الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتراب العقل العربي

بكر ناطق

2013 / 8 / 6
كتابات ساخرة


بعد أن كانت منطقة الشرق الأوسط محور الحضارات في التاريخ الإنساني، وقبلة لكل باحث عن المعرفة، أصبحت اليوم لا تمثل إلا تابعاً للمنظومات الحضارية العملاقة التي احتكرت التكنولوجيا، وطبقت نظرياتها في الاقتصاد بحسب مصالحها الوطنية أو القومية في عالم متسارع لا يعرف السكون.
لا تكمن المشكلة فقط في عملية المتابعة خصوصاً إن كانت في الإطار السليم، كما فعل رواد النهضة في مطلع القرن الماضي حينما تخرجوا من جامعات الغرب، وتأثروا بالثقافة الانسانية الجديدة فيه، وأدخلوا الآيديولوجيات الأوروبية المعاصرة الى عالمنا العربي. طبعاً لا ننسى الدور المميز الذي قامت به نخب مصر والشام والعراق الأدبية والعلمية في دفع مسيرة التقدم والبناء، باستخدامها أدوات علمية قوامها الوعي الاجتماعي والأكاديمي، الذي يتحرك نحو المنطق وأرقامه الرياضية، وليس باتجاه عوالم غيبية يفسر من خلالها ظواهر الأشياء.
رغم أن بلداننا غنية بثرواتها، إلا أننا نجد الفقر يترنح أمام أعين شعوبنا. فالمجاعة والانهيار الاقتصادي الكامل لم يضربنا بعد، كما فعل في بعض شعوب القارة السمراء، لكنه قريب منا ومن الواجب اتخاذ التدابير اللازمة.
ازدادت مفاهيم التغريب في مجتمعاتنا الاستهلاكية بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة، لتتربع على عرش القيم البورجوازية والأخلاقية، باعتبارها ثقافة متسامية تجنح نحو التقدم، وتمثل سلوكاً عرفانياً يفرض نفسه على المجتمع. ويدخل الاغتراب في صراع مع التراث والهوية، فالأول شعاره التقليد دون دراسة أو فهم للمضامين الفكرية، والثاني يتمسك بالتقاليد دون أن يدخلها في أنماط التجديد.
لا يعد كثرة استخدام المصطلحات الأجنبية في لغتنا المحلية تطوراً في المهارات الفكرية. فـ (طه حسين) كان يجيد اللغة الفرنسية، ومتاثراً بأقطاب حركة التنوير في الغرب، لكنه لم يفقد لغته الأم أو اعتزازه بتاريخ موطنه الذي ترعرع فيه. كما يمثل فكر (إدوارد سعيد) نهجاً إنسانياً كبيراً يمجد شعور الانتماء الى الوطن يوازي اطلاعه العميق في ثقافة وآداب الغرب، التي أعطته دافعاً لتعزيز هويته الباحثة عن الحداثة. كذلك لم يفقد رائد الشعر الحر (عبد الوهاب البياتي) ذاته حينما تعشق بالثقافة الاسبانية والأممية، وساهم في تجديد الحركة الأدبية وإيصال جوهرها الى العالم الغربي.
نشاهد هؤلاء اللذين ينجرفون نحو الاغتراب الفكري وهم يتصورون أنهم ينتمون الى عالم آخر بعيد عن مجتمعهم، حينما يغلفوا أنفسهم بطبقات لا تندمج مع ذواتهم لإشباع رغبات خيالية تعشعش في عقولهم المكبلة بالتصنع والبلاهة. فليس هناك وفاق بينهم وبين محيطهم. والمشكلة الأكبر أنهم إذا انتقلوا الى أوطان جديدة تستهويهم ثقافتها، لا يستطيعون أن يندمجوا في مجتمعاتها، لاعتقادهم أن الثقافة الانسانية أسيرة القلاع والمرتفعات.
يمكن للمجتمعات أن تتفاعل فيما بينها وأن تتلاقح مفاهيم الشرق مع الغرب وهذا أمر طبيعي ضمن السياق الزمني للتاريخ الحضاري. لكن الإدعاء والنظرة الكولونيالية الجديدة سرعان ما تصطدم بجدار الواقع، وخصوصاً عند المجتمعات المتقدمة التي ينجلي الغبار الزائف أمامها في أروقتها العلمية والانسانية.
استطاعت الدول الآسيوية كالصين واليابان ثم الهند أن تحقق نهضة عمرانية مستقلة دون أن تتأثر هويتها الوطنية. فلم تسلم هذه الدول ثقافاتها الاجتماعية والأدبية مقابل التكنولوجيا. ودخلت في منافسة علمية واقتصادية ناعمة مع دول الغرب بعد أن قامت بتحديث صناعاتها الوطنية.
لا مناص من قيام ثورات نقدية حقيقية على المفاهيم الخاطئة في مجتمعاتنا، نحقق من خلالها توافقاً بين دراسة التراث وتحليل قيمه، وفق آليات المنطق وجدلية التطور، وبين الحداثة التي لا بد منها، وضرورة التواصل مع شعوب العالم وخصوصاً المتقدم، والالتصاق بعقوله بدلاً من منتجاته الاستهلاكية. فاغتراب العقل وصل الى ذروته في أماكن كثيرة، ولا بد من تعزيز ثقافة الانتماء مع عدم المساس بالحريات المدنية، ودعم النظم التربوية والتعليمية لتفعيل عملية التغيير التي ننشدها. فإرادة التغيير لا يمكن لها أن تسير إلا بتحول إدراكنا نحو نمط الإنتاج، الذي من خلاله يتلاشى الشعور بالاغتراب في أي مكان في العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟