الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النسور يَطْلُب مزيداً من الضرائب!

جواد البشيتي

2013 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


جواد البشيتي
الحكومة الأردنية برئاسة عبد الله النسور، والتي هي حكومة لمزيدٍ من الغلاء، ولمزيدٍ من خفض منسوب الديمقراطية (في الوقت نفسه) الخفيض في الأصل، هي الآن مدار تهكُّم واستهزاء وسخرية الأردنيين جميعاً؛ وقد أنجزت ما لَمْ تُنْجِزه، من قبل، كل الحكومات الأردنية التي سبقتها، ألا وهو جَعْل الأردنيين شعباً مُتْقِناً مُبْدِعاً للنكتة السياسية؛ فإنَّ شَرَّ البلية ما يُضْحِك؛ والنكتة السياسية، على ما نعرف، هي، لجهة قوِّتها واتقانها، ثمرة ما يعانيه الشعب من قهر وعسف وإذلال، وعجزٍ، في الوقت نفسه، عن تغيير الواقع السياسي والاقتصادي لمصلحته.
النسور، ولَمَّا كان في موقع المعارَضَة الانتهازية، أيْ المعارَضَة التي تُعْلي سقف معارضتها لا لشيء إلاَّ للعودة، مرَّة ثانيةً وثالثةً ورابعةً..، إلى "مائدة أهل الحكم"، أسْمَع الحكم كلاماً قاسياً جريئاً في انتقاده، وانتقاد نهجه وسياسته، فحَاز رصيداً شعبياً، لا ينفد سريعاً، إذا ما قَبِلَ أنْ يصبح رئيس حكومة تُنفِّذ سياسة كريهة مكروهة مبغوضة شعبياً؛ ولقد اعتاد الأردنيون هذه "اللعبة"، لعبة شَحْن، وإعادة شَحْن، كل مَنْ يريد الحكم تَوْليته منصباً حكومياً رفيعاً، بـ "شعبيةٍ" من طريق المعارَضَة الانتهازية الرخيصة.
ويُشْتَقُّ من هذه اللعبة "لعبة شخصية"، رَاَيْناها في أثناء التهيئة والإعداد لتكليف النسور بتنفيذ سياسةٍ، فيها كثيرٌ من روح العداء للشعب؛ فلقد نَفَثَ الخبثاء في روعه أنَّ أحداً في الأردن لا يملك ما يملكه هو من جرأة وشجاعة وإقدام وبسالة في ترويض الأردنيين، وفي دَفْعِهم إلى الاستخذاء والخضوع للسياسة التي صوَّروها له على أنَّها "الشَّرُّ الذي لا بدَّ منه".
ولم يُخيِّب النسور ظنَّهم، فتصرَّف، قبل وبعد كل ضربة يسدِّدها إلى الشعب، في حقوقه السياسية والديمقراطية، وفي لقمة عيشه، تَصَرُّف غير المُكْتَرِث لمعاناته ومُصابه؛ فهو الذي دَقَّ على صدره قائلاً إنِّي لها، متوهِّماً، إذا ما أحسنا الظنَّ به، أنَّه المُنْقِذ المخلِّص ولو كلَّفَتْه هذه "المهمَّة النبيلة" شعبيته، وجَلَبَت عليه كره الشعب له؛ فهو لا يبحث عن "شعبية رخيصة"!
النسور أكْثَر من الضرائب إكثار مَنْ في نفسه الرغبة في أنْ يعترف به "عِلْم الاقتصاد" على أنَّه مُخْتَرِع، أو مُكْتَشِف "الحل الضريبي" لكل المشكلات؛ فـ "الضريبة"، عنده، لا "الإسلام"، هي الحل!
إنَّ "الضريبة"، ولجهة صلتها بـ "الدول"، تؤسِّس لظاهرتين: ظاهرة "ضرائب دولة (أو للدولة)"، وظاهرة "دولة للضرائب".
الظاهرة الأولى هي ظاهرة حضارية، ديمقراطية، فالدولة الديمقراطية، التي تمثِّل شعبها، ولا تُعامِله كما تُعامِل "قوى الاحتلال الأجنبي" الشعوب الخاضعة لسيطرتها، لا تأخذ من الشعب مالاً (ضرائب) إلاَّ لتعيده، أو لتعيد معظمه، إليه، وبما يقنعه بجدوى الضرائب، والنظام الضريبي؛ إنَّها تَفْرِض ضرائب، وضرائب ثقيلة، على بضائع كالسجائر مثلاً؛ لكنَّها لا تفرضها إلاَّ لتُنْفِق هذا "المال العام" في تحسين وتجويد عيش مواطنيها.
أمَّا حكومة النسور فلا ترى إلاَّ العجز في موازنتها هي؛ وتسعى، من ثمَّ، في سدِّه بفرض مزيد من الضرائب على الشعب، وبكل ما تملك من سلطة الإكراه؛ إنَّها لا ترى، ولا مصلحة لها في أنْ ترى، العجز المتنامي في موازنات العائلات، مع تعاظُم العجز عن سدِّه!
من قبل، أقَمْنا ما يشبه "حائط المبكى"، فذرفنا الدموع حزناً على موت "الطبقة الوسطى" عندنا؛ أمَّا اليوم فحقَّ لنا أن نذرف الدموع على موت ما بقي في الشعب من "بنية طبقية"، فشعبنا الذي كان مؤلَّفاً من عمال وفلاحين..، ما عاد اليوم كذلك، فهو انتظم، وينتظم، في "طبقة جديدة" هي "طبقة المتسوِّلين"، التي ساعد كثيراً في نشوئها ونموِّها "الاتِّجاه الطبقي" لموازنات الدولة.
قصة "العجز في الموازنة"، ولجهة أساليب وطرائق ووسائل الحكومة للتغلُّب عليه، إنَّما هي عندنا قصة "الدولة الفاشلة"، و"الحكومات الفاشلة"؛ فلا أسهل، عند هذا النمط من الدول والحكومات، من أنْ تحل هذه المشكلة (المزمنة، المتفاقمة) من طريق إفقار (والإمعان في إفقار) مواطنيها، وخفض وزن الراتب، أو الأجر.
ثمَّة عجز في الموازنة؛ لكن ما هي الأبعاد الحقيقية لهذه المشكلة المزمنة المتفاقمة؟
إنَّهما بُعْدان اثنان يمثِّلان أهم أبعادها: الأوَّل هو أنَّ الدولة لا تحصل على جزء عظيم من مواردها (المالية) من الفئة الطبقية التي تُمثِّلها الدولة، والتي لو دفعت للدولة ما ينبغي لها دفعه لحللنا جزءاً كبيراً من مشكلة العجز في الموازنة؛ أمَّا الثاني فهو "الإنفاق"، لجهة أوجهه؛ فالدولة تُنْفِق كثيراً من مواردها المالية (المتأتي جُلها من فقراء الشعب، أي من غالبيته العظمى) بما يصلح دليلاً على أنَّ في هذا الإنفاق (أوجهاً وطرائق وأساليب وغايات) يتركز الجزء الأعظم من الفساد. ولو نحن حرَّرنا "الإنفاق" من "الفساد" لَمَا بقي لدينا من عجز في الموازنة، ولتحوَّل هذا العجز إلى فائض.
إنَّني أردُّ العجز في الموازنة إلى فئتين ضئيلتين مندمجتين في الدولة، المندمجة فيهما: فئة العائلات المالكة للمال والأعمال، والتي تُسْبِغ عليها الدولة نعمة "التهرُّب الضريبي"، وأشباهها، وفئة البيروقراطيين المُغْتَنين (بالفساد) من "الإنفاق الحكومي".
من ذلك (فحسب) يَلِد "العجز" كما يلد اللمعان من الفسفور؛ فَتَدُسُّ الدولة إحدى يديها في لقمة عيش الفقير، فيعطيها ما يشبه "الجزية" عن يد، أيْ عن ذل واستسلام؛ ثمَّ تمد الأخرى للمحسنين في الخارج (من عرب وعجم وبربر) لِتُحْسِن على بعضٍ مِمَّن أفقرتهم في الداخل، أيْ في الوطن، الذي، من هذه الطريق، يُفْقَر، أيضاً، روحياً!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يتمسك بترشحه.. و50 شخصيةً قيادية ديمقراطية تطالبه بالت


.. أشهر مضت على الحرب في غزة والفلسطينيون يترقبون نهايتها




.. نتنياهو يتهم وزير دفاعه يوآف غالانت مع المعارضة بمحاولة الإط


.. قصف كثيف وإطلاق قنابل مضيئة بمناطق شرقي غزة




.. القمر كوزموس 2553.. أطلقته روسيا قبيل إعلانها الحرب على أوكر