الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإحباطُ ينتقل كما الأنفلونزا

محمد الزقزوق

2013 / 8 / 6
الادب والفن


من يزيل هذا الفتور الجاثم على نَفسِ المكان , أو من يوقف سيل الأفكار المنهمر من رأسي تجاه الأرضِ انخفاضاً و إلى سقف الغرفة علوا , فيتوقف هذا الضنين و أصل إلى دقيقة عدم حقيقية ينعدم فيها اى نوع من التفكير في اى شئ مهما كان التفكير فيه مهماً



المشهدُ يبدو أكثرَ ميوعةً فلا أستطيع تحديد حالة شعورية واحدة أشعرُ بها , الدقيقة الواحدة تشهد ثلاثة حالات على الأقل ويكون الانتقال من الأولى الثانية حادةً عنيفاً يجعلك تعتقد أن ثمة جنون لا ريب فيه يستقرني, أشعرُ أنني أريد تمزيق صوت بائع ( الانحاس والالونيوم ) الذي يتسلل من النافذة كلصٍ تماما فيفسد اى لحظة خلوة ويقطع اى محاولة استقرار ذهني .



وما أن ينتهي من جوقة الأصوات التي يُلقي بها في الشارع كطفلٍ مشاكس يتعمد رمي القمامة قطة , قطعة حتى يندلع صوت بائع (المي الحلوه) أكثر عنفاً و ضجيجا ً , يندفع الصوتُ محملاً بصخبِ الشوارع ِ و قيظ الشمس فإذا ما أصاب أذنك أفسدَ محاولاتك الدءوبة للاستحضار الهدوء و جلب الاسترخاء , وهي عادة الأشياء التي بعد أن تُحّمل بالطاقات اى كان نوعها تعكس نفسها على الأشياء الأخرى , بعض الناس المحبط الحائر الصامت بمجرد النظر إلية ينقل لك هذا الخليط من عوامل الموت التي يشعر بها .



الأمر يرادف العدوى تماماً , الإحباط وخيبة الأمل ينتقل كما تنتقل الأنفلونزا , ثم عندما يعم المرض وتنتشر العدوى يكون الوباء , وهذا ما نحن فيه تحديدا , فلقد أصاب وباء الإحباط السواد الأعظم من الناس , و دخل كل البيوت , واخذ يفتك بنا في الوقت الذي عزت فيه الأدوية المضادة له , كالأمل أو التفاؤل والايجابية .



البلاد لا تهدأ وساكنيها حيارى ومساكين , كيف يمكن لي لن أصدق أن مكانا كهذا الذي أعيش فيه , مختلف الثقافات , غريب الأطوار , متغير المزاج , متشعب الاتجاهات والميول , كيف لي أن اصدق أن حالة ما ,تسيطر على كل من يسكنه بنسبٍ متفاوتة ,.



من منكم يستطيع أن يقول لي أنه لا يشعر بخيمة الأمل جراء ما يحدث ؟ من منك يستطيع أن ينكر حجم الإحباط الذي يكبر فيه شيئا فشيئا ؟ ومن منكم لا يعاني من المرض أو لم تصله العدوى ؟ ومن منك لم يراوده شك فقدان الأمل في التغير ؟ إلى متى يستمر هذا الحال ؟و طنٌ يجر من رأسه ويمسح به الأرض , منقسم ومتفرق , ضعيف وحائر , قبيح من فرط قبحنا و أسود من جحيم قلوبنا .



قولوا لي بربكم كيف لي أن اصدق أني فلسطيني وان من يعيش في الضفة الغربية فلسطيني وأننا مواطنين في نفس الدولة , اى مواطنة هذه التي لا تشرك مواطنيها بأي شكل من أشكال الالتقاء , أعلم أن الهم المشترك هو الاحتلال موجود ويعاني منه الجميع لكن غزة لا تعاني من الاحتلال الإسرائيلي فقط , هنا فقر , بطالة , جهل , قمع , انقطاع للكهرباء , معابر مغلقة , وشح بالمواد والموارد , هذا كله تنفرد به غزة ويعاني منه ساكنيها .

هذا مزعج وقاتل لكن الأكثر وجعاً في الأمر كله ما نتج عن هذه الأمور من حالة غير مسبوقة من خيبة الأمل و الإحباط الجسيم , الجميع في غزة محبط وأكاد اجزم بذلك , تستطيع أن تشعر أن الناس في هذه البقعة من الأرض ربما تبلدت أحاسيسهم من فيض المعاناة و الألم وما يزيد الطين بلة أن الجميع مستسلم لهذه الحالة , فلا أحد يلوح بفكرة تغير وكأنه لا يمكن تحقيق ذلك , مع أن التغير هو عادة المدينة و التمرد شعارها , ما الذي حصل؟؟



لِما كل هذا الخوف؟؟ لا يمكن تصور التسليم بهذا الواقع , ومن ماذا تخاف غزة ؟؟ هل تخشى الموت وهو من عاداتها اليومية أم أن الضرر لم يمس الجميع وأنا اعتقد أن الألم أصاب الكل وان كافة الغزاوين يعانون تحت عذاب السياط , وتستثمر عذاباتهم لمصالح فئوية ضيقة ومحدودة ,

على الغزاوين أن يدركوا جيدا أن عذاباتهم ليس لأي هدف وطني وأنهم يموتون يوميا بلا هدف بلا سبب وبلا رؤية , عليهم أن يدركوا جيدا أن الحالات الاستثنائية تتحول إلى أمور واقعية سيكون من الصعب أن لم يكن من المستحيل تغيرها , عليهم أن يفكروا جيد في المستقبل الغامض والمبهم والتعيس الذي ينتظر أبنائهم والأجيال القادمة أن استمرت هذه الحالة من التخلف المخزي والانقسام المشين ,



قليل من الغضب قليل من الصوت قليل من الإحساس بالمسؤولية لأجل واقع جديد ومستقبل أفضل .





محمد الزقزوق 1/8/2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق