الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(إعادة إنتاج التخلّف-نزار قباني نموذجاً(1-4

ياسر اسكيف

2005 / 5 / 12
الادب والفن


( مقدّمة شبه عامّة )
في الحديث عن المغيّب والمسكوت عنه تعدّدت النتاجات النصيّة والبحثية في ثقافتنا العربية المعاصرة . ولعلّ
( الثالوث المحرّم – بحث في الدين والجنس والصراع الطبقي ) للباحث السوري الراحل ( بو علي ياسين ) كان سبّاقاً ورائداً في تحديد محرّمات المنطوق العربي ووضعها في دائرة الضوء البحثي ( مع تحفّظنا على أن الصراع الطبقي كان في أي وقت من المحرّمات البحثية , حيث لم يتّخذ في أي وقت صفة المحرّم الذي للدين أو الجنس ) . وقدّمت ( نوال السعداوي ) مشروعها النسوي , الذي بحث وضع المرأة العربية في سياقيه التاريخي والإنساني لتصل الى نتائج لا تقلّ خطورة عن الأسباب الدافعة الى مشروع البحث ذاته حينما خلصت الى اختصار المشكلة , بل الكارثة , بثنائية الصراع ( ذكورة – أنوثة ) .
وفي الجانب المحايث كانت نصوصاً أدبية تتخلّق متساوقة مع الدعوات والأبحاث , لكنّها لم تجرؤ على الاقتراب من جوهر المسكوت عنه فلجأت الى اختزاله بأشد تعبيراته تكثيفا ومباشرة , نعني المرأة . المرأة التي نالت من الدين ظلامية فقهائه , ومن الجنس سطوة الذكور ووحشيتهم , ومن الصراع الطبقي قهراً مضاعفاً . وصار الانتصار للمرأة وقضاياها بيان انتماء الى معارضة التخلّف . غير أنّ هذا الانتصار ظلّ محكوماً بما يؤشّر الى جوهره النفعي الذي صدّر حريّة المرأة كمرادف لحريّة الوصول إليها دون اهتمام باعتبارها ذاتاً مستقلّة .

فالمرأة لم توجد في الأدب العربي , والشعر منه على وجه التحديد , كتعيّن واستقلال بذاتها , إنما وجدت , على الأغلب , كتعريف وتعيين سلبيين محقّقة من خلال وجودها وتحولاتها مشيئة رغبة ذكورية في الصياغة والإظهار . وهذا التحقّق الملتبس والمنقوص , لا يخصّ النص الشعري التقليدي الذي أنتجته ذهنيّة تقليدية منغلقة ومتحجّرة فحسب إنما انسحب الأمر على الكثير الكثير من النصوص والتجارب التي تدّعي الانتماء إلى الحداثة شكلاً ومضموناً , بل نستطيع تلمّس تلك الذات المنقوصة والمحجور عليها , بداعي القصور وعدم الأهلية , في نصوص تذهب في ادعائها إلى حدود التطرّف الحداثي الثوري . وتأتي إهانة المرأة وسحقها كخلفيّة لأشعار يتخيّل أصحابها بأنّهم يدافعون بها عن قيم الحق والعدالة والحريّة , وأجد في المقطع التالي نموذجاً يفيض على الحاجة في توضيح فكرتي :

( القدس عروس عروبتكم
فلم َ أدخلتم كلّ زناة الأرض إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب
لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم , وتنافختم شرفاً
وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض ..
أبناء القحبة
هل تسكت مغتصبة . – مظفّر النواب – وتريات ليلية – ط2 – ص 71 )

لن أتصدى هنا أي ملمح شعري في المقطع السابق , وهذا برأيي يمكن قوله في أغلب الشعر الذي كتبه النوّاب باللغة الفصحى . لكنّ الذي لا بدّ من التوقف عنده وتفكيكه بشيء من الاستفاضة هو المحمول المفجع والمخيّب للأمل الذي يظهره هذا المقطع فيما يخصّ المرأة .
إنّ المقطع السابق , الذي استعار تشبيه القدس بالعروس من خصومه , قد أفسد غايته إذ أضمر غاية أبعد , وكان له لولا إضماره لغايته البعيدة أن يخبر عن القدس بأية كلمة أخرى تفيد معنى الأهميّة والأولوية .
لقد أعاد الشاعر إنتاج الاغتصاب بمحموله الجنسي المجرّد , مع أنّ للاغتصاب معانيه الأخرى الأشدّ إيلاماً وأذيّة , ومنها ما حصل لمدينة القدس ذاتها مدينة الشوارع العتيقة والبيوت والناس , وليس المرأة / العروس .
ما الهدف إذاً من إعادة إنتاج الواقعة بهذا السيناريو وهذا الإخراج . هل هو تثوير الجماهير العربية ؟ وهذه الجماهير ألا تثور إلا إذا أغتصبت نساءها ؟ وما الموقف لو أنّ الرجال هم الذين تمّ عليهم فعل الاغتصاب ؟ أم أن الرجال العرب لا يتعرّضون للاغتصاب ؟
ولماذا الحكّام العرب أبناء قحبة ؟ لماذا ليسوا سفلة أو أبناء سفلة , كلاب أو أبناء كلاب . ؟ أقصد لماذا وجّه الشاعر شتيمته بالأمّهات وليس بالآباء . وهل أمهات الحكّام العرب مذنبات ليتحملن الشتيمة عن أبنائهنّ , ألم ينتبه الشاعر إلى أن شتيمته هذه لا تصيب الحكام العرب بل أمهاتهم , لأنّه ليس من الضروري أن يكون ابن القحبة قحباً , فهذه صفة لا تورّث .؟ !
في العرف البدوي قد تؤدي الشتيمة بالأم أو الأخت أو الابنة أو الزوجة إلى القتل . وقد لا يكون الأمر ذا أهمية في حالات القرابة الذكرية المعادلة . لماذا يندفع الرجل الذي لم يشتم إلى القتل ؟
أليست عقلية النيابة والكفالة والحجر التي تبرزها وتؤكدها الشتيمة السابقة , حيث لا يختلف هنا الشاتم عن المشتوم ؟
كما أن المنطق الذي يحصر كرامة المرأة وشرفها ( أكثر القيم الأخلاقية التباساً في العربية ) والذي قام عليه المقطع السابق , هو منطق متخلف وظالم وغبي . ولا يختلف فيه الشاعر عن أي مرتكس حضاري يقتل أخته التي تمزّق غشاء بكارتها لأن تكوينه الناقص لا يساعده على تصوّر غشاء البكارة دون عضو ذكري منتعظ ومعاد ٍ .
إذاً علينا عدم الاطمئنان إلى المنطق الذي يبدو مناصراً للمرأة , لأن في عمق الكثير منه هيمنة خفية للذكورة . ولا يستثنى المنطق النسوي في الكثير من الأحيان , ذلك أنّه يتعيّن , على الأغلب , كردّ فعل على المنطق الذكوري , ويتحدّد بالتالي كمنطق ضدّ ذكوري فحسب .
إن المرأة في النص الشعري الحديث تبدو على الدوام خليطاً معقّداً من المدلولات التي تشير للوهلة الأولى إلى انبثاق شعور ومنطق مغايرين للخطاب التقليدي العام المنتج في العالم العربي المعاصر . لكنّ ذلك الخليط سرعان ما ينفصل إلى مكوّناته الأساسية عند النجاح في النفاذ إلى الوجه الخفي من النص , حيث نجد المرأة عارية قابعة في الحريم الحلمي منتظرة دورها في التقدّم لإشباع رغبات سيّدها وخالقها . أو تصارع ضدّ التحوّلات التي يشاءها الذكر الخالق تأكيداً لإرادته , غير عابيء أو مكترث بما تريد أن تكونه هي .
وفي البحث عن صورة المرأة في النص الشعري العربي الحديث , تتقدّم تجربة بعينها لتفرض نفسها كعتبة أولى لا بدّ لأي دارس أو باحث من اجتيازها بكل حذر وتأمّل وتبصّر . إنها تجربة الشاعر السوري نزار قبّاني . تلك التجربة التي استمرّت ما يزيد عن نصف قرن محدثة تأثيراً لم تحظ به أيّة تجربة شعرية أخرى , تأثير اخترق المجتمع العربي أفقياً ( عدد القراء) وعمودياً ( السويات العمرية والثقافية ) بشكل غير مسبوق . وكما أرى لا يعتبر هذا التأثير دليلاً على سوية التجربة فنيّاً وإنسانياً , كما تذهب الآراء الإحصائية التي تقرن النجاح أو الفشل لتجربة ما بعدد النسخ المباعة أو المتداولة , بقدر ما يحيل إلى الأسباب الكامنة وراء فعاليته العالية .
وفي البحث عن صورة المرأة وتحولاتها في هذه التجربة , لا بدّ من بعض التفكيك , دون الأخذ بعين الاعتبار التفكيك الزمني الذي لجأ إليه البعض ( مراهقة – نضج – كهولة - ...الخ ) في محاولة منهم للرد على منتقدي التجربة القبّانية . وذلك لأنّني أرى في تلك التجربة مسيرة لا تتضمن نقاط انعطاف مهمّة , أو انكسارات بيانية حادّة ( سلباً أو إيجاباً ) فيما يخصّ موضوع المرأة الذي هو غرض هذه الدراسة , وإن ظهر أحياناً في الفترات المتقدّمة من حياة الشاعر , وليس التجربة , انخفاضاً في حدّة الجموح الرغبوي , وبالتالي خطاباً أقلّ عنفاً ذكورياً . دون أن يعني ذلك أنّه خطاب مؤازر فيما يخصّ المرأة . وحتى القول ( سيأتي نهار به أتعلّم كيف تكون الحضارة أنثى , وكيف تكون القصيدة أنثى ... ) الذي يحتفي به موقّروا التجربة القبّانية كدليل على المرتبة السامية التي وضع نزار قبّاني المرأة فيها , لا يبدو في جوهره سوى صدى ل ( هذا حصرم رأيته في حلب ) ونزار ذاته يؤكد بقوله أنه لم يتعلّم , بل سيتعلّم .
وتفكيك التجربة الذي قصدته هو دراسة تموضع المرأة حسب الزوايا المنظور إليها منها , تلك الزوايا التي تتحدّد بمشيئة القدرة الذكورية في لحظاتها المختلفة , حيث تبدو المرأة عند عرض توضعاتها وكأنما هي محض تجليات للرغبة والإرادة الذكريين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي