الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العفو الملكي: الخلفيات والآفاق

يوسف الفتوحي

2013 / 8 / 5
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


كوننا نعيش تحت دولة الاستبداد وليس دولة الحق ليس أمرا استجد في اللحظة التي ذاع فيها خبر العفو الملكي عن المجرم الاسباني الجنسية مغتصب 11 طفلا مغربيا، ولا كان أمرا خفيا تكشف بغتة وصدمنا بحقيقته المرة. ما استجد هو أن تراكمات عدة انضافت إلى بعضها فجعلت هذه الحقيقة بادية بجلاء حتى أمام أعين عامة الناس الذين كان ينطلي عليهم وهم الأبوة الملكية الحانية الراعية، وهم كان يجعلهم يقايضون كرامتهم كمواطنين بعبوديتهم كرعايا. دولة الحق هي إطار سياسي تقع كرامة الإنسان –باعتباره غاية في ذاته- في مركزه من حيث هي القيمة العليا المعيرة لكل القيم الأخلاقية ولكل النصوص القانونية والتدابير السياسية. ودولة الاستبداد هي الإطار السياسي الذي تقع إرادة ومصلحة المستبد في مركزه ويشكل تقديس هذه الإرادة قيمة القيم. ومن ثم فكل الرعايا القابعون تحت سلطان الحاكم/الإله أدوات وأشياء مسخرة كقرابين لإرضائه وتجنب غضبه و حمد منته، فهو "مالك البلاد والعباد"، خصوصا وأن هذه القداسة متلبسة بلبوس دينية ضاربة بجذورها في الخلفية الروحية للرعايا. الآن بدأ قطاع من الشعب المغربي – يتسع مداه تدريجيا – في الاستفاقة من هذه السرنمة. مؤشر ذلك أن الاحتجاج الجماهيري لم يعد مقصورا، منذ بداية الألفية الثالثة، على نخب طليعية (طلبة، معطلون، حقوقيون، شرائح منظمة من الطبقة العاملة..) بل أصبحت الاحتجاجات الاجتماعية تنبثق من كل صوب حتى من الثغور النائية من خريطة البلاد، التي تحتج ساكنتها في مسيرات، لكن مع رفعها للصور الملكية وهتافها بحياة الملك، باعتباره الملجأ الأخير، الذي تعتقد أنه سينصفها من صلف وجور المسؤولين. جاءت حركة 20 فبراير فكانت محطة التحم فيها، نسبيا، وعي الفئات الشبيبية المسيسة بالجماهير غير العابئة في الأصل بالشأن السياسي، تحت شعارات تصل إلى ملامسة مساءلة السلطة الملكية نفسها، لكن دون أن تكون هذه الجماهير قد استدمجت بشكل واع وواضح كنه هذه الشعارات، بل كان ترديدها لها تعبيرا عن جو تمردي ذو طابع اجتماعي غير جلي الرؤية. ورغم أن الحركة خفت لهيبها إلا أن إنجازها الجوهري كان هو المساهمة في تحرير جزئي لوعي قطاع من الجماهير من هالة القداسة ولو بشكل كامن(شعارات:" تقاد ولا خوي البلاد"...والنقاش العمومي الموسع للشأن العام داخل الفضاءات الخاصة والعمومية). الآن وبفعل حدث "العفو" المفجر هذا، خرج الكامن إلى العلن، وأصبحت الحقيقة التي لم تفلح الشعارات في إجلائها واضحة جلية، حقيقة أن الرعايا ليسوا إلا وسائل لا غايات، خصوصا أن الأمر يتعلق بشكل مركب بفلذات الأكباد وبالكرامة والشرف(لابد هنا من استحضار المثل المغربي"الواحد كيموت على ولادو ولا على بلادو) والشعور بالأمن والأمان، وهي الأمور التي يعتبر الملك ضامنا وحاميا لها في التمثل الذهني والعاطفي لعموم الشعب. وقد انسجم تصريح وزارة العدل مع تلك النظرة الأداتية للحاكم تجاه المحكوم، حين استحضرت، كمطية للتبرير، مقولة "المصلحة العليا للبلاد". إلا أن "الرعايا" بدؤوا يتحررون من ذهنية العبودية وفهموا أن ليس من مصلحة تعلوا على كرامتهم كبشر مواطنين، ولذلك عبروا، بجميع فئاتهم وبشكل واضح عن رفضهم في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع رغم تعرضهم للقمع. وهي أول مرة تلتقي أغلب فئات الشعب وبهذه الجرأة على توجيه نقد صريح وجماهيري للملك. فلم يجد القصر بدا من ادعاء عدم معرفة العاهل بالأمر. فإلى أي حد سينطلي هذا الادعاء على المحتجين والمسؤولية السياسية واضحة لا جدال فيها مادامت الملكية هي نفسها التي خصت ذاتها بكل الصلاحيات؟ إنه عذر يعمق تآكل مصداقية المؤسسة الملكية بدلا من أن يبرئها، حتى لو قدمت أحد المسؤولين الكبار ككبش فداء.
إن الخلفيات الثاوية خلف قرار العفو، إذن، تتوزع بين خلفية بنيوية وهي النظرة التشييئية الثابتة التي لدى المستبد تجاه رعاياه. وخلفية ظرفية تتعلق بسوء تقدير المؤسسة الملكية لموازين القوى الشعبية. فبعد أن اضطر القصر إلى تقديم تنازلات ضئيلة في خطاب 9 مارس، والتي رسمت نصيا في الدستور الجديد. وبعد خفوت حركة 20 فبراير، وانزياح ثورات الربيع "العربي" صوب مآلات مجهولة، ندمت الملكية على تلك التنازلات واعتقدت أنها لم تكن بحجم ميزان القوى الشعبي. فشرعت في إعادة إنتاج الاستبداد في نسخته الأصلية على مستوى التدبير الحكومي وهندسة الحقل السياسي وتنزيل بنود الدستور الجديد، واتخاذ قرارات جزافية من قبيل قرار العفو هذا. لكن الخطأ الذي وقعت فيه الملكية هو أن الأمر لا يتعلق بحركة 20 فبراير في حد ذاتها، وإنما بمرحلة من تطور وعي الشعب المغربي، تطور لا رجعة فيه. لقد دق قرار العفو المسامير ما قبل الأخيرة في مقولة القداسة والأبوة الملكية المنزهة. لقد تجلت حقيقة الملك كبشر خطاء. وبالتالي لا مناص له من إعادة نظر مزدوجة: من جهة في الرؤية التي لديه عن الشعب وتقديره لوعيه وطاقته التغييرية، ومن جهة ثانية إعادة النظر في صلاحياته المطلقة. هكذا مراجعة لن تستقيم إلا بالأمور التالية:
- تقديم اعتذار صريح للشعب المغربي والتعهد بعدم التكرار.
- التنازل عن كل الصلاحيات القضائية لسلطة قضائية مستقلة.
- التلازم بين مبدأي المسؤولية والمحاسبة في كل المناصب.
هذا ما يقود بالضرورة إلى المطلب الذي رفعته حركة 20 فبراير: الملكية البرلمانية. لكن الملكية لن تقوم قطعا بهذه المراجعة من تلقاء ذاتها، لذلك كان لزاما على القوى الشعبية مساعدتها على ذلك بالنضال من أجل بناء ميزان قوة شعبي قادر على دفعها نحو التغيير الحقيقي.
إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: ابنة كاسترو ترتدي الكوفية الفلسطينية وتتقدم مسيرة لمج


.. Vietnamese Liberation - To Your Left: Palestine | تحرر الفيت




.. آلاف المحتجين يخرجون في مدينة مالمو السويدية ضد مشاركة إسرائ


.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين المطالبين بإسقاط




.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين يطالبون بإقالة الحكومة في تل أب