الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة التخاون) لدى السياسي العربي)

علي آل شفاف

2005 / 5 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


أصبحت لفظة "الخيانة" من ألذ وأمتع الألفاظ وأسوغها عند السياسيين ومتعاطي الشأن السياسي العرب. فقد بلغ ارتباط هؤلاء بهذه اللفظة حدا لا يصدق, فتعلقوا بها حد الغرام والهيام والولع, بحيث لا يستطيعون مفارقتها. فلا تجد مقالة أو مقابلة أو لقاء أو مؤتمر صحفي يخلو من ملح (التخوين) ـ إلا ما ندر. ولعل القراء والمشاهدين والمستمعين العرب تعودوا على هذا الأمر, حتى أنهم قد لا يستسيغون أي مادة إعلامية بدون تخوين أحد ما.

وبالمناسبة . . وأنا أهم بكتابة هذا المقال, خرج علينا شيخ (من عراقيي الخليج), ليخصص حلقة كاملة في قناة خليجية, حول كلمة الخيانة ومرادفاتها وأخواتها, كالغدر والمكر والختل . . . الخ. واستغل أغلب هذه الكلمات ليضرب ـ كالعادة ـ على وتر معروف (خيانة ابن العلقمي!!), ولكن بذكاء مشهود. ثم يُعرّض ويغري بخصومه (من جاء بالأجنبي إلى بلده) كما أسماهم. ونسي من دعى الأجنبي ليدخل مدينته سلما ويحتمي به, كي لا يدخلها أخوته العراقيون.

لعمري . . "لقد ضاع الخيط والمغزل", فالكل (خائن) عند الكل, والكل (وفي) عند نفسه. إذا ما تجاهلنا الإستثناء. فهناك فرق بين تشخيص حالة خيانة ما, بأدلة مادية وبإجماع معقول وواضح؛ ورمي المخالفين بالخيانة, ثم تحول هذا التخوين إلى ظاهرة شائعة وسائدة.

إن ظاهرة التخوين و(التخاون) أي تبادل الإتهام بالخيانة, هي ظاهرة ليست حديثة العهد. ولكنها لم تصل إلى مداها الأوسع, إلا في هذه الأيام. بسبب تطور تقنية الإعلام والإتصالات, حيث ازداد عدد المتلقين لأي جرثومة إعلامية, فازداد عدد مرضى وباء التخوين ـ موضوعنا.
وزادت أيضا أعراض الإندفاع والانفعال والتهور لدى الموبوئين بهذه الجرثومة, من الجهلة والغوغاء والمراهقين, والذين لم يتمكنوا من الحصول على اللقاحات الوقائية, قبل استفحال هذا الداء.
وتعد (تهمة الخيانة) أحد أهم وسائل غسل الإدمغة, والتخريب الفكري للشباب والمراهقين والغوغاء, وحتى المثقفين في حالات الطغيان الإعلامي لثقافة ما, كـ (ثقافة التخوين) في وقتنا الحاضر. مما وفر الأرضية المناسبة التي دفعت منفذي العمليات الإنتحارية للقيام بها.

إن لجوء المثقفين والسياسيين إلى تخوين الآخر, هو إفراز لتضخم (غدة) الأزمات النفسية الحادة والمتلاحقة, الناشئة من الهزائم المتكررة في تاريخنا العربي المعاصر. لذلك لجأ هؤلاء إلى هذه الوسيلة, للتخفيف من الشعور بالهزيمة واحتقار الذات.

حاول هؤلاء السياسيين معالجة تداعيات هذا الشعور بالهزيمة, والإنكسار والتصاغر وعدم الثقة بالنفس, بطريقة التزوير وخداع النفس وخداع الرأي العام, وتصوير الهزيمة نصرا مؤزرا!!
كما هو الحال في ثغرة وحصار واستسلام حرب عام 1973, أو في حرب صدام مع إيران, أو في أم معارك صدام عام 1991. وحتى في هروب صدام وزمرته أمام زحف الأمريكان على بغداد وإخراجه ذليلا من جحره.
فكل هذه الهزائم اعتبرت إنتصارات في عرف من تشوق لزهو النصر ولم يره, وكان ـ نفسه ـ جزءا من المنظومة الفكرية والثقافية والسياسية والعسكرية التي قادت إلى الهزيمة.

وقد لجأ هؤلاء إلى الخداع مرة أخرى, عن طريق التنصل وإلقاء اللائمة على (عنقاء) الخيانة والعمالة!!

فلا بد لنا إذا ـ نحن العرب ـ مستقبلا قبل الدخول في أي حرب ـ وتماشيا مع النهج العربي السائد ـ أن نحضر كبش خيانة وعمالة ـ مسبقا ـ لنبرر هزائمنا المتوقعة.
ففي حرب 48 مع الإسرائيليين كانت الأسلحة غير صالحة!! وكانت هناك خيانة من الجهات التي جاءت بها, أي بعض الحكام (العملاء) للإستعمار, وبعض الجهات المزودة والمصنعة!!
وفي حرب 67 تعددت نظريات الخيانة, أما في حرب 1991 فبدأت (الخيانة) بالسفيرة الأمريكية, مرورا بالضباط الكبار في جيش صدام, وانتهاءا بانتفاضة الشعب العراقي؛ وهكذا كان الأمر في حرب 2003, فتعددت نظريات الخيانة؛ إبتداءا من أقارب صدام إلى كبار ضباطه إلى الشعب الذي لم يقاتل مع جلاده!!

وقد ساعد الكذب والدجل الإعلامي للسياسيين والحكام والأحزاب الحاكمة, على نمو وتطوير (عقلية التخوين). حيث تصور وسائل إعلامهم للبسطاء, شدة بطش الحكام وقوة قهرهم لشعوبهم, أنها قوة لردع الأعداء ومنعهم من التعدي على (الحرمات)!! وهكذا فالمطالبة بالحقوق والحريات يعد خيانة وعمالة في عرفهم!!

وقد كان صدام أوضح مثال على ذلك, فصور (أخطبوط) إعلامه المشبع ببراميل وكوبونات النفط, أن صدام سيقهر أمريكا والعالم الغربي وكل (الأعداء)؛ وأن الأمريكان سيهزمون على أبواب بغداد!!! وأن من يقف ضده أو يعارضه, يعد خائنا وعميلا . .
فكانت هناك هزيمة فعلا, وكان هناك فرار سريع . . ولكن لمن؟ . . لصدام وجيشه وليس للأعداء, فدخل الأمريكان بغداد بدبابتين!!
وأخذ (أبطال الحرس الخاص), الذين روعوا وأرهبوا وقتلوا أبناء شعبهم, بالهروب والفرار قبل أن يدخل (العدو) ساحة المعركة! . . "أسد علي وفي الحروب نعامة".


إذا فثقافة التخوين والتخاون هي الوجه الآخر لثقافة الهزيمة, وثقافة التنصل.
إنها ببساطة ثقافة الجبناء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس