الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة .. أم انقلاب .. أم ماذا ؟ ..

بدر الدين شنن

2013 / 8 / 5
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لأول مرة في تاريخ الشرق ، وربما في التاريخ العالمي ، يخرج عشرات ملايين المواطنين ، من طبقات اجتماعية ومن مستويات عمرية متعددة تؤازرها المؤسسة العسكرية ، إلى شوارع المدن الكبرى والصغرى ، في يوم واحد وفي وقت واحد ، كما حدث في مصر في 30 حزيران 2013 ، لإسقاط عهد ظلامي يحاول أن يتحكم شمولياً ويتجذر في الدولة والمجتمع ، ويحول مصر إلى محور إقليمي يخدم ويشارك الغرب الامبريالي في تشويه النضال العربي التحرري وخدمة المشروع الغربي الصهيوني الإرهابي في الهيمنة على الشرق الأوسط .

وأمام مثل هذه الحشود الواسعة .. ليس مهماً التسميات .. إنقلاب .. أم احتجاج .. أم ثورة . المهم ، في أية ظروف تحركت هذه الحشود .. وما هي خلفياتها وأهدافها .. وما هو خيارها الأساس .. وما هو مدى انعكاسها سلباً أم إيجاباً على مصر ، وعلى دورها الإقليمي ، وسط صراعات دولية وحروب وإرهاب لإعادة رسم خارطة الإقليم .. وخاصة ما يتعلق بمسائل ثلاث .. اتفاقية " كمب ديفيد " وتفاعلات مصر في عملية الصراع العربي الصهيوني .. الموقف من الحرب السورية وأية ضفة ستختار مصر لحسم هذه الحرب .. مدى حضور المشروع القومي العربي التحرري في المسارات السياسية المصرية القادمة .

الهدف الرئيس في حركة الحشود المليونية ، هو إسقاط حكم الأخوان المسلمين في مصر ، وإسقاط المشروع الأخواني الدولي ، لاسيما في الوطن العربي . الأمر الذي فتح الأبواب مشرعة لرياح إسقاط سلطات فصائل أخوانية تمكنت بالمخادعة والتواطؤات المحلية والدولية من الاستحواز على السلطة في تونس وليبيا والمغرب وتركيا .. أو تراهن ، وتقاتل في صفوف الإرهاب الدولي للاستحواز على السلطة في العراق وسوريا .
وهذا الهدف بالنسبة للجماهير المصرية واضح المضمون والأبعاد ، وهو مكثف ، بإبعاد الكابوس الرجعي الظلامي عن موطن الحضارة المصرية العريقة ، وعن فضاءات الحرية ، والثقافة ، والفن , وعن موروث التآخي والعيش التاريخي المشترك ، بين مكونات الشعب المصري الدينية والمذهبية ، وبفتح آفاق قومية عربية وإقليمية تحررية متنورة تتصدرها مصر بعد غياب قسري طويل .

ولهذا انطلقت الملايين بفطرتها السياسية ، مطالبة " محمد مرسي " وكل ما يمثله من عقل مفوت ومشروع أخواني .. بالرحيل ورفعت قطاعات واسعة من المتظاهرين صور جمال عبد الناصر ، وبعضها رفع صور " بوتين " .. مذكرة بعهد مصر القومي التحرري ، وبالتضامن الدولي المعادي للإمبريالية في الخمسينان والستينات من القرن الماضي ، ومعبرة عن رغبتها بالعودة إلى ما يماثل ذلك العهد ، الذي كانت فيه مصر " أم الدنيا " ضمن تحالف أفريقي آسيوي .. وضمن منظمة دول عدم الانياز .. وهذا الهدف بالذات يشكل المحور الذي تدور حوله الخيارات المصرية وعلاقاتها العربية والدولية ، وهو عقدة التقاطع والافتراق بين القوى التي شاركت في الحشود المليونية ، وبين الدولة المصرية الجديد والدول الإقليمية والدولية .. لاسيما التي هي داخلة حتى العنق في مستنقع الحروب والصراعات في الشرق الأوسط ، وفي الجري لإعادة اقتسام النفوذ الدولي وتشكيل القطبية الدولية .

وخلال الأسابيع القلية الماضية برزت عدة تحركات ومواقف لافتة حول مصر الجديدة ، لاحتوائها .. أو التأثير في تشكيل مقومات مستقبلها ، بما يرضي جهات إقليمية ودولية نافذة .
أكثر المبادرات المثيرة للسؤال ، هو ما قدمته وتقدمه المملكة السعوية ، من دعم مالي وسياسي وإعلامي للحدث المصري . فقد وضعت المملكة خمسة مليارات دولار فوراً في الخزانة المصرية الخاوية تقريباً من احتياطي ذي أهمية ، ووجهت قناة العربية الفضائية لمتابعة الأنشطة السياسية المتمردة على الأخوان المسلمين ، وحضت دول خليجية أخرى على تقديم دعم مادي وسياسي مماثل للعهد الجديد ، حيث وصلت المساعدات الخليجية للخزينة المصرية إلى ( 12 ) مليار دولار خلال أسبوع .
ويعزو البعض هذه المبادرات السعودية الخليجية إلى صراع محتدم ، بين التيار السلفي الوهابي بقيادة السعودية ، وبين تيار الأخوان المسلمين بقيادة قطر ، وإلى انكشاف خلايا ومخططات أخوانية في دولة الأمارات والكويت والمملكة السعودية تعمل على الاستيلاء على السلطة في البلدان المذكورة . ولأن هذا التفسير وحده لايكفي .. يبقى السؤال معلقاً .. خاصة أن المملكة السعودية بالذات ، لاتخرج عن طوع الأميركي ، الذي يراهن على دور هام للأخوان المسلمين في تنفيذ مخططاته في البلدان العربية وغيرها ، والذي يدعمهم في أزمتهم الراهنة بتسريع الحراك السياسي الأوربي ، لمحاولة الإفراج عن الرئيس المخلوع ، وعن القيادات والكوادر الأخوانية المعتقلة ، وإجراء مصالحة بين الجيش و الأخوان المسلمين ، للحفاظ على احتياط جماهيري " عقائدي " وتوظيفه في شكل الدولة المصرية الجديدة ، وفي تعويق احتمال ارتدادات الحدث المصري سلباً على مخططاته وعملائه في البلدان العربية والإسلامية وخاصة في سوريا وتونس والعراق وليبيا .

ويأتي الموقف التركي الأردوغاني أكثر إثارة ، فهو يظهر متناقضاً مع الموقف السعودي الخليجي ، فقد تبنى أردوغان فور انطلاقة الحشود المتمردة على مرسي وأخوانه ، تبنى الدفاع الشرس عن " الشرعية الأخوانية ، معتبراً أن حركة الشارع الكبرى انقلاباً على الدستور والشرعية والديمقراطية ، ودعا الأخوان المسلمين وأنصارهم إلى متابعة المظاهرات والاعتصامات والصدامات الدامية مع رجال ومؤسسات الدولة حتى عودة مرسي إلى السلطة . وقد صادرت السلطات المصرية شحنات أسلحة مرسلة من ميناء أزمير التركي وعبر الحدود مع ليبيا التي يسيطرعليها إرهابيون موالون لحف الأطلسي وللمخابرات التركية . الأمر الذي يثير السؤال ، هل يجرؤ أردوغان ، وهو عضو في حلف الأطلسي ، أن يقدم على مثل هذا الموقف ، بدون ضوء أخضر من قيادة الحلف والبيت الأبيض ، في حين يعلن الأمين العام للأطلسي " أن الحلف " الآن " ليس لديه مخطط للتدخل في مصر .. بمعنى أن التدخل الأطلسي وارد في وقت آخر . وتضيع اتجاهات البوصلة التركية والسعودية .. مع من تتلاقي .. ومع من تتعارض .

وإزاء ذلك ، في الحراك اليومي ، يكاد لايمر يوم دون أن تظهر بعض التمايزات في مواقف شخصيات الحكم الجديد . فمن جهة يصرح " المسلماني " الناطق الرسمي باسم الرئاسة المصرية المؤقتة ، أثناء زيارة عمل إعلامي إلى جدة " إن محور القاهرة الرياض هو ضمانة للأمن القومي العربي " . ومن جهة أخرى يدلي " محمد البرادعي " نائب رئيس الجمهورية بتوسلاته لإجراء مصالحة مع الأخوان وإعادة الاعتبار إليهم واندماجهم في العملية السياسية . ومن جهة ثالثة تبرز اصوات ثورية شبابية تعلن التمسك بقرار مصر الوطني ، وتحذر من المصالحة مع قيادات أخوانية إرهابية ، هدرت دم الشعب اللمصري في سيناء ، وفي ساحات المدن المصرية , وفي مقدمتها القاهرة والاسكنرية .
الموقف الأكثر التفاتاً ، هو موقف الفريق أول عبد الفتاح السيسي ، الذي ينتقد الإدارة الأميركية ، لأنها لم تؤيد الشعب المصري وضغطت لصالح الأخوان المسلمين .. كاشفاً .. أن لأميركا نفوذ كبير على الأخوان فليضغطوا عليهم ، لفك الاعتصامات ووقف العنف . بمعنى أنه يحمل الإدارة الأميركية مسؤولية الوقائع المصرية وتداعياتها .

الغرب بما فيه الولايات المتحدة . متردد أمام أكثر من ثلاثين مليون متظاهر .. في حسم موقفه من محمد مرسي وأخوانه .. وفي توصيف ما حدث ضد مرسي .. انقلاب أو ثورة .. خلفية هذا التردد هي مصالحه السياسية الستراتيجية والاقتصادية ، وفي مقدمتها موقف مصر الجديدة من اتفاقية كمب ديفيد مع إسرائيل ، وموقفها من الحرب السورية الإرهابية ، وعودة مصر إلى محور الاعتدال العربي ، التي تلعب فيها مصر على امتداد إقليمي وقاري واسع دوراً هاماً .. فإن ضمن هذا الغرب مصالحه التي تعهد وعمل من أجلها محمد مرسي سابقاً في العهد الجديد لاحقاً ، كان ما حدث في مصر ثورة ضد حكم يتعارض مع الديمقراطية والقيم الحضارية ، ويدخل مرسي في عالم النسيان . وإن لم يجد الغرب الضمان المطلوب لهذه المصالح في مصر الجديدة ، فإن ما حدث هو انقلاب على الشرعية والدستور والديمقراطية ، ويبدأ حراكه الإرهابي والسياسي والإعامي والدولي لإعادة مرسي إلى السلطة

المأزق الغربي إزاء مصر اليوم .. هو كيف يستطيع أن يجمع كافة الأطراف الضامنة لمصالحه عبر تنازلات موجعة متبادلة .. وكيف سيواجه تفجر الشارع مرة أخرى لإسقاط مثل هذه الصفقة .
والسؤال الآن هو .. هل حركت الحشود المليونية المصرية الواسعة رياح عهود .. رمسيس الثاني .. ومحمد علي باشا .. وأحمد عرابي .. وسعد زغلول .. وجمال عبد الناصر .. أم ستخنقها رياح سموم قوى الردة الرجعية الأخوانية السلفية بدعم غربي أميركي ؟ ..

خلو عيونكم على مصر ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح


.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال




.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي


.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين




.. ماكرون: -برنامج اليمين واليسار سيؤديان الى حرب أهلية في فرنس