الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة الخايبة

عبد العاطي جميل

2013 / 8 / 8
الادب والفن



... انتهى الموسم الدراسي .. عاد إلى بيت أسرته كعادته لقضاء أيام سياحية قرب البحر . فقد اقتنى قبل عودته مجموعة روايات و دواوين شعرية و قصصا و دراسات متنوعة .. يشعر أن زمن العطلة قد انتهى و هو لم يبدأ بعد .. فهذا الزمن المخصص لا يكفيه البتة ..
أمه هذي النملة الشغالة لا تتوقف لحظة عن استثارة موضوع الزواج .. يسائل نفسه : هل أمي ترغب في الفرح بي أم بابنة الجيران حكيمة الغشيمة ؟ ـ هكذا تنعتها فتيات الحي الشعبي . ربما حسدا وغيرة منها ـ .. لم تتوقف الأم لحظة عن شكر حكيمة ، عن مدح حكيمة ، و لكأنها تسكن خياشيمها .. و حكيمة بالفعل مثيرة .. لا تخرج و لا تدرج .. ترتدي الحجاب و تصلي التراويح بجانبها .. تعينها على حمل قفة الخضر و الفواكه الثقيلة كلما عادت الأم من الجوطية المجاورة دون أن تركب سيارة الأجرة الصغرى ..
فكرة الزواج هذه تضر أحمد في رأسه ، فهو ليس على استعداد لتحمل المسؤوليات التي لا تنتهي . وهو " ماشاف وما تشوف " كما قال في قرارته .. ثم إن نفسه تميل إلى نعيمة التي يخجل منها و لم يفاتحها في الموضوع بعد .. و لا يقوى على ذلك و إن رغب ..
أما الأب فيبدو خارج موضوع الزواج . ربما لأنه نادم على زواجه المبكر الذي كانت حصيلته : ثلاث إناث وخمسة ذكور .. و أحمد رابعهم حسب ترتيب الحالة المدنية الملفقة .. أو ربما لأن الأب يتسلم بانتظام حوالة مالية تساعده على معاندة عوائد الزمان .. فلا يتدخل فيما لا يعنيه .. يكتفي بالرضى على ابنه كلما تسلم المبلغ الذي يزداد مع المناسبات وا لأعياد و فترات العطل التي يقضيها أحمد في سطح البيت و كأنه يقيم في أوتيل دون نجوم ..
الزواج و تكاليفه و ربما انقطاع الحوالة عنه ليس في مصلحته و هو يعيش في ركن بصفته متقاعدا .. فالزواج الافتراضي قد يحرمه من جني ثمار تعبه المستديم .. و ظروف العيش قاهرة
في بلد لاحرية لاكرامة ولا عدالة اجتماعية فيه .
و على مشارف نهاية العطلة الصيفية .. همست الأم لأحمد و ألحت في طلبها لخطبة ابنة الجيران على الأقل .. حتى لا يسبقه إلى حكيمة غيره حسب ادعاء الأم .. فأحمد يتردد و لا يريد أن يقتنع برؤية أمه و اقتراحها .. و في الوقت ذاته لا يرغب في إغضابها .. " لن أخسر شيئا ، سأرافقها و بعدها لها حلال ..." قال متلعثما و هو يحدق في ملامحه الطيبة على المرآة ..
....................
..................
( حوارطويل محذوف حول الخطبة و الزواج بين أم أحمد و أم حكيمة و أبيها ، يتضمن آيات بينات من القرآن الكريم و أحاديث نبوية شريفة و آراء الجارات و فقيه الحومة حول حواشي الموضوع ذاته .. و حول المائدة ) ...
...................
......................
طيلة الحوار ظل أحمد صامتا يشير برأسه معبرا بملامحه الخجولة عن تردده و موافقة أمه على شطحاتها في مديح حكيمة و تألقها بين بنات الجيران رغم أنها لم تكمل دراستها الإعدادية ... و في الثناء على ابنها أحمد السميع و المطيع الذي يتابع الحديث بقليل من الاهتمام في انتظار الذي يأتي و لا يأتي .. و شاردا يقارن البون الشاسع بين ما يقال و بين ما قرأه في تاريخ الأديان و الأنتروبولوجيا و الأساطير و كتب التفسير و اجتهادات الفلاسفة في الموضوع و رغم ذلك لم يتدخل و لم يشعر أنه كان سلبيا في الحوار على العكس من ذلك و إن كان مدفوعا إلى هذه الجلسة الحميمية . فحضوره الجسدي و إنصاته في خجل و ثبات يكفي ليكون طرفا إيجابيا و فاعلا .. في حوار في كليلة ودمنة بين الببغاوات ، كلام مكرور و استطرادات و حشو و خروج عن الموضوع كل هذا جعله يعيد النظر في الصورة التي رسمها لأمه زمن الطفولة و زمن النعم .. و هما يغادران بيت حكيمة وضعت الأم يدها اليمنى على أحمد في اطمئنان : هل رأيت يا ولدي ؟ أناس طيبون متدينون محافظون ... رفع عينيه في وجه أمه و هو على الرصيف الأيسرموافقا على توصيف الأم مضيفا : حكيمة فتاة جميلة و هادئة لا ترفع عينيها في أحد و لا تتكلم و محتجبة و تصلي الصلوات في أوقاتها و يتمناها كل شاب للزواج .. فهذه الصفات الجميلة الصالحة يا أمي جميعها لا تعنيني . فأنا خائب و عصبي و أريد فتاة في مستواي و طباعي تنسجم مع تفكيري المنحرف عن العادات والتقاليد.. فأنا لا أصلي و لا أزكي و مرتاح جدا دون زواج .. الزوجة التي أريد إذا كتب الله أريدها فقط تقرأ و تكتب وربما ترسم و هذا ما يعنيني الآن فيها .". ثم تساءل و هو يدخل بيته صاعدا في اتجاه سطح البيت : هل حكيمة خايبة ؟ و هل أمي كذلك خايبة ؟ .. أم أنا ... ؟ ...

مراكش / غشت 2013
...........................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شخصية أسماء جلال بين الحقيقة والتمثيل


.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت




.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو


.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??




.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده