الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الاسطه والحاخام ليفنغر

عطا مناع

2013 / 8 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


إذا لم تخني الذاكره ففي عام 1984 اعتصم الحاخام المتطرف لفينغر أمام مخيم الدهيشه احتجاجاً على رشق شباب المخيم سيارات المستوطنين التي تمر مكرهه من أمام المخيم، وما أن وضع ليفنغر خيمته قباله المخيم حتى اضطر الحاكم العسكري تعيين فرقه من جيش الاحتلال لحراسته.

كان هذا الحاخام يستقطب المستوطنين ويحرضهم على مخيم الدهيشه، وكان المستوطنون الذي حاولوا اقتحام المخيم عديد من المرات وفشلوا يحاولون الاستقواء بالجيش حيث تجرؤا على التواجد في خيمه الحاخام والتقاط الصور التذكاريه في مكان لم يحلموا أن يحطوا فيه.

كان المخيم فتياً، وكان المخيم قد عرف الانتفاضه مبكراً، وكان ليل المخيم له مذاق الزعتر وعبق الحلم، وكانت كلمات الشاعر معين بسيسو من تودع بنيها بابتسامتها الى الزنازين كأنها لم تحمل ولم تلد قد استوطنت القلوب والعقول ، وكان المخيم كما الشراع وشراع المخيم هو الحجر لا غير، وكان المخيم صلباً كما الصوان حيث الفشل تلوا الفشل لمدير المخابرات الكبتن كريم " بترويضه"، وكان الجدار أو الشيك الذي بلغ ارتفاعه ثمانية أمتار والذي وجد من اجل الحد من رشق الحجاره قزماً أمام الفعل الانتفاضي المبكر، وكانت صوت منظمه التحرير يصدح دائماً باسم المخيم، وكان الحاخام الجالس في جحره يعيش الحيره وهو يهرب بعيداً عن حجارة الفتيه التي كانت تتساقط عليه بين الحين والآخر.

كان المخيم فقيراً، لكنه كان يمتلك البوصله، وكان المخيم يرى النور في آخر النفق، وكان كما الكومونه حيث الوحده الطبقيه والاجتماعيه، وكان لسان الحال أن المخيم محطه للعوده الى الفردوس المسروق، وكان الثوب الفلسطيني واللاجئات اللواتي عرفن مذاق النكبه مبكراً الدرع المتقدم في الدفاع عن الفكره الحلم، وكانت السريره تضيء من عاشوا الهجره الاولى معبرين عن ارتياحهم ودعمهم للفتيه الذين كبروا قبل الأوان.

كانت البوابه والجدار المقيت الذين حول حياه كبار السن لجحيم، ومداخل المخيم الضيقه التي تجاوزت العشره مغلقه بالباطون والأسلاك الشائكه، وكانت فرق جيش الاحتلال لا تغادر المخيم على مدار الأربع وعشرين ساعه حيث منع التجول الليلي من الساعه الخامسه مساءً حتى الساعه السادسه فجراً وما يرافقها من اقتحامات ليليه للبيوت ذات الطابق الأول فقط ، الم اقل أن التناغم والوحده الطبقيه هي المحرك للفعل الذي عاشه المخيم، وكنت إذا تطلعت عن قرب لحياه المخيم تدرك كيف استطاع هذا التجمع البشري الأكثر فقراً في فلسطين الحفاظ على تعويذه الفعل والتناغم مع الصوت القادم من بيروت وخربشات ناجي العلي ورفيق دربه حنظله صاحب البنطلون المرقع.

ما بين الحين والآخر كان صوت السماعه يصدح بلكنه معوجه ..... من سن 16 سنه الى سن 40 لينزلوا الى مدرسه الذكور، ومدرسه الذكور تعني المزيد من التنكيل والاعتقالات والتفتيش عن المستهدفين الذين لم يعرفوا سوى لغه الرفض للقائم ويتخذوا من الجبال المحيطه بالمخيم ملاذاً لهم أو يمارسوا لعبه التواجد في الشوارع والتنقل من بيت الى بيت ومن حاكوره الى حاكوره هرباً من فرق الجيش التي تمارس عمليه مسح للمنازل للتأكد من أن الفئه العمريه المستهدفه نزلت الى مدرسه الذكور.

كم نشتاق الى تلك الأيام حيث الكرامه والشعور بأنك حي، فالحياه كانت بالنسبه للمخيم أن يعيش الاشتباك وان يتعمد بالوجع، وفي ليله قدر لها أن تكون بارده ومختلفه جاء الصوت المعتاد بلكنه عبريه عربيه من سن 16 الى سن 40 التوجه الى مدرسه الذكور، وبالفعل نفذ البعض الكثير الدعوه الغير عاديه حيث تواجدت الرتب العاليه والمخابرات الاسرائيليه في المدرسه، وبعد أن استكمل العدد تحدث الحاكم العسكري عن ضرورة وقف رشق الحجاره على سيارات المستوطنين وكان يتحدث بلهجه استنبط الحضور منها الخطر.

طلب الحاكم العسكر وبعد طول حديث أن يقوم المخيم بدوره في الحفاظ على الشارع الرئيسي، بمعنى منع الشبان من رشق الحجاره على سيارات المستوطنين، وقال إنهم سيتخدوا كافه الوسائل لوقف هذه الطاهرة واخرج من جيبه ورقه وبدأ ينادي على الأسماء الموجوده فيها الى أن وصل العد 30 شخصاً، وقال لهم انتم من ستحرسون الشارع الرئيسي.

قلت أن المخيم كان محطه، وقلت أن الوحده الطبقيه والوطنيه والفكريه كانت هي التعويذه ، بالطبع رفض أل 30 الانصياع للأمر فما كان من الحاكم العسكري إلا أن أمر باعتقالهم، وفي اليوم التالي خرج المخيم عن بكره أبيه لقول كلمته حيث فهم الاحتلال الدرس وانتهت الحكايه، ومن يريد أن يستحضر هذا اليوم بحاجه لمساحه أوسع حيث استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي باصات الخليل كدرع لاقتحام المخيم.

في خضم هذه الحاله المتعاظمه ووجود الحاخام ليفنغر المتمترس بجحره أمام المخيم كان الاسطه، والاسطه شخصيه مركبه، الاسطه إنسان "سكير" كما كان يصفه الناس ، والاسطه أدار قفاه للواقع وكأنه يقرأ المستقبل، والاسطه كان يكره الاحتلال على طريقته الخاصه، وكان الاسطه يعمل ناطور في القدس ويحمل مسدس اعتقد انه بلاستيكي، وكان الاسطه يعشق شرب العرق ولا دخل له بكل ما يجري من حوله، وكان هذا الرجل ذو القامه القصيره فهلوي وله وجهه نظر كما أسلفت، وكان بين الحين والآخر يجلس مع الحاخام، لم يكثرث الناس لما يقوم به الاسطه الذي يمثل الإنسان الذي كفر بكل شيء إلا الله، وتلك فلسفه يعشها بعض الفقراء الذي بغلفون حياتهم باسلوب حياه خاص دون المس بمن حولهم.

في احد الأيام انتشر الخبر كالسهم، لقد باع الاسطه منزله للحاخام، كان رد الفعل ما بين الغضب وعدم الاكتراث، لكن الاسطه باع بيته للحاخام وهذه سابقه وخطيره علينا إبطال البيع قال احدهم وقال آخر لنرفع قضيه فالمخيم ليس للبيع وقال ثالث ليش زعلانين ليسكن الحاخام في المخيم اذا كان يمتلك الجرأه وقال رابع لنتريث، وبعد حين اسقط عقد البيع وجاء حديث الاسطه انه كان يريد أن يخلص المخيم من الحاخام، مر المخيم عن هذه الحادثه بسرعه وانتهى الأمر.

ما بين تلك الأيام وما نحن فيه انقلبت الأمور رأساً على عقب، وجاء أوسلو هذا الشبح الذي سكن العديد من الأرواح فساداً وما شئتم من موبيقات، وأصبحنا نقايض الحلم بالوظيفه أو الكرتونه أو منحه جامعيه ، وما بين تلك الأيام وما نحن فيه مات اللاجئ الأول وغابت السريره عن الوجوه وتقدم الشباب الذين كانوا في العمر بسرعه قياسيه وكأنهم يتشوقون الخلاص، وأصبح لهم أولاد وبعضهم أحفاد وغاب المخيم ليغرق في الروايه الجديده ألمسماه سلام.

أصبح ما كان: عقم ومنافي للواقعيه الجديده، وغزا غول التطبيع المخيم، واستوطنت الشقراوات الشوارع يوزعن الابتسامات على الأطفال في الشوارع، وانتشرت موضه المقابلات حول النكبه والمخيم وحكيت المؤامرات من خلال الدراسات القادمه عير المحيطات بهدف الوقوف على واقع هؤلاء البشر، ووجدت المخدرات طريقاً لها الى عالمنا، وغابت الوحده الطبقيه، وأصبح من يمسك على الجمر أهبلا وغير واقعي وعميل لعصيون وهو مركز الحاكم العسكري بعد أوسلو، وشاعت ثقافه اللعب بالبيضه والحجر وغصت المساجد بالمصلين في مفارقه غير مفهومه، وأصبح المخيم قبراً لا محطه للعوده.

ما عاد المخيم سوى من لا زالت ترتسم السريره على وجوههم يؤمنون بما كان، هي ثقافه الاستهلاك، والقائد الذي خان ما بشر الناس به، وعاد المخيم ليعيش زمن الاشتباك، ولكن هذه المره اشتباك من طراز جديد، هو الاشتباك الذي وضعه بين المطرقه والسنديان، مطرقه الحلم وسنديان النهج الجديد القائم على التسليم بالأمر الواقع، أصبح عاديا أن يقول البعض لا أريد أن أعود الى القريه التي هجرت منها، وبات القابض على الجمر مجنونا أهبلا لا يؤمن بالمستجدات والعولمه والشقراوات.

مات الاسطه قبل فتره من الزمن، مات ولم يكترث له احد، فتطوع عمال مكتب وكاله الغوث بمراسيم الدفن، كانت جنازه سريعه، مات الاسطه حيث تراودني الأفكار الشيطانيه، الاسطه لعب مع الحاخام لعبته وباع بيته في المخيم كفهلوه، كيف انظر أنا أو أنت في وجوه أطفالنا ونحن نجاهر بيع التراب الذي هجرنا منه.

كان الختيار يسرد علي بعض الحكايات التي كنت اعتبرها عاديه في حينه، لكنني اليوم أتلمس ما معاناة هؤلاء الفلسطينيين الذي كانوا ضحيه المؤامرات، هؤلاء الذين عاشوا المعاناه في توفير كأس ماء للشرب أو وجبه مما يفترض أن يمنحه الله لهم، هؤلاء الذين عانوا في قضاء حاجاتهم كبشر، واليوم أتلمس شعور هؤلاء اللاجئين وخاصة النساء منهم، النساء اللواتي عانين القمع المركب وشخن قبل الأوان ومتن قبل الأوان، واليوم أتلمس وأتفهم من يردد كلمات غريبه عن الواقع المعاش لن نتنازل عن حقوقنا حتى استحضر صائب عريقات أجداده وأجداد أجداه للتوقيع على بيع حقوقنا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات تشريعية بفرنسا: اكتمال لوائح المرشحين واليمين المتط


.. ندوة سياسية لمنظمة البديل الشيوعي في العراق في البصرة 31 أيا




.. مسيرات اليمين المتطرف في فرنسا لطرد المسلمين


.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع




.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف