعالمها المجلجل بأصوات إصطدام آلاته القاسية حافراً بين حطام مجتمع متآكل قاذفاً بلقيه بوجه هذا المجتمع . كانت المجموعة قد صدرت بدمشق وسمعت من يقول أن "عبد الستار" قد تسلل الى دمشق فقلت "أفلت الطائر من الشبكة ..ولو الى حين" ولم أتأكد للآن من صحة هذا الخبر الذي شحنني وقتها بدفق من أمل بنجاة "عبد الستار" من فعلة سلطوية تسقيطية نذلة كانت تُعد للمبدعين.
رغم أن "عبد الستار ناصر" لم يتمكن من المحافظة على موقعه المبكر المعارض للقمع بعد أن دفع ثمن قصته " مولانا الخليفة" الهازئة من " خير الله طلفاح " وقوانينة ،سجناً وتعذيباً ، ورغم إنخراطه المفزع ضمن جوقة الهتافين لمعارك صدام بحيث إستحق أن يُمدح هو بالذات من قبل " حميد سعيد" بقصيدة إسمها "الولد السبع " ،الا أني أجازف بالقول أن "عبد الستار ناصر" كان ( مع قلة من أمثاله) يمثل شيئاً من ضمير المثقف العراقي الذي لم يتخل عن شجاعته ، الضمير الذي كان يعرف أن الحقيقة التي يراد منه أن يصدقها هي حقيقة زائفة مضحكة ،لكنه كان خائفاً من الوقوف قبالتها لأنه سيُكشف، وقد إندمج بها غير قادر على كتم مشاعره الحقيقية فبات ينخر بها (وبنفسه في ذات الوقت ) وينهشها من داخلها.
في عام 1990 كنت في " براغ" قد وجدت طريقة للحصول على الصحافة العراقية الرسمية عبر زميل عربي، وذات يوم من أيام نيسان 1990 قرأت حواراً مؤلماً في الصفحة الأخيرة من صحيفة "العراق" مع "عبد الستار ناصر ". كان من المتوقع أن لاتكتفي قطعان البساطيل التي حكمت العراق بتصفيق الكاتب لوقع خطاها، فهي الآن، وقد زادتها واقعة خروجها من الحرب سالمة عنجهية ،تهدد بسحقه بالكامل. ذلك بالضبط ما دعاني لأن أكتب عن محنته التي تقاطرت كالدم عبر سطور المقابلة، لكني تريثت وقتها خوفاً من أن تفسر المقالة كدليل على صلة عبد الستار بنا نحن المعارضين المكشوفين لسلطة البعث وصدام. كان الحوار لائحة إتهامات على شكل أسئلة تحقيقية: أنت متهم بالغرور، أنت متهم بالسطحية، أنت متهم بأنك على أكتاف الآخرين، ومتهم بصناعة الضوء والشهرة بما لاتستحقه، أنت متهم بإستغلالك علاقاتك الخارجية التي كونتها من خلال أسفارك الكثيرة، ومتهم بإطلاق الشائعات حول نفسك لتستفيد منها مهنياً وفي رواج ماتكتب، ومتهم بأنك تستغل عقول الشباب بما تكتب، ومتهم بإفتعال المعارك الوهمية،ومتهم بقلة علاقاتك الإنسانية في وسط رفاق المهنة...
في جواب عبد الستار على سؤال : أنت تتهم البعض بالسرقات الأدبية دون أن تحدد الأسماء ونوعية السرقات، قال: كيف تريد مني أن أذكر الأسماء والنماذج وعندي ثلاثة أولاد؟ أني أريد منك أن تذكر ثلاثة لصوص أو أربعة في محلتكم لم تقبض عليهم الشرطة حتى الآن!
بعد أيام نشر "عبد الستارناصر" في صحيفة أخرى في عمود بلا رقابة " أفكاراً يربطها ببعضها وجع الإبداع " ختمها بعبارة: " ترى هل يكفي هذا الكلام بأوجاعه رداً على مافعلته معي جريدة العراق يوم 2-4 على الصفحة الأخيرة ، ومن المسؤول عن هذه اللعبة ؟ إنني أسأل الشرفاء فقط".
إقتطعت الحوار والعمود من الصحيفتين وإحتفظت بهما...اليوم حين رحل عبد الستار وجدت يدي تمتدان لهما بعد ثلاثة وعشرين عام وألم غامض يجتاحني ..ألم لا أشعر به الا حين يغادرنا أحد لاتعويض له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد