الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حصار الشعب الذي يريد

خالد قنوت

2013 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


في حادثة تعيدنا لمقولة: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) وقف رجل وسط مبنى تجاري في مشروع دمر بدمشق, ممسكاً بقنبلة يدوية و بصوت هادر و حزين صرخ بالحاضرين: (إملؤوا هذا الكيس طعاماً لأولادي و إلا فجرت نفسي و المكان). المتواجدين في المكان لم ينبطحوا أرضاً و لم يقرعوا أجراس الإنذار لتخبر رجال الشرطة بعملية السطو و ذلك لعدة أسباب منها أن الجميع اعتادوا على مناظر البؤس و الفقر في شوارع دمشق و بأعداد اللاجئين من المناطق الأكثر تدميراً على أيدي قوات الأسد الآثمة و ثانياً لمعرفة الجميع و ثقتهم بأن رجال الشرطة هم قطاع طرق و لصوص و ليس بهم يمكن أن يستنجد المظلوم أو المصاب.
تدافع الناس باتجاه الرجل و أخذوا يهدؤون من روعه و غضبه و قد جمعوا له بعض المال. رفض المال و قال: (اريد فقط طعاماً لأولادي و لا أريد نقوداً).
ملؤوا له الكيس طعاماً, حمله و غادر وسط حزن متبادل بينه و بين الناس.
في حادثة أخرى حدثت معي, إذ طلبت من أحد أقاربي أن يسلم مبلغ محدداً لعدة عائلات سورية منكوبة. اعتذر الرجل عن ذلك لأن ما جمعه خلال سنوات عمله أوشك على النفاذ بسبب ندرة الأعمال و ضيق الحال. إقترحت عليه أن أحول المبلغ إلى حسابه المصرفي في أحد المصارف الخاصة. طلب مني أن أحول المبلغ إلى اليورو و ليس للدولار الأمريكي فبعد صدور مرسوم العملة الأجنبية الأخير صار اقتناء دولاد أمريكي واحد سبباً للهاوية. قبلت ذلك و ذهبت للمصرف المقابل لمنزلي في بلاد الغربة. طلبت من الموظفة أن تحول لي المبلغ إلى يورو ثم ترسله إلى حساب صديقي. الصدمة الكبرى عندما سألتني عن الدولة التي سأرسل لها التحويل فقلت لها (سورية) بحثت الموظفة عن بلد اسمه سورية في قائمة الدول فلم تجدها و طلبت مني مساعدتها. وجدت كل الدول التي تبدأ بحرب السين على القائمة إلا سورية؟؟.

هاتين الحادثتين, تجعلني أتساءل عن سبب حالة الفقر التي يعيشها بلد يعتبر من أغنى دول العالم نسبة للمساحة و عدد السكان و ما يمتلكه من ثروات طبيعية و إمكانيات بشرية و هذا بدراسة اقتصادية علمية لأهم مراكز البحث العالمية؟.
الفقر في سورية متأصل منذ استلام عائلة الأسد للحكم بسورية و خاصة بعد منتصف الثمانينيات حيث هبطت قيمة العملة السورية إلى مستوى كبير و بقيت لعقود يتلاعب بها قصر الرئاسة السورية الذي كان يحول كل عائدات النفط السوري إلى ميزانية القصر الخاصة. و لكن المستوى الدنيء الذي تعاملت به سلطة الأسد الإبن في النهب و اللصوصية كان دون أي روادع وطنية أو أخلاقية أو حسابات مصلحية مع بعض المنتفعين.
الثورة كانت رد فعل طبيعي على الممارسات اللصوصية على مستوى الاقتصاد و على مستوى السياسة معاً, لكن هذا التعامل الوحشي لآلة النظام الهمجية مع مناطق الثورة ثم تعميم التدمير و الخراب على كامل الوطن و تحويل مليارات الدولارات و اليورويات إلى دول حليفة للنظام و بحسابات شخصية كروسيا البيضاء و رومانيا و حتى دبي على مرأى العالم و تحت أعين مراقبي التحويلات المالية من و إلى سورية. لكن أن يحول مغترب سوري مبلغ من المال للداخل السوري فهذا من المستحيلات. أليس هذا مدعى للتأمل في سبب آخر لإفقار الشعب السوري في الداخل و إيصاله للمجاعة حيث سيكفر الكثيرين و بتحريض من النظام بالثورة و بالحرية و بالديمقراطية؟؟
إن من أوصل رجلاً إلى حافة الانتحار كي يطلب طعاماً لأولاده هو الفقر و ضيق الحال و انسداد الآفاق أمامه بعد أكثر من سنتين و نصف على الثورة و لكن المسؤول عن حالة الفقر هذه هو النظام أولاً و أخيراً و لكن بين أولاً و أخيراً هناك المعارضات الفاسدة و هناك إمراء الحرب الجدد المتقاطعي المصالح مع النظام في ديمومة الفوضى و التشرزم و الأنكى هو هذا العالم الذي بحجة حصار النظام يحاصر السوريين الصامدين في الداخل في استنساخ لتجربة العراق التي لم تصب النظام العراقي بأي ضرر و لكن أصابت شعب العراق بالفقر و الحاجة حتى يومنا هذا.
هؤلاء جميعاً ليسوا سذجاً و كلهم يعملون على ضرب عزيمة شعب أراد أن يمسح من تاريخه, عقوداً سوداء من حكم العصابات المافوية الهمجية و يتوجه إلى بناء دولة حريات و حقوق و مواطنة و ديمقراطية حقيقية و لو بعد فترة من الزمن.
ليس من مصلحة أي منهم أن تقوم دولة ديمقراطية في هذا الشرق التعس لأنها تعني تغيراً جوهرياً في ميزان القوى السياسية و الاقتصادية في المنطقة و في إعادة لرسم خرائط الشرق من جديد.
عندما نعرف أن الفقر الذي يعيشه السوريين ليس رجلاً و لكنه نظام و أجهزة و معارضات متسلقة و دول لها مصالح و مطامح في وطننا, فكيف لرجل بسيط أن يقتل كل هؤلاء؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق


.. الاعتداء على داعمين لفلسطين اعتصموا بمركز تجاري بالسويد




.. تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي: 96% من سكان غزة يواجهون مست


.. مصادر العربية: إطلاق النار في محج قلعة أثناء القبض على من سا




.. -إيرباص- تُعاني بسبب الإمداد.. والرئيس التنفيذي للشركة يتوقع