الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللامركزية وإعادة هندسة الدولة

هدى الشاهد

2013 / 8 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


يتزايد الاتجاه نحو الأخذ باللامركزية كصيغة تنظيمية لإدارة الدول لشئون مجتمعاتها، فباتت طريق من طرق الإصلاح وإعادة هندسة البناء تفرضه متطلبات العصر للتكيف مع التطورات اللاحقة بدور الدولة والتى تحولت من فاعل رئيسى فى صنع السياسات العامة، وممثل للمجتمع فى تقرير هذه السياسات، ووضع خطط المتابعة والتنفيذ، ووسيط بين الفئات والطبقات المتنازعة، ومالكة للمشروعات ومسئولة عن حسن إدارتها وعن إعادة توزيع الدخل، وتقديم الخدمات وعدالة توزيعها.. لتصبح مجرد الشريك الأول بين شركاء متعددين فى إدارة شئون الدولة والمجتمع، الأمر الذى أستوجب إعادة النظر فى دور الحكومات الوطنية، وفى دور القطاع الخاص، والمؤسسات المدنية.. حيث أصبح للفاعلين المجتمعيين دور أكبر فى التأثير على السياسات العامة والإدارة على نحو لم يكن متصورا من قبل.
ومع عجز الحكومة المركزية فى التعامل بفاعلية وكفاءة مع معطيات عصر العولمة أصبح من الضرورى البحث عن اسلوب بديل لإدارة شئون المواطنين يستوعب متطلبات ذلك العصر، ويتعامل بكفاءة مع الموارد المتاحة ويلبى رغبات وطموحات المواطنين فى مستوى حياة أفضل، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال اللامركزية.
وفى هذا السياق لم يعد ينظر إلى مسألة الأخذ باللامركزية كمسألة أفضليات سياسية أو انحيازات ثقافية، وإنما أصبحت ضرورة عملية لدفع جهود التنمية وإعادة ترتيب الأدوار، واسلوب لا غنى عن اتباعه لترشيد إدارة الحكم. وبحسب الصيغة التى تأتى بها (لامركزية سياسية /أم لامركزية ادارية) تساعد اللامركزية فى تحقيق حزمة متنوعة من الأهداف (اجتماعية، وسياسية، وإدارية، ومالية..) تجسد البعد الإيجابى لدولاها فى إعادة هندسة الدولة.
فعلى الصعيد السياسى يفترض أن تساعد اللامركزية فى توسيع نطاق الممارسة الديموقراطية من خلال إشراك المواطنين -فى مختلف أنحاء الدولة- فى دراسة مشكلاتها وإيجاد طرق لحلها، أى إشراكهم من خلال الوحدات المحلية -سواء كانت وحدات إدارية أو وحدات حكم محلى- فى حكم أنفسهم بأنفسهم. وبقدر ما يتيحه هذا النظام من حرية مجال لمشاركة المواطنين فى مناقشة القضايا المحلية والقومية والتفاعل بقدر ما يتعمق لديهم الشعور بالمواطنة والإنتماء. بالإضافة إلى ذلك تسهم اللامركزية فى تحقيق التعاون والتنسيق بين الجهود الشعبية والحكومية فى الوفاء باحتياجات المواطنين عن طريق دعم الجهود الشعبية للإمكانات الحكومية عند تنفيذ المشروعات المختلفة وخلق نوع من المنافسة البناءة بين الوحدات المختلفة فى الوفاء باحتياجات المواطنين.
وعلى الصعيد الاقتصادى توفر اللامركزية قنوات لمساهمة الوحدات المحلية فى إعداد خطط التنمية القومية الشاملة، والإستفادة من الإمكانات الإقتصادية المحلية فى تلك الخطط، وكذلك الإقتصاد فى النفقات على المستويين القومى والمحلى عن طريق التنسيق البينى بين الوحدات المحلية المختلفة وتشجيع تجميع رؤوس الأموال المحلية وتوجيهها نحو مشروعات إنتاجية محلية، فضلا عن إمكانية استخدام الوحدات المحلية كميدان لبحث واختبار برامج ومشروعات جديدة للتنمية لتعميمها -فى حال نجاحها- على نطاق وطنى أوسع، ومن ثم تفادى –فى حال اخفاقها- ارتفاع الخسائر الاقتصادية حيث تكون محدودة بفضل محدودية التطبيق.
وعلى الصعيد الادارى تساعد اللامركزية فى القضاء على سلبيات البيروقراطية التى تلازم تركيز سلطة إتخاذ القرار بالعاصمة، وتباين أنماط الأداء من وحدة محلية لأخرى حسب طبيعة الوحدة وحجمها وحاجات أهلها، وتفادى أنماط الأداء على مستوى الدولة الذى يعتبر من عيوب الإدارة المركزية، بالإضافة إلى أن إعطاء القيادات المحلية سلطة إتخاذ القرارات المحلية يؤدى إلى تنمية قدراتها ومهاراتها الإدارية، ومن ثم خلق كوادر وقيادات إدارية صالحة لتولى المناصب القيادية على مستوى الدولة ككل، والعمل على عدم تمركز الخبرات والكفاءات الإدارية فى العاصمة وتوزيعها على كافة أنحاء البلاد، مما يساعد فى تقوية البنيان الإجتماعى والسياسى والإقتصادى والإدارى فى كافة أقاليم الدولة، وكذلك تحقيق كفاية أداء الخدمات فى ظل محدودية الموارد المتاحة عن طريق رفع مستوى الأداء الذى يتأتى من إشراف ممثلى الشعب على الخدمات التى تؤدى عن طريق المجالس الشعبية المحلية، وتحقيق التنسيق بين مختلف أنشطة الخدمات على مستوى الوحدة المحلية بما يمنع التضارب والإزدواجية عند التعامل مع المشكلات التى تتعلق بأداء أكثر من وحدة خدمية، وتجربة بعض الأساليب الإدارية المستحدثة فى نطاق وحدة محلية، والإستفادة بنتائج التجربة سواء بالإلغاء فى حالة الفشل أو التعميم فى حالة النجاح دون المخاطرة بتنفيذ التجربة على مستوى الدولة ككل لو لم يكتب النجاح لهذا الأسلوب الإدارى المستحدث.
وبالاضافة الى ما سبق تساعد اللامركزية على المستوى الاجتماعى فى دعم الروابط الروحية بين أفراد المجتمعات المحلية بطريقة تحول طاقاتهم إلى أعمال بواسطتها يأخذ كل مجتمع لنفسه وجوداً ذاتياً لتحقيق المصالح العامة المشتركة لأفراده، وتساعد فى التخفيف من أثار العزلة التى فرضتها المدينة على إنسان العصر الحديث، بعد توسيع نطاق التنظيمات إلى أقصى حد ممكن لتحقيق الكفاية والإقتصاد، كما تساعد على تعميق الثقة القيم الإنسانية وتأكيد حرية الفرد واحترام كرامته وكبريائه من خلال مشاركته فى إدارة المجتمع الذى يعيش فيه، فعن طريق العمل الجماعى يرتبط الإنسان بأفراد مجتمعه وبتأكيد إنتماؤه إلى بيئة محلية معينة، يؤثر فيها ويتأثر بها، وينفعل بكل ما يطرأ عليها من مشكلات.
ومع ذلك لا يمكن القول ان اللامركزية بحد ذاتها تضمن إدارة أفضل للحكم، اذ قد تخلق اللامركزية غير الفاعلة أو غير الملائمة من المشكلات أكثر مما تحل، كأن تقود إلى تدنى نوعية إدارة الحكم لاسيما عندما تفتقر الحكومات المحلية إلى القدرة والخبرة الموجودتين لدى المؤسسات الوطنية، كما أنها قد لا تلائم الدول الصغيرة جدا حيث يحقق الحكم المركزى فاعلية أكبر عبر تنسيق عمل الحكومة المركزية بدلا من إيجاد كيانات محلية مستقلة ذاتيا، وقد تقود اللامركزية إلى خسائر فى وفورات الحجم، وإلى عدم الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلى.. لذا يتحتم عند الاتجاه نحو تبنى اللامركزية التأكد أولا من ملاءمتها، والاختيار من منطلق عقلانى رشيد المدخل الملائم لتطبيقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -دبور الجحيم-.. ما مواصفات المروحية التي كانت تقل رئيس إيران


.. رحيل رئيسي يربك حسابات المتشددين في طهران | #نيوز_بلس




.. إيران.. جدل مستمر بين الجمهوريين والديموقراطيين | #أميركا_ال


.. مشاعر حزن بالفقدان.. إيران تتشح بالسواد بعد رحيل رئيسها وتبد




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في مدينة بيت لاهيا