الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤامرة الكونية على سورية، هل هي حقيقة؟

علاء الدين الخطيب

2013 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


المؤامرة بمعناها التّاريخي الموضوعي موجودة طبعا عبر التّاريخ البشري كله. والتي تعني تخطيط وعمل الدّول للسيطرة الكاملة أو الجزئية على دول أخرى. فصعود وهبوط كل الإمبراطوريات التي عرفها التّاريخ البشري كان نتيجة عوامل ضعف داخلية، وترصّد الجوار أو فريق معارض من داخل الإمبراطورية للّحظة المناسبة للفوز بالمغانم والسّلطة. إن استمرار قوة وسيطرة دولة يتعلق بمدى ذكاء وحصافة خططها أو مؤامراتها على الآخرين كي يبقوا أضعف منها، فالولايات المتحدة بقيت الأقوى بلا منازع لأنها جهزت نفسها بتخطيط مستقبلي يأخذ كل الاحتمالات الممكنة في العالم، وهذا نوع من التّآمر أيضا. أي أن المنهزم يقول أنها مؤامرة والمنتصر يقول أنها تخطيط ذكي، فالولايات المتحدة تدعي أنها اتبعت استراتيجية ذكية ضد الاتحاد السوفيتي "بنموذجه الديكتاتوري اللاإنساني"، والسوفييت يعتبرونها مؤامرة ماكرة خبيثة ضد "نموذجهم الانساني الراقي"، وبين النظرتين تقبع الحقيقة.أما الفهم المتطرف حول المؤامرة كأنها قوة خفية عظمى تصوغ التّاريخ، فهو بالواقع مجرد تبريرات للفشل. يمكننا الزّعم أن لا دولة بالعالم تعيش مطمئنة أن ليس هناك دولة ما تتآمر عليها. هذه للأسف قوانين السوق التي عاش وفقها البشر آلاف السنين.
اختباء كافة الحكام العرب خلف حجة المؤامرة لتبرير استمرار ديكتاتوريتهم هو نوع من الدّجل واللعب بالمصطلحات والواقع. فأن يتحجج الحكم السّوري بعد خمس عقود من حكم البعث وأربعة عقود من حكم عائلة الأسد أن المؤامرة هي السّبب بتأخير تحسن الحالة السّورية وضرورات المعركة تفرض تأجيل ما يراه الدّيكتاتور ترف الدّيمقراطية هو محض موقف انتهازي لمشاعر النّاس تجاه قضاياهم الوطنية والقومية. المؤامرة بمعنى طمع الجوار أو العالم بسورية بدأ منذ 6000 سنة ولن ينتهي خلال 6000 سنة.
تقوم العلاقات الدّولية على أساس المصالح وليس على أساس الأخلاق والقانون أو الدين والطوائف. وعلاقة الحكم الأسدي ليست خارج هذا النّطاق. لقد أدركت حكومات الغرب والجوار العربي والإقليمي خاصة بعد انتصار التّونسيين والمصريين، أن الشّعوب لو بدأت فلن تتراجع. وكل الدول أعادت حساباتها مع بدء الحراك الشّعبي السّوري، وتشاورت معا من خلال مصالحها.
فمن الطبيعي والحالة هذه، أن تتحرك كل الدّول خلف مصالحها وتتخذ خندقا تتعامل به مع الثورة السّورية. وربما كان من سوء حظ سورية أنها تقع في أهم منطقة بالعالم حيث لم يحدث بعد فلسطين أن تصارعت مصالح الدّول على دولة صغيرة مثل سورية. فمن الواضح أن الاهتمام الدّولي بسورية يعود لأهميتها الجيوسياسية:
• تقع شمال إسرائيل ربيبة الغرب المدللة، والمصلحة الغربية ببقاء إسرائيل دولة متحاربة مع جوارها لم تنتهي ومصالح إسرائيل تأتي في المقام الأول في السياسة الغربية.
• قرب سورية من منابع النّفط والغاز الأغنى بالعالم في منطقة الخليج العربي والعلاقة التاريخية الوثيقة بين شعوب هذه المنطقة.
• النّظام السّوري يمنح الحكم الإيراني قوة مضاعفة بتحالفه معه. فهذا التحالف هو بوابة الحكم الإيراني للمنطقة العربية ولحدود لبنان وإسرائيل مما يمنح إيران أوراقا إضافية في لعبة تكسير الأصابع بين الحكم الإيراني والنظام الغربي السياسي.
• تشترك سورية بالمشكلة الكردية المعقدة مع تركيا. فرغم الاختلاف بين وضع الأكراد في سورية ووضعهم في تركيا، إلا أن المشكلة الكردية ما تزال عابرة لحدود هذه الدول. والحكومات التركية ترى في المشكلة الكردية أهم مشاكلها وتحدياتها. خاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق حيث لم تحصل حكومة أردوغان على أي ميزات للتحكم في شكل كردستان العراق. والحكم التركي لا يريد تكرار الخطأ في سورية، فالقضية الكردية يجب أن لا تفلت من سيطرته.
• بعد فشل تأسيس دولة مدنية ديمقراطية لا طائفية بلبنان، ودمار العراق كوطن موحد للعراقيين، وسيطرة الإخوان المسلمين على مصر وبالتالي سيطرة المعسكر الغربي الخليجي عليها، وبسبب حاجة السوق الغربي لإسرائيل كدولة دينية، ولدول الخليج كدول ملكية شمولية، فإن نجاح السوريين في التحرر من الديكتاتورية وبناء بلد ديمقراطي مدني مستقل يشكل خطرا حقيقيا على توازن القوى الدولية.
لذا الصراع على سورية ممتد من الصين وروسيا وإيران إلى دول الخليج العربي وتركيا وأوروبة الغربية إلى الولايات المتحدة و إسرائيل. فالكلام هنا عن المؤامرة الكونية صحيح من حيث الاهتمام والعمل الدّولي تجاه سورية لجذب البلد باتجاه مصالح كل فريق. فهذه المؤامرة أو الصراع ليس بالمعنى الميتافيزيقي المتداول والذي نشره النظام السوري أن كل هذه القوى الدولية تخاف منه، بل هو ببساطة صراع السوق الذي ساد التاريخ البشري كله. من ناحية ثانية هذا الصراع الدّولي كان يعيش بأفضل حالاته مع النّظام السّوري الأسدي، ولم يشكل هذا النّظام أي خطر حقيقي على مصالح أي فريق منهم (هذا ما سنفرد له مقالا مستقلا). بكل وضوح النظام السوري جزء من المعسكر الشرقي الذي يصارع المعسكر الغربي الخليجي التركي على حساب مصالح ودماء الشعب السوري.

إن تعامل بعض المثقفين والكتاب بعقلية الكاهن الذي لا يرى العالم سوى أبيض وأسود، ووفق ذلك كثيرون منهم يتبعون ما يشبه حيلة "التكفير" عند المتعصبين دينيا بأن يواجهوا أي نقاش للصراع الدولي لا يعجبهم بأنه "يعتمد على نظرية المؤامرة" وبالتالي يكفي الضحك عليه وتسفيهه، هو بالواقع الموضوعي والعقلي عجز عن مواجهة الأسئلة الصعبة والتعلق بظواهر الأمور. هنا يجب أن نفرق بين القول "أمريكا او الصهيونية تملك سيطرة مطلقة على العالم وتريد تحطيمنا" وهذا ولوج واضح بالفكر الميتافيزيقي المؤامرتي الغير موضوعي، وبين القول "العالم يسوده مبدأ صراع السوق وكل طرف يعمل ويخطط ضد الآخرين لتحقيق انتصاره وأرباحه وكلما زادت قوة هذا الطرف كلما اتسعت خططه بمواجهة الآخرين لاتساع الخطط التي تريد إضعافه" وهذا أيضا ضمن ما يسمى مؤامرة لكن يطلق عليها البعض اسما تجميليا "تنافس، تخطيط، استراتجيات"، بكل بساطة مثل تنافس أو صراع تجار على سوق النسيج في بلد ما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي