الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة إلغاء العفو الملكي؛ دروسٌ و عِبر.

محمد المساوي

2013 / 8 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


لعل الكل يُجمع على أن هذا الأسبوع الذي مرّ على بلادنا كان حابلاً بالعديد من الأحداث واللحظات والأفكار، إلى درجة صدور بلاغات متتالية من ديوان القصر الملكي، وهو ما لم يسبق حدوثه في التاريخ الحديث لهذا البلد.
لن أعود في هذا المقال إلى استحضار حيثيات إصدار العفو الملكي عن المجرم الإسباني "دانيال كالفان"، السياق معروف وتم تناوله باستفاضة من طرف مقالات وتوضيحات في اليوتوب والمواقع الاجتماعية، لكن يهمنا هنا أن نسجل مجمل الدروس والخلاصات التي يمكن الوقوف عندها، وسيكون تبيان ذلك على الشكل الآتي:
- بيّن الحدث بالملموس أن السياسة في هذا الوطن تكتنفها معادلة واضحة، هذه المعادلة تنطوي على حدّين؛ الملكية وأجهزتها من جهة، ثم الشارع وصوت الشارع والحركات الاحتجاجية من جهة أخرى. لذلك كانت الجماهير في الشارع تحتج وتُقمَعُ وتُصرّ، وفي الجهة المقابلة كان الديوان الملكي يردّ ببلاغات ومبادرات، قدم البلاغ الأول، وتم رفضه من الشارع، فاضطر إلى تقديم البلاغ الثاني وهكذا دواليك، في المقابل ظلت جميع المؤسسات والشخصيات السياسية صامتة تراقب ما يحدث من بعيد وتخاف أن تنبس ببنت شفة حتى لا يُحسب عليها (لا قدر الله) ما قد لا يرضي الملك.

- إن مؤسسات الحكومة والمعارضة و البرلمان ...هي مؤسسات "بريكولاج" وليس من مهمتها البثّ في القضايا الحساسة التي تهمّ مستقبل الوطن والشعب، ففي دولة ديموقراطية إذا افترضنا جدلاً حدوث مثل هذا الخطأ الفادح (العفو عن المجرم) كانا البرلمان والحكومة هم من سيتكفلون بعرض المشكل والتداول فيه وتشكيل لجن التحقيق وغيرها، لكن الذي حدث عندنا هو أن الشارع المقابل للبرلمان هو من تكفل بهذه المهمة، فيه رُفعت شعارات منددة بجريمة العفو عن المغتصب الإسباني، فيه سالت الدماء الطاهرة لغسل عار الصمت المريب، فيه طالب المحتجون بإلغاء العفو واستقلال القضاء واعتذار الملك للضحايا والشعب المغربي، حتى تكرّست هذه المفارقة الفجة التي تختصر طبيعة الممارسة السياسية في المغرب: في البرلمان تجد من يلعب "السوليتير" ومن يعرّي بطنه، ومن يفصح عن افتتانه ب "ضرب الغرزة" و فيه يدور الحديث عن "التماسيح والعفاريت" و"فهمتيني ولا لا" و"الستريبتيز"...في حين نجد أن الشارع الذي يطل عليه البرلمان فيه تُحسم الأمور، وترفع المطالب، ويُمارس الضغط، ويُفرض على المؤسسة الملكية إصدار بلاغات وتصريحات والإقدام على المبادرات.


- إن من المكاسب الأساس التي حققتها حركة 20 فبراير أنها استطاعت تحرير الشارع، باعتباره فضاءً للصراع، وكلا طرفي المعادلة يسعيان إلى التحكم فيه، الحركة والحركات الاحتجاجية الأخرى تصرّ على تبليغ رسالتها من هذا الفضاء لأنه السبيل الأنجع، والنظام يريد بكل ما أُوتي من قوة إعادة السيطرة والتحكم في هذا الفضاء، وهو ما تعكسه الخطة الأمنية المسماة "استرجاع هيبة الدولة"، استرجاع هيبة الدولة هنا هي اسكات الشارع وعدم جعله فضاءً للاحتجاج، بل على الاحتجاج أن يمرّ من المؤسسات لكي يكون متحكماً فيه. لكن الملاحظ رغم العشرات من الاعتقالات ورغم العشرات من الملفات المفبركة في حق مناضلي الحركة إلاّ أن النظام لم يفلح في إعادة تثبيت سيطرته على الشارع، وهذا ما بينته بالملموس الأشكال الاحتجاجية ضدّ قرار العفو الملكي.

- إن معركة إلغاء العفو الملكي عرّت بالواضح سوءة بعض الهيئات والشخصيات الدينية والسياسية والحقوقية والثقافية والفنية، وبيّنت كم هم صغار وأقزام أمام القضايا المصيرية لهذا الشعب، لكنهم لا ينفكون يستعرضون عضلاتهم أمام الإعلام وأمام القضايا التي لا تمس جِناب المؤسسة الملكية بسوء، لقد بيّن الحدث أن مقولة "حينما يتكلم الكبار، يصمتُ الصغار" هي التي راجت فعلاً أمام التفاعلات المترتّبة عنه، فكل من صمت أمام هذه الجريمة النكراء شهد على نفسه أنه قزم لا يتقن إلاّ القفز على الحيطان القصيرة.


- إن كلّ مساحيق التجميل التي حاول البعض اعتمادها لتجميل وجه "المخزن" البشع قد ذابت في إناء هذا الحدث، وبينت أن النظام المغربي لم يتغير قيد أنملة، وأن "يوتوبيا" الاصلاح والقضاء على الفساد ومصارعة التماسيح التي يروّج لها حزب العدالة والتمية هي مجرّد لعبة لإلهاء الشعب، إذ أن هذا الحزب ووزراؤه تحولوا هم أيضاً أمام هذا الحدث إلى تماسيح وعفاريت، وما اضطراب تصريحات وزير العدل بين اعتبار حدث العفو أملته المصلحة العليا للبلاد ثم سحب هذا الاعتبار بعد ذلك، وقمع المحتجين ثم العودة لذرّ الرماد في العيون وادعاء فتح تحقيق في موضوع التعنيف الذي طال المحتجين، ما هو إلا جزء من "عفرتة وتمسحة الحزب"، لأنها كانت فرصة تاريخية للكشف عن هذه التماسيح والعفاريت لكن الحزب اختار التغطية عليها وبل الدفاع عنها حتى؛ نموذج تصريحات الرميد للقناة الثانية حول موضوع قمع المحتجين أمام البرلمان.

- إن المؤسسة الملكية تضطر أحياناً، أمام ضغط الشارع، إلى الإقدام على مبادرات جزئية لامتصاص هذا الغضب، لكنها تصرّ دائما على اعتبار ذلك مبادرات شخصية منها وليست استجابة لأي طلب أو ضغط (خطاب 9 مارس2011 وحدث إلغاء العفو الملكي نموذجاً)، مما يعكس بشكل جلي أنه لا إرادة لديها بالمطلق للإصلاح ولا التغيير، بل تحاول تمرير رسالة مفادها أن الملك لا يُناقش، لا يُخطئ، لا يَتراجع، ولا شريك له في الحكم، بل كل ما يقدم عليه يمليه ضميره المفعم بحب الفقراء والبسطاء.


- إن فؤاد عالي الهمة خط أحمر بالنسبة إلى الملكية، لا يمكن المساس به تماماً مثل ادريس البصري في عهد الحسن الثاني، فبعد ما تناولته بعض وسائل الإعلام حول غضبة الملك على الهمة واتهامه بالتسبب في هذه الفضيحة في سباق صراعه مع بنكيران، وأيضاً محاولات بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية تجديد مطلب بنكيران الذي جلس عليه ونسيه أو تناساه؛ "مطلب لا مكان للهمة بجانبك يا صاحب الجلالة"، كل هذا أجاب عليه الملك مساء أمس عندما اصطحبه هو وحرمه إلى حفل عشاء في منزل رجل الأعمال حسن اليمني، وكذا ما تناقلته بعض المواقع الاخبارية عن ظهوره نهار الخميس آخر ايام رمضان بجانبه في السيارة يجوبان شوارع الرباط.
- إن مشكل العفو عن المجرم الذي اغتصب أطفالنا له عمق إنساني لا مراء في ذلك، لكن أيضاً حصل نتيجة أسباب سياسية لا يمكن القفز عليها بالبات والمطلق، فالذي يحاول اختزال الحدث في موضوع إنساني يخص الطفولة إما أنه واهم أو يسعى إلى إيهام الناس عن سبق إصرار وترصّد وخدمة لأجندة معينة، فلولا الصلاحيات غير المحدودة التي هي في يد الملك لما وقعت هذه الجريمة، لو كان موضوع العفو من اختصاص المؤسسات ووفق شروط صارمة لما كان لدانيال أن يبرح السجن ولما كان للمهرّب المتهم بتهريب 9 أطنان من الحشيش أن يتمتع بالعفو ؟ لذلك لم تكن الاحتجاجات تؤطرها شعارات انسانية بسيطة كما حاولت بعض الصحف وبعض الأبواق تِرداده، بل رُفعت شعارات سياسية قوية أغلبها مرتبطة بمطلب استقلال القضاء، وأيضاً مطلب اعتذار الملك، فلو كان عندنا استقلال للقضاء لما مُلئت سجون الوطن بسجناء حركة 20 فبراير وسجناء حرية الرأي والعقيدة، ولما تم العفو عن مجرم ضُبط بحوزته 9 أطنان من الحشيش.. وهلم جرّا. المطالبة باعتذار الملك هو نَزْعٌ لقدسيته، نَزْعٌ لنزعة تأليهه، وهو أيضاً محاولة "أنسنته" حتى يصبح بإمكانه أن يخطئ ويصيب مثله مثل باقي البشر. فالاعتذار سمة إنسانية ما دام الإنسان يخطئ، الله وحده الذي لا يخطئ وبالتالي لا يعتذر، وعندما سيتخلى الملك عن سمات الألوهية فإن الكثير من المياه ستجري من تحت جسر الإصلاح والتغيير.

- أخيراً، إن هذه الأحداث أكدت بالملموس أنه بقدر ما ثمة البعض لا يتقن إلاّ النفاق والتملق والتزلف والتمسح بالأعتاب الشريفة، هناك أيضاً في هذا الوطن أحرار وحرائر، لا يخافون لومة لائم في أن يصدحوا بالحق ويصرخوا في وجه كلّ من يستبيح كرامة الوطن، وأن الهبة الشعبية ضدّ قرار العفو الملكي زرعت بذور الأمل في مستقبل هذا الوطن، وغطّت على النعيق الذي طالما تغنى بالاستثناء والحكمة وثورة الصناديق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا