الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتهى الدرس ياغبي

إكرام يوسف

2005 / 5 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تساءلت في مقال نشر لي قبل عدة سنوات عما إذا كان كرسي السلطة يصيب الجالس عليه بغباء مزمن بالضرورة، فلا يتعظ مما يحدث لأمثاله، ويصبح كما يقول المثل "الأحمق من اتعظ بنفسه".. وأّذكر عندما التقيت الرئيس لأمريكي السابق جيمي كارتر قبل خمس سنوات في ندوة بنادي الصحافة في دبي، وكان يزورها لتسلم جائزة منحها له الشيخ زايد، حاكم الإمارات وقتها.. وقال كارتر في كلمته إنه لم يأت للحصول على الجائزة ولكن لأن حكام الخليج أصدقاء شخصيون له.. فتوجهت إليه بالسؤال التالي "هل أصبح التخلص من أقرب الأصدقاء بعد استنفاذ الغرض منهم عادة أمريكية دارجة؟" وضربت له مثلا بما حدث مع "سوهارتو" وما حدث مع "رضا بهلوي".. فأجابني أن أمريكا لم تتخلص من "سوهارتو" ولكن شعبه هو الذي ثار عليه لأنه كان فاسدا هو وأسرته، فرددت عليه بأن "رئيس إندونيسيا الأسبق كان فاسدا طيلة 33 عاما وكان شعبه ساخطا ويقوم بهبات متواصلة ضده لكنكم كنتم تؤازرونه ضد شعبه إلى أن انتهى الغرض منه فنفضتم أيديكم منه!!".. وتملص "كارتر" من الرد على مثال "رضا بهلوي" (الذ كان هو نفسه من تخلى عنه عندما كان رئيسا لأمريكا) رغم أنني أعدت عليه السؤال ثلاث مرات، حتى اضطرت إدارة الجلسة لتخليصه من الموقف بتحويل الانتباه إلى سؤال زميل آخر!!
والمشكلة أن حكامنا الذين لم يصلوا إلى الحكم بإرادة الشعب، لا يريدون أن يفهموا أن من يساندونهم في إطالة أمد حكمهم رغم أنف الشعوب، لا يفعلون ذلك حبا في سواد أعينهم، ولكن لبديهية بسيطة يعرفها أصغر متابع للأحداث: وهو أن لهم أدوارا محددة بدقة عليهم أن يقوموا بها لبسط الهيمنة الأمريصهيونية على العالم، وما أن ينتهي هذا الدور، إلا ويحين أوان التخلص منهم ، وإفساح الطريق لعملاء جدد يقومون بدور جديد في مرحلة جديدة.
وهذا بالضبط ما حدث مع السادات، فبعد انتهاء دوره المرسوم بدقة لإقامة صلح منفرد مع الأعداء وشق الصف العربي ، أداروا له نفس الاسطوانة التي كان مسكوتا عنها طوال حكمه، غسطوانة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات بالذات.. وعندما زار أمريكا لآخر مرة في حياته، كان من الواضح أن "اباهم في البيت الأبيض" أوضح له أن دوره انتهى، وأن الشعب بجميع تياراته السياسية وانتماءاته ساخط عليه، وإنهم يريدون حاكما قويا في مصر ليحمي مصالحهم، فما كان منه بعد عودته من هذه الزيارة، إلا أن هاج وماج وزج في سجونه التي اكتظت بجميع المعارضين من مختلف التيارات ـ من أقصى اليمين لأقصى اليسار ـ ومن أساتذة الجامعات، ووزراء سابقين، وصحفيين كبار إلى عمال وقيادات طلابية، ونقابية، ودينية ـ إسلامية ومسيحيةـ كل ذلك ليثبت لهم أنه مازال قويا، يحكم قبضته على الأمور في البلاد، واستمر الحال إلى أن كان ما كان وهي النهاية التي نعرفها جميعا.
والمصيبة أن هذا السيناريو تقريبا يتكرر مع مختلف حكام العالم الثالث التابعين للبيت الأبيض. لكن الغباء المستمد من الكرسي ـ في اعتقادي ـ يدفع كل منهم إلى أن يستبعد إمكانية حدوث نفس الشيء معه بالذات، فهو يصدق أنه أثير لدى السادة في واشنطن، وأنهم سيقدرون له ما قدم من خدمات لم يكونوا يحلمون بها، ولا يتصور أنه سيجري عليه نفس ناموس الخدمة لدى ماما أمريكا بحذافيره.. والذي يلخصه المثل الأمريكي الشهير Hire and Fire ..والشاهد أن النظام الحاكم في مصر أدى ما هو مطلوب منه بالضبط، ولم يعد له دور في المرحلة القادمة، التي يخطط لها أن تشهد القضاء على آخر رمز ـ وإن كان هشا ـ للعمل العربي الموحد بانهيار جامعة الدول العربية، والتخلص من مفهوم العروبة تمهيدا لإنجاز "مشروع الشرق الأوسط الكبير" بقيادة الكيان الصهيوني.
ولعل ما يحدث في الآن، من تفجيرات وعمليات تخريب، وفتن طائفية هو التجسيد الحي لما قالت عنه كوندوليزا رايس "الفوضى البناءة".. فهم يعلمون أن حكا منا سيتصرفون كالعادة بغباء منقطع النظير.. وسيشددون من قبضة الأمن على البلاد ويعيثون في العباد اعتقالا وتعذيبا بالشبهات، مع تنامي حركات المعارضة السياسية والسخط الشعبي ضد الوضع الذي لم يعد يطيقه الشعب المصري.
والأرجح أن الولايات المتحدة لن تسمح بترك المجال لنجاح حركة المعارضة في توحيد صفوفها وتنظيمها خلف قيادة وطنية وديمقراطية حقيقية، يكون من شأن وصولها للسلطة كف يد واشنطن عن التدخل في الشئون الداخلية لمصر وتوجيه حكامها وفق ما يحقق المخططات الأمريكية في المنطقة.. ولما كان النظام الحاكم شاخ وضعف ولم يعد لائقا للمرحلة القادمة، فالأرجح أن السادة لن يتحملوا مساندته أكثر من ذلك.. وسيحاولون بسرعة إجراء التغيير الذي يضمن وصل حكام جدد من رجالهم الأقوياء إلى سدة الحكم.. وسيتخلصون منه بطريقين فيما أعتقد: إما جسديا كما حدث مع عرفات أو بعملية اغتيال واضحة.. أو بإجباره على عدم الترشح في الانتخابات المقبلة، مع منحه ضمانات بعدم ملاحقته أو مساءلته ، هو أو أي من أسرته عما فعلوا بالبلاد طوال ربع قرن.. وذلك ما سيجعلنا ندخل نفقا مظلم.. أتمنى أن يقيض الله لنا أن نرى نورا في آخره قبل فوات الأوان..
أخيرا.. هل أنا متشائمة أكثر من اللازم؟؟ أتمنى ذلك،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تبدو النتائج الأولية غير الرسمية للانتخابات العامة البري


.. مراسل الجزيرة يرصد أبرز تصريحات وزير المالية الإسرائيلي سموت




.. بايدن يعترف: لقد أخفقت في المناظرة وكنت متوترا جدا وقضيت ليل


.. استطلاعات رأي: -العمال- يفوز في الانتخابات البريطانية ويخرج




.. أبرز المرشحين الديمقراطيين لخوض انتخابات الرئاسة في حال انسح