الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جولة في متاهة اخيرهم

مشتاق عبد الهادي

2013 / 8 / 7
الادب والفن


حقا إن الأديب هو الشاهد الوحيد على عصره وزمانه, فنحن نعرف جيدا بان كتابة التاريخ وبالطرق المنهجية الجافة لا تستهوي إلا شريحة الدارسين والباحثين, أما كتابة التاريخ وبالطرق الأدبية والفنية فإنها تمنح المعلومة بطريقة تبعث المتعة والفائدة والانتشاء وتبعد المتلقي عن الملل, ومن أهم شواهد كتابة التاريخ بالطرق الأدبية والفنية هي ملحمة (الإلياذة) التي سطرتها أشعار قيثارة الزمان هوميروس والذي من خلال تحفته الفنية والأدبية والتاريخية عرفت الأجيال تفاصيل حرب طروادة وتعرفت من خلالها على كبار الآلهة وكبار الفرسان حتى صارت الإلياذة من أول واكبر المصادر للكثير من الأعمال الأدبية والفنية ولدهور كثيرة .
إن الروائي المبدع محمد الأحمد عرف هذا الدرس وأتقنه فتفوق به من خلال روايته الإبداعية (متاهة أخيرهم) التي كتبها بمجهود فكري وفني ومعرفي واضح ولا أبالغ إن قلت إن رواية الأحمد هي من أهم الأعمال التي اطلعت عليها خلال هذا العام.
من خلال هذه المتاهة السردية والإبداعية يتلاعب الأحمد في كل شيء وعلى كل المستويات, فعلى المستوى الفني جعل الراوي هو المحور الأساسي في سرد الحقائق والأحداث والانعطافة الفنية والرائعة والجميلة تكمن في ذوبان سرد الراوي تدريجيا, ففي الصفحة (92) ينتهي دور الراوي ويبدأ السرد بطريقة الفصول التي تقوم بسردها شخصيات الرواية الأساسية وحتى الفرعية بدءا من العنوان الفرعي (مكابيوس 73ــ78م), ورغم تشعب الأحداث وتعدد الرواة فنحن لم نشعر بتغير الراوي حيث إن جميع الرواة اندمجوا وانغمسوا في وحدة الموضوع فلا يكاد يشعر بذلك إلا القارئ الفطن الذي لا يريد من قراءة الرواية المتعة القرائية فحسب وإنما يتوصل إليها ذلك القارئ الذي ينقب ويبحث ويتطلع لكسب الخبرة الفنية في كتابة الرواية الحديثة التي اعتمدت تماما على ما اعتقد على اعتماد الحديث الداخلي المباشر في الرواية فكان الحديث المباشر في هذه الرواية شبه معدوم إذ إنها اعتمدت على الشهادات التي تداخلت ببعضها ولولا فطانة وخبرة المؤلف لفلت الموضوع المحوري وغاب في الأحداث التاريخية التي تخص تطور أو انهيار النسيج الاجتماعي في مدينة بعقوبة فقد كان محمد الأحمد موفقا في التنقل بين الحقائق التاريخية والمعلوماتية التي كان يتنقل بينها وبكل مرونة كالنظريات التاريخية المقترحة من قبل هيرودتس والتي يقوم بسردها على الغالب وبين الحين والحين (يهوده), وحتى من خلال العناوين الفرعية التي فرضها واوجد حتميتها متن الرواية وموضوعها المتشعب والمتداخل وكما أسلفت كان الأحمد يتنقل بخفة ورشاقة فكرية ومعرفية ليجعل عمله الروائي يسرد من قبل الجميع من خلال عدة السن ورواة وانه تنقل أوجدته ضرورة السرد من منطلق انه لا يجيد سرد الأحداث إلا أصحابها لذلك كانت السير والأحداث تقص من قبل أصحابها.
أما على المستوى التاريخي والفني فان الأحمد ربما أغنانا عن الاطلاع على مصادر كثيرة تخص الطبيعة الجغرافية لمدينة بعقوبة وفاض واستفاض في شرح تفاصيل دقيقة عن طقوس الديانة اليهودية لدرجة إن هناك حقائق يذكرها في الهوامش وهي عبارة عن أرقام وتواريخ دقيقة تدل على اطلاع المؤلف على مصادر كثيرة ليدعم بها وبمعلوماتها ما ورد في عمله الإبداعي.
إن محمد الأحمد في (متاهة أخيرهم), وهذا العنوان كان موفقا جدا من خلال تطابقه مع الأحداث التي يمر بها (مكابيوس) وكذلك قارئ الرواية الذي يدخل هو الآخر منذ البداية بمتاهة رائعة وشبه ورطة أساسها عدم الرغبة في ترك متابعة أحداث الرواية لأغراض الراحة لذلك ختمت القراءة الأولى لهذه الرواية في جلستين فقط وختمتها بثلاث جلسات في القراءة الثانية, قلت إن القارئ مع (مكابيوس) في متاهته حتى يتلقف (باب الخروج 1979م) ص309 وهو عنوان فرعي آخر يمثل باب الخروج من هذه المتاهة اللذيذة, متاهة مكابيوس ... آخر يهود بعقوبة الذي قتل بعضهم وهجر البعض الآخر بدوافع دينية وسياسية وحتى مادية.
كل هذه المتاهات والاعترافات والحقائق جاءت على شكل متاهات حاكها وثبتها (مكابيوس) على شكل أحداث ومعلومات على الأوراق وبطريقة سرية حتى لا يطلع عليها الآخرون وبالتالي تقع هذه الأوراق بيد (السارد التالي) ص317 بعد فقدان (مكابيوس) في حرب الخليج الأولى وتبين من خلال رسالة بعثها للسارد التالي بأنه التحق بابيه يهوده المحب لبعقوبة والذي أجبرته الظروف القاهرة على الاستقرار في إسرائيل , هذه المتاهات يتسلمها السارد الأخير وتكون شبه أمانة فكرية وفنية فحمل على عاتقه ربط المتاهات ببعضها ليشكل سلسلة من السرد الذهبي الذي أجد نفسي عاجزا أمام هذا العمل الإبداعي وذلك لافتقاري للأدوات النقدية التي تمكنني من إبراز هذا العمل الجبار بصورة تليق به.
ولا يسعني إلا أن اشكر صديقي وأستاذي الكبير محمد الأحمد لأنه لم يحتكر هذا العمل الجبار لنفسه ووافق على أن يقوم عدد من أصدقائه المبدعين بنشره من خلال الدعم والمشاركة على المستوى المادي والمعنوي, وفعلا قدمت هذه التحفة الفنية للنشر في مطبعة جامعة ديالى بـ (100) نسخة فشكرا لكل من اطلع وشارك وأيد صدور مثل هذا العمل الكبير والنبيل, وأتمنى كذلك أن تتسع رقعة انتشار هذا العمل الجميل وان يترجم وينشر ويوزع من قبل دار نشر كبيرة لأنه ببساطة يمثل جزء من تاريخ بعقوبة.
أخيرا أقول سلاما لـ (يهوده ــ حسقيال ــ سناء ــ إبراهيم دندي ــ مكابيوس ــ عزرا أو عباس زرزور) ــ خريسان ــ مقهى مناتي ــ دربونة التوراة ... وأسماء أخرى كثيرة ستبقى محفورة في ذاكرتي إلى الأبد)

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا