الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باردو : محاولة في توصيف المشهد

شفيق طارقي

2013 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


باردو : محاولة لتوصيف المشهد / شفيق طارقي
للأمكنة فيما يوسم بالرّبيع العربيّ سلطانها و لها على من رام التّوصيف و تاق الى بعض هدى في تتبّع مساراته ثقلها و وزن لا يستهان به في معادلة ما انفكّت عناصرها تزداد تعقّدا و تجنح بالقراءة جهة التّيه ، و لئن كان لما أثبتنا في مصر مداه بين رابعة و التّحرير ، فانّ حاضرة " باردو " قد استطاعت بسبب من وجود المجلس التّأسيسيّ بين أحضان مساحتها و توسّطه من جغرافيّتها الخصر أن تستقطب كلّ الحدث ليحجّ اليها الفرقاء يفصلهم فيما تعاين الأبصار حاجز أمنيّ و أسلاك شائكة و تحول بينهم في الباطن و المتستّر هوّات في الرّؤية و مسافات في تقدير الوضع و تأويله و يفصلهم نمطان من تمثّلهم للحياة ، نمط هامت أنفس أصحابه بالحداثة و حقّقت الى حدّ ضربا من الانسجام و مقولاتها ترى فيه متى سرّحت البصر و تناهى السّمع الى ما ترفعه من شعارات تونس في وسطيّتها و براءة تكوينها خضرتها الغنّاء و سواحلها و عمقا موصولا بالتّاريخ في مناطقه الحيّة متجذّر في غير غياب في هويّته منفتح في الان نفسه على ما ابتكر الانسان و جاء به من مستجدّات يسعى ، نمط أخلص للمعادلة الفذّة بين خصوصيّته و متطلّبات الكونيّة ، سيما أصحابه في وجوههم اذ تتطلّع الأفئدة الى وطن أجمل على الأصعدة كلّها الى ثقافة راقية و اقتصاد يمضي صعدا في مسالك النّموّ الى شغل يكفل للإنسان كرامته و الى حرّيّة مسؤولة ، و أمّا النّمط الثّاني فقد أخلص بكلّ ما توفّر لديه من ضيق في الرّؤية الى الرّجعيّة بكلّ لبوسها و أشبع خطابه بالدّين معجما ذهب منه الجوهر فاستبدّت الأعراض ، و فيما تتحكّم بهم أيديولوجيا ما أنزل الله بها من سلطان تدّعي لنفسها الإطلاقيّة و تتّخذ من التّكبير في غير مقامه سبيلا لوسم الموقف بهالة من القداسة محتكرة لذاتها الحقيقة و مصادرها العلويّة ، تنصهر في النّمط الأوّل مختلف الايديولوجيّات انصهارا محمودا فتذوب الفوارق بين اليسار و اللّبيرايّة و الأفق القوميّ لتتقاطع في كلّ اسمه تونس و مدنيّتها الّتي يتهدّدها خطر الاستيلاب و تهوي في غور سحيق ، انّ المشهد في باردو يختزل كلّ شيء فالصّراع قائم بين غرفتين معتّمة و مستنيرة ، مغلقة و مفتوحة بين أرضين ملغّمة تبتر فيها الأرجل و خصب مثمرة ، بين رؤيتين للحياة رؤية كابوسيّة و أخرى حالمة بين اسلام نكديّ بعبارة الدّكتور عبد المجيد الشّرفي و اسلام للبهجة للخلق و البناء ، بين فريق يفهم الشّرعيّة فهما سطحيّا منمّطا و يعتبرها ملكا شخصيّا و حائط مبكى ، و فريقا لا يراها الّا متّصلة بمصالح الوطن العليا يصحّ تعديلها و تبديلها متى أمست متحرّكة خارج السّياق الّذي نشأت من أجله ، و للأعلام في باردو دلالتها الرّمزيّة ففي الوقت الّذي رفرف فيه علم تونس لدى الدّاعين لاسقاط المجلس و الى حكومة انقاذ وطنيّة لا ينازعه في الهواء الطّلق شيء و لا يخالطه غريب ، رفعت الأعلام لدى الفريق المقابل محاصرة بما شذّ واقعة بين فكّين في ضرب من الاقحام المغرض و الى جانبها رفعت أعلام سوداء موازية لبياضها معتّمة لحمرتها . انّ باردو لا تعبّر عن انقسام قدر ما تدلّ عن تباين في تمثّل الأشياء لم يكن من بين أهداف الثّورة الّتي حادت بسبب من سفاسف عن أهدافها فبدلا من أن تتوجّه العناية فيولّى السّعي شطر التّشغيل و تحسين مستوى المعيشة و النّهوض بالإنسان التّونسيّ وعيا و ثقافة ليكون شريكا فاعلا في فضائه الكونيّ ، تعزّز الجدل حول مسائل لم تقدّم في الأمر شيئا و انّما أخّرت و علا السّجال حول نوايا النّاس و ما يجيش بذوات صدورهم ، فعاد السّجال الى معضلات قروسطيّة تجاوزتها البشريّة و وقع التّضخيم من بديهيّات تتّصل بهويّة الشّعب و بعمقه العقائديّ ، ليكون المناخ موافقا لبروز مظاهر كانت تونس طوال تاريخها أبعد ما تكون عنها ، و الى إطالة أياد لمن قصر فهمهم للدّين فحنّطوه و لجموا ما فيه من منافذ على التّسامح و قبول الاخر ، و وجد أصحابها من تسامح السّائس و من المدّ المشبوه مادّيّا ما به تجبّروا فقطفوا الأرواح اليانعة و أفسدوا في الأرض .
هذه باردو كما أجلت عن نفسها سوى أنّ تلك المنطقة الفاصلة من أسلاك شائكة و حواجز ما كان لها لتكون لولا سوء تقدير و خلل في التّدبير و تعنّت من خالوا أنفسهم أوفر ذكاء من خلق الله و توهّموا زيغا أنّ وجودهم على راس الحكم مبرّر لقبر الأحلام و لصياغة الوطن وفقا لميولاتهم و قولبة من فيه بما يتناسب و كيفيّة تصوّرهم للحياة ، تلك المنطقة الوسط الّتي كانت أميرة المناطق في الرّابع عشر من جانفي فجمعت مختلف الأطياف السّياسيّة و مختلف الطّبقات الاجتماعيّة خاصّة الشّعب و عامّته ، و لسائل أن يسأل ماذا تخبّئ الأقدار للتّونسيّين بعد باردو ... لقد علّمتنا الحياة أنّ النّصر للأجمل و لا شكّ أنّ الشّعب الّذي أطاح بطاغيته سينتبه في قام الأيّام الى تلك المنطقة الوسط و سيثوب الّذين ضلّوا الى رشدهم ... و أمّا الزّبد فيذهب جفاء ، فلا بقاء لغير الشّعب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: لن نرسل الأسلحة لإسرائيل في حال شنت هجوما واسعا على ر


.. مراسلنا: قتيلان في غارة استهدفت سيارة في بلدة بافليه بقضاء ص




.. فايز الدويري: لا تزال معركة رفح في بدايتها ومعالمها ستتضح خل


.. نواب أمريكيون يعدون تشريعا لتهديد مسؤولي الجنائية الدولية..




.. شهيدان وجريح في استهداف مسيرة إسرائيلية سيارة في بلدة بافليه